كاظم الخطيب
العنف كلمة نافرة مقيتة؛ إذ تعني العمل على إجبار الشيء- أيا كان ماديا أو معنويا أو حتى إن كان سلوكاً بشرياً-على أن يكون بهيئة أو بصفة أو في محل غير الذي هو عليه أو هو كائن فيه أو قائم به.
إستخدام الخوف لأقصى درجاته، والتلويح بإستخدامه، بين الحين والآخر، وترويع الآمنين بإطلاق كلمات أو عبارات أو تصريحات، بصفة شائعات وأكاذيب، أو تهديدات واقعية قد تكون فعلاً، أو أنها تكتفي بترويع وترهيب الشريحة المستهدفة، فإن ذلك- جميعه- وبحد ذاته يعتبر عنفاً.
يعد عنفاً سياسياً كل ما كان صادراً عن جهة أو شخصية سياسية، كأن يهدد رئيس كتلة بقضاء فصل تشريعي كامل في كافيتريا المجلس، وأن يهدد أخر بأن يحول الشارع إلى كتلة من لهب؛ فيما لو جرت الأمور مغايرة لهواه السياسي.
وعند قيام أعضاء من البرلمان بتقاذف قناني المياه البلاستيكية- والتي أرجو إستبدالها بأخرى زجاجية كي؛ تعود بمنفعة معنوية كشفاء غليل للمواطن على الأقل من خلال نتائج السجالات القناناتية- فيما في بينهم؛ لبيان وجهات نظرهم في القبول أو الرفض للقضايا المصيرية.
كما يمكن أن يعد عنفاً أسريا أن كان صادراً عن أحد الوالدين أو كلاهما أو من الأخ الأكبر أو من الزوج لزوجته، أو من الأولاد عقوقاً لأبويهم أو الأخوة الصغار لأخيهم الأكبر أو أخواتهم الصغريات، وخصوصاً القاصرات منهن حال يتمهن.
من مصاديق ذلك العنف هو العنف المجتمعي، الذي يتخذ من الصوت العالي والتشهير، وإستخدام القوة إذا لزم الأمر، لمصادرة حق أحدهم عند المطالبة به- بالأخص إن كان صاحب الحق ضعيفاً- حينها لا يجد ناصراً لتحصيل حقه؛ لأن الآخرين(يتكفون الشر ويغنوله).
ويمكن إعتباره عنفاً عشائرياً؛ عندما تكون العشيرة في محل يسمح لها بأن تتقمص دور السلطة التشريعية، من خلال وضع السناين- مفردتها سنينة- العشائرية محل الدستور، وتعميمها واقعا مفروضاً ملزماً، لجميع أفراد العشيرة، والتهديد بطرد المخالف لها من العشيرة( بكسر عصاته).
كما ترى العشيرة أن يكون لها الحق في ممارسة السلطة القضائية من خلال نصب الجوادر وفتح المضايف، بدلاً عن منصات القضاء، وإصدار أحكاماً جائرة بحق المعتدي تارة، وبحق المعتدى عليه تارة أخرى، دون ضوابط معينة ما خلا ضابطة المجاملة .
ضابطة المجاملة هذه، تأتي دائماً على حساب أيتام القتيل المظلوم بإسقاط ديته- تحت الفراش- ومجاملة ذوي القتيل المعتدي المصروع بغياً؛ من قبل المعتدى عليه الذي كان في حال دفاع عن عرضه أو ماله أو نفسه؛ بإصدار دفع دية بمبالغ خيالية.
وقد تصدر أمراً ينفيه هو وأهله عن ديارهم من خلال (سنينة الجلوة) وتحديد مدة أقصاها.... لتنفيذ ذلك الأمر وإلا فإنها ستكون مجبرة، لإتخاذ ما يلزم لتنفيذه ولو قهراً، ثم ما تلبث هذه الجهات العشائرية، لأن تنبري للتصدي لمهام السلطة التنفيذية.
تقوم بإعطاء الضوء الأخضر لقوتها الضاربة، من شبابها المتحمس لخوض غمار المعارك الملحمية من خلال المشاركة في مناورات (الدكة الناقصة) عفواً( الدكة العشائرية) التي تتيح لهم تطبيق مهاراتهم في الرمي المكثف العشوائي وغير المنضبط الذي تدربوا عليه سابقاً في (العراضات).
تلك (العراضات) التي كانت تقام بمناسبة وغير مناسبة، وفي مناسبات سعيدة أو غير سعيدة، وفي أغلب تلك (العراضات) كان الهدف من خلال هذه الممارسة؛ هو إستعراض القوة وإيصال رسالة خوف لجميع مكونات المجتمع العشائري الذي تنتمي إليه العشيرة راعية الإستعراض.
إن تسليط الضوء، وإغناء البحث في موضوع العنف العشائري؛ إنما هو لصلته الوثيقة، بجميع أنواع العنف الأخرى، فالأسرة هي لبنة لعشيرة ما، والسياسي هو فرد من عشيرة ما، والمجتمع هو خليط من عشائر عدة، وبناءً عليه فإن للعشيرة القول الفصل.
فعندما يصدر العنف من أي جهة، يجب أن يكون للعشيرة موقفاً بالسلب أو بالإيجاب؛ لبيان معدن ومكانة العشيرة من باقي العشائر الأخرى والمعيار هنا هو (البخت) ودرجة مراعاته، والبخت هنا؛ هو في مقابل درجة العدل والوطنية في المعيار الإنساني العام.
إضرب بيد من حديد.. يجب على رئيس الوزراء أن يبدأ بمحاربة الفساد.. الدعوة ألتاريخية المشرفة لمحاربة فلول داعش.. الدعوة لمحاربة الظواهر الإجتماعية الشاذة، في نطاق الأسرة والمجتمع والسياسة والعشيرة.. كلها كانت دعوات صادرة من قبل المرجعية لإستخدام العنف التقويمي الحميد.
عنف تقومي حميد؛ لدرء عنف تخريبي شاذ، وقوة مفرطة شرعية بناءةً؛ لدفع قوة خارجة عن القانون الإلهي وعن بديهيات السوك الإنساني، هو ما دعت إليه المرجعية السيستانية العليا لإصلاح البلاد وتقويم سلوك العباد، فإن العنف والفساد لا يردعهما الدعاء وحده.
إن لله عنفاً على الظالمين، وإنه لعنف شديد، نار حامية، وملائكة غلاظ، لا يعصون ألله ما أمرهم، وسلاسل ومقامع من حديد، وسرابيل من قطران، وماء كالمهل يشوي الوجوه، إنه غضب رب جبار لا مرد له ولا عاصم إلا رحمته سبحانه.
وقد أشترط وجوب هذه الرحمة برحمة العبد لأخيه، فيا أيها السياسي، ويا أيها الزوج، ويا أيها الولد، وأيها القوي بجسمك والضعيف بعقلك، ويا شيخ العشيرة، إزرعوا بذور الرحمة في الأرض؛ لتقطفوا ثمارها في السماء، وذروا العنف لتتقوا غضب الله غداً.
https://telegram.me/buratha