التقارير

ماذا بعد اغتيال نائب القنصل التركي في اربيل؟

2873 2019-07-26

عادل الجبوري

 

   رغم أن الدبلوماسي التركي الذي اغتيل في السابع عشر من شهر تموز - يوليو الجاري في أحد المطاعم بمدينة اربيل الكردية، لم يكن معروفًا، ولم يكن يشغل موقعًا مهمًا وحساسًا، الا أن الرسالة التي انطوت عليها عملية الاغتيال من حيث المكان والزمان، وخلفيات الحدث، ومن ثم تداعياته وتبعاته، كانت دقيقة وعميقة ومحسوبة.

   لم يكن أحد يعرف عثمان كوسه، الا عدد قليل من العاملين معه، وأصدقاؤه وأقاربه، وحتى بعد اغتياله مع اثنين من مرافقيه في مطعم، كان من الصعب جدًا أن تعثر له على صورة في الفضاء الالكتروني، أو تجد له نشاطًا بارزًا ما، تداولته وسيلة اعلامية معينة، مع ذلك فإن اغتياله المفاجيء، مثل حدثًا كبيرًا، وأربك الأوضاع، وفتح الباب واسعًا على مصراعيه لمختلف التفسيرات والتأويلات والتحليلات والاستنتاجات.  

   صحيح أن حكومة اقليم كردستان، قد أعلنت عبر بيان رسمي للمتحدث باسمها، في العشرين من الشهر الجاري، نجاح قوات الامن الكردية (الاسايش)، القاء القبض على أحد المتورطين بعملية الاغتيال، الا أن ذلك لم يغير في صورة الواقع المرتبكة والقلقة شيئًا، لا سيما وأن الجهات المعنية في الاقليم لم تفصح عن أية معلومات تتعلق بهوية الشخص الذي اعتقلته، وطبيعة ارتباطاته ودوافعه - اذا كان هو بالفعل من الضالعين بعملية الاغتيال - حتى ترجيح أحد الاحتمالات على سواها عند البحث والتقصي للوصول الى الحقيقة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج ومعطيات.     

   ولأول وهلة، طرحت فرضيتين، الأولى ذهبت الى أن عملية اغتيال نائب القنصل التركي، تعكس جانبًا من صراعات مراكز القوى السياسية في اقليم كردستان.

التوصل الى خيوط عملية الاغتيال لا يمثل نهاية المطاف

   وفي هذا الاطار، اذا سلًمنا بتلك الفرضية، فهناك احتمالين، الأول يقول بأن أطرافًا كردية لم ترق لها الصيغة التي افضت لها المفاوضات الماراثونية بين الفرقاء الاكراد، المتمثلة بأستحواذ الحزب الديمقراطي الكردستاني على حصة الاسد في المواقع العليا، مثل رئاسة الاقليم ورئاسة الحكومة وعدد من الحقائق الوزارية والهيئات والمفاصل السياسية والامنية والاقتصادية، وترضية الاتحاد الوطني الكردستاني بعدد من المواقع والمناصب، ليكون شريكا رئيسيا للديمقراطي في ادارة دفة الامور بالاقليم.

  ولأن تلك الأطراف لا تمتلك أدوات القوة والنفوذ والتأثير السياسي الفعلي، فإنها لجأت الى الأساليب والأدوات الأخرى لإرباك الأوضاع مع الأيام الأولى من عمر الحكومة الجديدة.

   وحتى الآن لم ترشح أية مؤشرات أو دلائل ومعطيات تعزز الاحتمال الآنف الذكر.

   أما الاحتمال الثاني، فيقول، بأن التنافس المحموم في شتى المفاصل والعناوين بين مراكز القوى داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحديدًا بين نيجرفان البارزاني، صهر زعيم الحزب ونجل شقيقه ادريس الذي توفي عام 1987 بشكل مفاجيء، وبين مسرور البارزاني نجل الزعيم، أخذ مديات واسعة، خصوصًا في ظل الترتيبات والتقسيمات الجديدة، اذ تتحدث اوساط كردية مطلعة انه بينما كان من المؤمل والمتوقع ان تنحسر الخلافات والاختلافات بين نيجرفان ومسرور بعد تسنم الاول منصب رئيس الاقليم والثاني منصب رئيس الحكومة، الا ان الاشارات الاولية من داخل الكواليس تؤكد العكس، في ظل رغبة رئيس الاقليم وضع اليد على الملف الامني، واصرار الثاني على الاحتفاظ به، بعد ان كان لبضعة اعوام يشغل منصب مستشار امن الاقليم، الذي تنظوي تحته كل المفاصل والمؤسسات الامنية.

