د . جواد الهنداوي*
الاستنتاج الأول الذي تفرضه العلاقة المُشار اليها في موضوع العنوان هو الآتي :
أصبحَ قدرْ امريكا أنْ يكون همّها كيفَ تؤهل حركة طالبان ، من جديد ، وكيفَ توظّف داعش و جبهة النصرة وقسدْ ، وكيف تُحارب وتعادي مَنْ يقاوم هذه الحركات ( الحشد الشعبي ،حزب الله ) .
أصبحَ قدر الدولة العظمى( أمريكا ) ، كيف تسرقُ وعلناً النفط ، و تبتز الأغنياء من أصدقاءها ، وتنتهك سيادة الدول ، وتحاصر بعضها و تجوّع الشعوب ، وتدعم الكيان الصهيوني المحتل في جرائمه واحتلاله ومصادرة أراضي فلسطينية و عربية .
لم يعُدْ هّمْ امريكا و استراتيجيتها التعامل مع الدول ، و مع الأمم ، و مع المنظمات الدولية و الإنسانية من زاوية الدوافع الإيجابية و إنما من زاوية الدوافع السلبية : الفوضى الخلاقة ، انتهاك سيادة الدول والقوانين الدولية .
امريكا العظمى تتعامل مع حركات ، مع جماعات ، مع عصابات ، وهذا لا يُليق لا بمكانة ولا بتطلعات المجتمع الامريكي .
تزامن الاعتداء الامريكي على سيادة العراق و قواتهِ المُسلحة مع انتهاء مناورات روسية صينيّة ايرانيّة مشتركةً ، مناورات لها كثير من الدلالات الاستراتيجية ، وعلى كافة الصُعد ،جغرافياً ، و اقتصادياً ، وسياسياً ، وعسكرياً .
من بين تلك الدلالات ، إشارة واضحة لانحسار الدور و الوجود الامريكي في المنطقة مقارنة مع الدور الروسي و الصيني و الإيراني ، و إنْ كان لأمريكا و جود او دور في المنطقة ، فهما (و اقصد الوجود والدور ) مع الحركات لا مع الدول ، و إنْ بقي من دور لأمريكا مع دول المنطقة فهو مفروض بالإكراه و التهديد و الوعيد و الابتزاز ( دور بلطجة ) .
الاعتداء الامريكي وفي توقيته هو صوتٌ للقول (انا هنا ولا ازال موجود ) . لا أحد يعلم ، وبشكل رسمي و صريح ، الجهة التي أطلقت الصواريخ على القاعدة الأمريكية ، لم تعلن جهة مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ . ولم تكشف امريكا هوية الجهة التي أطلقت الصواريخ على قاعدتها بالقرب من كركوك ، و جاء الاعتداء الامريكي على فصائل من الحشد الشعبي دون اتهام ، او تشاور ، وكأنَّ الاعتداء مُبيت و مُبرمج في جغرافيتهِ (في القائم وعلى الحدود العراقية السورية ) و ليس في منطقة إطلاق الصواريخ .
مَنْ له علمْ بهوية الجهة التي أطلقت الصواريخ ؟ لماذا لا تكون داعش ،لماذا لا تكون جهة مرتبطة بإسرائيل ، ولكليهما مصالح في ضرب الحشد الشعبي وتأجيج الفتن والاقتتال ؟ .
كيف وبهذه العجالة والدقة تأكدت امريكا من هوية الجهة التي أطلقت الصواريخ ، ولم تستطعْ ، ولا مرّة ، من معرفة الجهات التي ضربتْ و لعدة مرات مقرات و اسلحة الحشد الشعبي ، وفي مواقع مختلفة في العراق ؟
امريكا تصّرح علناً بانها تُحارب النفوذ الإيراني في العراق : و ما قامت به من اعتداء على قوات مسلحّة عراقية ، حاربت وتحارب الإرهاب و تتواجد على الحدود ، هو عمل وفي إطار محاربتها للنفوذ الإيراني !
امريكا تتعامل مع الحشد الشعبي مِنْ بُعد طائفي ، لا مَنْ بُعد كيان دولة ، او مَنْ بُعد مقاومة او محاربة الإرهاب !
امريكا مُرتهنة لمصلحة الصهيونية وعملائهم .
أمريكا مُصابة بهستيرية النفوذ غير الامريكي في العراق !
أرادَ العراق أن يُرسّخ تعاون عسكري مع روسيا ، سارعت امريكا الى إحباطه و أفشاله و بوسائل سياسية و داعشّية ، خشيّة نفوذ روسي في العراق !
سعى العراق لترسيخ تعاون عراقي صيني استراتيجي اقتصادي ونفطي ، تسعى امريكا ، و بوسائل سياسيّة و " ديمقراطية " الى عرقلته و إفشاله ،خشيّة نفوذ صيني اقتصادي و ونفطي في العراق !
كل هذه المساعي ضّد روسيا و ضّد الصين و ضّد العراق تمّرُ ، وبصمت ، تحت ذريعة النفوذ الإيراني و بأجهار !
عندما تلجأ دولة عظمى ( امريكا ) الى وسائل البلطجة و الاعتداء العسكري المُدان على سيادة دولة ( العراق ) جُرِدَ من قبلها من السلاح ومن الجيش ، وبسبب نفوذ ،مصدره علاقات جغرافية وجوار ومصالح مشتركة ،لإيران او لروسيا او للصين ،إعلمْ بأنَّ عظمة هذه الدولة نحو الزوال ،وقيمها نحو الابتذال .
تتعامل امريكا مع العراق دولة منقوصة السيادة ، لا ترضى بتعاون العراق مع الغير ، و لاهي راغبة ، ومنذ اكثر من خمسة عشر عاماً ،على تحسين الوضع العسكري والاقتصادي والبنيوي للعراق . وكيف تستطيع امريكا تحسين و اعانة العراق وهي مرتهنة لإسرائيل ؟ .
ــــــــــــــــ
* سفير سابق / ر. المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل . في ٣٠ /١٢ /٢٠١٩ .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha