علي عبد سلمان
عادة ما تكون الأسئلة أهم من الأجوبة . إذ أن كل جواب سوف يصبح سؤالا جديدا ..
هذه المقدمة أجدها ضرورية جدا للإنطلاق في موضوع فهم وضع منظمة خلق في قادم الأيام..فأذا استطعنا إنجاز ربط تسلسلي لتاريخ منظمة خلق بواقعها من جهة, وبالظروف التي أحاطت باستمرار وجودها من جهة أخرى، وإذا توفقنا الى فهم للإنقلاب الكبير بالمواقف الذي اتخذته الإدارة الأمريكية ودول أوربية من اعتبار منظمة خلق كتنظيم إرهابي لمدة 17 عاما، الى رفع هذه الصفة عنه، وبقراءة أنه لا يمكن قبول أزدواجية تقسيم الأرهابيين الى صنفين: جيد وغير جيد، الجيد هو الذي يخدم المصالح الأمريكية والسيء هو من ليس كذلك.. سندرك بقليل من التمعن أن ثمة أدوار خفية ستلعبها هذه المنظمة وتنظيمات أخرى في مستقبل النظام العالمي.
ونشير الى أنه حتی في فترة إدراج الإدارة الأمريكية منظمة خلق في قائمة الإرهاب، فإنه قد كان لهذه المنظمة مكاتب في نیویورك وواشنطن، وكان(علي رضا جعفر زاده) ممثلا لها في امیركا ومعنى هذا أن الأردارة الأمريكية أبقت خطوط إتصال مفتوحة مع المنظمة لأهداف لن تكون خفية فيما بعد.
وبذاكرة ليست مثقوبة نستذكر أن امیركا وخلال الحرب العراقية الأيرانية، سخرت هذه المنظمة لمصالحها، ومولتها بما يقرب الـ 400 ملیون دولار لكي تقوم بتنفیذ عملیاتها الارهابیة في داخل ایران.
وبإسقاط هذه الفهم على حالات أخرى مشابهة، لن يكون مستغربا البتة أن يأتي يوم تعتبر فيه التنظيمات ألإرهابية المتطرفة كتنظيم القاعدة وتنظيم طالبان، تنظيمات مقبولة وخاضعة لمقاييس الغرب المتمدن. بل أن عناصر هذا المشهد بدأت بالتشكل من إنشاء مكتب لتمثيل طالبان الأفغانية في قطر، بلحاظ الدور المتنامي لقطر كمحفظة نقود للدفع في النظام العالمي الجديد..
هذا التصور الواقعي الذي يستلهم المستقبل المنظور وليس البعيد، سيساعدنا على القيام برسم ملامح المشهد القادم في المنطقة والعراق، سيما أن بين أيادينا العديد من المعطيات على أرض الواقع..
أول هذه الملامح هو أنه وبالرغم من التاريخ الأسود لمنظمة خلق مع العراقيين، فإن بقاء عناصر هذه المنظمة على أرض العراق، عشر سنوات بأكملها بعد التغيير الكبير الذي أزاح النظام الصدامي الذي دعمها ووفر لها أسباب الوجود و البنية التحتية الداعمة لها.يثير سيلا من الأسئلة التي سيجمعها لاحقا السؤال الكبير: وماذا بعد؟!
وبلحاظ أن لمنظمة خلق وجود مماثل في الغرب لا سيما في فرنسا، سندرك بقليل من الجهد أن ثمة إرتباط بين وجودها هنا ووجودها هناك، وأن ثمة ربط أيضا بين الحاضنتين العراقية والغربية، وسنكتشف أن منظمة خلق كانت في زمن صدام لاعبا لمصلحة أطراف تدعي التناقض الظاهر، بينما يجمعها جامع خفي هو ما نحن بصدده في هذه المقاربة...
ولا شك أن أسباب حياة منظمة خلق قد انتهت منذ أمد بعيد، ربما منذ اليوم ألأول لانتصار الثورة الإسلامية في إيران على يد قائدها الإمام الراحل الخميني "قد"..فالمنظمة التي تشكلت لمقارعة نظام الشاه كما تقول أدبيات تأسيسها، أنتقلت بأهدافها الى مقارعة نقيض هذا النظام!..وهي مفارقة تستدعي التأمل، ولنربط هذا السؤال بالسؤال الأكبر الذي أشرنا إليه: وماذا بعد؟!
هذا يعني ببساطة شديدة أن ثمة أهداف خفية وأدوار احتياطية للمنظمة رسمها لها من أسسها، بل ويكشف بذات البساطة أن المنظمة لم تتشكل من رحم الشعب الإيراني ومعاناته، بقدر ما تشكلت كأداة تأثير في مقدرات هذا الشعب ومستقبله. وأنتقلت في أطوار لاحقة الى التأثير في المنطقة عموما، وربما سنكتشف أن لعناصر المنظمة علاقة ما بعمليات تأثير في مناطق مختلفة من العالم، وأن أحداثا جرت هنا وهناك كانت المنظمة فيها وسيلة وأداة...
ودعونا نقرأ بعض الملامح: منطقيا أن ما يحدث في سوريا ليس لمنظمة خلق علاقة به ستراتيجيا وعقائديا وجغرافيا، وهي مثلما تقول أدبياتها معنية بالشأن الإيراني، لكنها وإنطلاقا من دورها المخفي كأحتياطي مضموم تستخدمه الأجهزة المخابراتية التي صنعتها، نكتشف أنها أنغمست بموجة الأحداث في سوريا والى حد ما في المناطق الغربية العراقية.. في البدء، لوحظ نشاط غير معتاد للجهاز الإعلامي للمنظمة ، وصارت تنشر أخبار متعاطفة مع النشاط الحركي للجماعات المتطرفة في سوريا وغرب العراق، وشهدنا أيضا تناغما بالتصريحات بين قادة التطرف في العراق المتورطين بدعم الأرهاب، وهي مفارقة أخرى تستدعي التأمل أيضا هنا، تثير سؤالا مؤداه: هل هي مصادفة أن يكون داعي الإرهاب في العراق هم نفسهم من يدافعون عن منظمة خلق؟..ومرة أخرى نذهب الى السؤال إياه: وماذا بعد؟!
في الشأن العراقي بدت الصورة أكثر وضوحا، وقادة القائمة العراقية تنداح منهم تصريحات تكشف المستور بلا مواربة للأبواب..!..فموضوع الدفاع عن منظة خلق ووجودها بات من ضمن لزوميات عمل القائمة العراقية، وفجأة إستيقضنا على دفاع مستميت عن شرعية وجود منظمة خلق على الأراضي العراقية، بل أن منهم من يعتبر هذا الوجود تحصيل حاصل، ويذهب "أحدهم" الى مدى أبعد من الجميع حينما يعتبر أن وجود منظمة خلق عنصر توازن على الساحة العراقية...وهنا أميط اللثام عن المستور.. إذن هم يريدون أن تلعب هذه المنظمة بتاريخها الأجرامي كله كخادمة لنظام صدام منذ عام 1986 وحتى عام 2003..دور عنصر التوازن..ومعنى هذا أن إستعادة التاريخ باتت أكثر من ضرورية.
بوضوح شديد هم يريدون من بقاء المنظمة على أرض العراق أن تلعب ذات الدور الذي لعبته إبان عهد النظام الصدامي، أداة مجربة لإيذاء وقمع الشعب العراقي، وهراوة يهزونها بوجه جمهورية إيران الأسلامية عدوهم البديل عن الصهيونية التي ربطوا أنفسهم بها بحلف غير مقدس...
منظمة خلق كائن أنتحر بخنجر مواقفه الأنتهازية، ويحضرنا هنا ما جاء في تقرير اون بنت جونس، مراسل راديو BBC: "منذ سبعينات القرن الماضي ولحد الان، تغير خطابها من الاسلامي الى العلماني، من الاشتراكية الى الرأسمالية، من الولاء للثورة الايرانية الى عدائها، من الولاء لصدام الى الولاء لامريكا ومن العنف الى السلام."
وهي بوسائلها المكشوفة تريد أن تبقى في المشهد ليس لأداء أدوار وطنية، سيما بعد إخراجها من "دولة" معسكر أشرف التي بنتها على الأرض العراقية بأموال العراقيين، وإنفصال العديد من أعضائها عنها ولكنها بأمتداداتها الخارجية المتهرئة، تريد أن تثبت للبقية الباقية من أعضائها أنها مازالت حية، وأنها لاعب مؤثر..
الحقيقة ليست مثلما تريد هذه المنظمة ومن يدعمها أن تصوره.
وفضحت هذا صحيفة " دايلي ميل" البريطانية مقالا يمثل إعترافا مدهشا لمسؤولين في الحكومة الأميركية يفيد بأن إسرائيل تعمل بالفعل على تمويل وتدريب وتسليح منظمة مجاهدي خلق المدرجة في قائمة الولايات المتحدة الخاصة بالإرهاب, بالإضافة إلى عمل إسرائيل المباشر معها.
وسلط المقال الضوء أيضا على "بأن هناك علاقة وثيقة بين الموساد الإسرائيلي ومجاهدي خلق حسبما ذكرته وكالة الأن بي سي, ولكنهم قالوا بأن واشنطن غير متورطة بذلك".
و هكذا وكلما يمضي الوقت الى أمام تسقط الستر، الحقيقة هي أن المنظمة باتت بيدقا في رقعة الشطرنج التي يحرك بيادقها لاعب اوحد يلاعب نفسه في لعبة الأمم، وأنها بالحقيقة لم تعد سوى "شركة" من الشركات الخادمة للنظام العالمي الجديد أحادي القطب..
https://telegram.me/buratha