   ويبدو مثل هذا الاحتمال ضعيفًا ولا يصمد أمام حسابات المصالح والواقعيات السياسية، لأنه مهما كانت الخلافات والتقاطعات عميقة وكبيرة، فإنه ليس من مصلحة أي من الطرفين ارباك الأوضاع وخلط الأوراق، مع بداية مرحلة جديدة، يظهر جليًا أن كلاهما يعد رابحا فيهما، ولاشك أن من يشعر بأن منافسه استحوذ على بعض من مساحات نفوذه، فهو لا يحتاج للجوء الى الخيارات الخطيرة التي تعود بالضرر على الجميع، خصوصًا أنه يمتلك كل الأدوات التي تتيح له ادارة الصراع وتحقيق المكاسب بهدوء وتروي وصبر.

   أما الفرضية الثانية، وهي الأرجح والأكثر قبولًا وانطباقًا مع الواقع، فتتمثل في أن حزب العمال الكردستاني التركي المعارض(P.K.K)، يقف وراء تنفيذ عملية الاغتيال.

   وما يعزز تلك الفرضية، جملة من الحقائق والمؤشرات العامة، من قبيل العداء والصراع المتواصل بين الحكومة التركية وحزب العمال، الذي يمتلك وجودًا عسكريًا وتنظيميًا يعتد به في اقليم كردستان، ومن قبيل اقدام حزب العمال على الثأر والانتقام لمقتل ديار قرداغي أحد كبار القادة الميدانيين في الحزب من قبل عناصر جهاز المخابرات التركية (ميت)، مطلع شهر تموز- يوليو الجاري.

ولا يعني نفي حزب العمال ضلوعه بعملية الاغتيال، أنه بالفعل، غير متورط، لأن نفيه قد يكون مجرد تكتيك أراد من ورائه خلط الأوراق، وخلق أزمة بين الحكومة التركية والحزب الديمقراطي الكردستاني، وبلورة انطباع عام، مفاده أن الأخير غير قادر على ضبط الأوضاع الأمنية في الاقليم بالشكل الصحيح.

   في كل الأحوال، فإن عملية الاغتيال انعكست سلبًا على الحكومة الكردية، وبالتحديد على الطرف القوي والمؤثر فيها، ألا وهو حزب البارزاني. ولعل إقدام السلطات التركية على اعتقال سياح من أكراد العراق في مدينة طرابزون التركية، بعد رفعهم علم الاقليم، يعبر عن جانب من طبيعة ردة فعل أنقرة على اغتيال كوسة، ناهيك عن دخول الأجهزة الاستخباراتية التركية بقوة، وتوليها ملف التحقيقات بشأن الحادث، وتهميش أجهزة الأمن الكردية - مثلما تؤكد ذلك مصادر كردية قريبة من تفاعلات الأحداث خلف الكواليس - وهو ما يؤشر الى أن أنقرة ستتجه الى تعزيز وجودها الاستخباراتي في اربيل وعموم كردستان، الى جانب وجودها العسكري. الأمر الذي من شأنه خلق ردود فعل سلبية لدى الرأي العام العراقي بمختلف تلويناته وعناوينه واتجاهاته.

   ولا شك أن التوصل الى خيوط عملية الاغتيال، لا يمثل نهاية المطاف، باعتبار أن مثل تلك الحوادث، لا بد أن تفرز مواقف وتنتج حقائق، ربما لا تكون سارّة ومريحة لأكثر من طرف من الأطراف المعنية بذلك الملف، لا سيما من وقعت عملية الاغتيال في مسرح نفوذه وهيمنته وسطوته، وعلى مرمى حجر من مؤسساته الأمنية والسياسية، وفي وسط جمهوره ونخبه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك