محمود الهاشمي
تعد الجمهورية الاسلامية الايرانية واحدة من الدول ذات الثوابت الوطنية في سياساتها الداخلية والخارجية حتى لايكاد يتعب كثيراً المتابع للشان الايراني من ان يدرك ردود دولة ايران عن اي حدث في العالم!.
هذه "الثوابت" تركزت في مفهوم صناعة الدولة وترسيخ مؤسساتها، وفي الاستفادة من قيم الدين الاسلامي ناهيك عن الاستفادة من الارث الثقافي والفكري لأمتها.
القضية الفلسطينية واحدة من "الثوابت" التي لم تجعل احدا يسبقها اليها، فبعد اعلان الثورة الاسلامية في 1121979 يكون الامام الخميني "قدس" قائد الثورة قد نبه العالم من خطورة اسرائيل ووجودها في قلب الامة الاسلامية وقال "لابد ان تمحى اسرائيل" ووصفها بـ"الغدة السرطانية" وجعل الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس.
واول خطوة كانت في اغلاق السفارة الاسرائيلية في العاصمة طهران وجعلها سفارة لفلسطين واستقبال القيادات الفلسطينية وعلى رأسهم "ياسر عرفات" ..فيما كانت ايران قبل ذلك في عهد الشاه ثاني دولة تعترف باسرائيل عام 1950 بعد تركيا...
ووفقاً لذلك فان الامام الخميني "قدس" يرى ان قتال اسرائيل وازالتها من الوجود هو واجب شرعي وعقائدي وديني واخلاقي وانساني لان خطرها لايقتصر على فلسطين والقدس بل يشمل الانسانية كلها التي تسعى الصهيونية لجعلها في خدمة اهدافها الشريرة والشيطانية.
وعلى الرغم من انشغال ايران بحرب الثمانية اعوام مع العراق وحداثة ثورتها الا انها لم تنس القضية الفلسطينية بل جعلتها في اولوياتها فدعمت جميع حركات التحرر سواء في المال والتدريب او السلاح.
ان رسوخ العقيدة في نفوس الشعب الايراني وايمانهم بالرسالة الاسلامية، جعلهم يتعاطفون مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب، ولم يتاخروا في دعمهم والوقوف مع مظلوميتهم والدفاع عنهم بكل السبل المتاحة، فيما بدأت رسالة الثورة الاسلامية تتمدد على مساحة كبيرة من العالم، وان يلتحق بها الالآف من المؤمنين في شتى بقاع الارض، ليشكلوا مصداً قوياً امام الخطر الاسرائيلي وان يخوضوا مع الصهاينية معارك عنيفة لقنوا فيها العدو الصهيوني درساً لن ينساه وهو يرى جيوشه وتحصيناته تتهاوى امام ضربات المقاومة.
ان الجمهورية الاسلامية لم تخفي دعمها لفصائل المقاومة وترى في ذلك واجباً شرعياً لدعم الاحرار والمستضعفين في العالم، وترى في امريكا "الشيطان الاكبر"، فجميع قادة المقاومة يقرون جهراً بالدعم الايراني وبأن الصواريخ التي تطلق على اسرائيل "صواريخ ايرانية"!.
ان مجرد هذا الدعم العلني فيه مسؤولية كبيرة ومخاطر على دولة فتية تواً وضعت قدمها على طريق البناء والاعمار، لكن ايران لم تتاخر يوماً عن هذه المهمة الاسلامية والانسانية، في وقت فرضت عليها الولايات المتحدة سلسلة معقدة من العقوبات، وطالبتها ان تتنازل عن "دعمها الاستراتيجي" تعني "المقاومة" مقابل فك الحصار عنها، لكن ايران لم تفكر لحظة ان تتنازل عن "ثوابتها" وفي اصعب الظروف، بعد ان تحولت فصائل المقاومة الى رمزية عالمية عبر شخصياتها وابطالها وباتت حركات التحرر في العالم ترى فيها عنواناً للتحرر من الظلم والظالمين، ويكفي شاهداً ان توضع صور الشهيد قاسم سليماني وابو مهدي المهندس الى جوار قادة التحرر في العالم جيفارا والبوليفار وغيرهم.
بعد ما يسمى "الربيع العربي" ودخول البلدان العربية في فوضى امنية وسياسية وبعد الضغوط النفسية والاقتصادية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وبعد ان اطمأنت الى تهاون وعمالة قادة دول الخليج طرحت امريكا مشروع "صفقة القرن"، والذي مضمونها "المال مقابل الارض" حتى دون الرجوع الى القيادات الفلسطينية والتفاوض معها، بعد ان سبقتها بمؤتمروارسو وورشة البحرين ، والعمل على مشروع التطبيع مع دول الخليج واعتراف امريكا بالقدس عاصمة لاسرائيل وضم الضفة الغربية والجولان لها ايضاً..
لم تكترث الجمهورية الاسلامية لهذه "الجلبة" التي احدثها مشروع "صفقة القرن" بل قالت كلمتها عبر تنوع قياداتها بدأً من القائد السيد الخامنئي الى الجنرالات العسكرية والمسؤولين الحكوميين ومضمونها يتركز في جملة واحدة :" صفقة القرن شيطانية اعدها مجرمون ومحتالون" في ذات الوقت استقبلت العاصمة طهران قادة حركة "حماس" وحركة الجهاد الاسلامي وطمأنتهم ان ايران تقف معهم ليس على مستوى الدعم الاعلامي والرفض العام انما اكد قائد فيلق القدس اسماعيل قآني لوفد المقاومة الفلسطينية "ان فيلق القدس جاهز للعمل على افشال هذه الصفقة والتصدي لمخاطرها مع كل الشعب الفلسطيني وخاصة قوى المقاومة" ..هذا يعني ان ايران جاهزة للقتال مع الشعب الفلسطيني وتحمل المسؤولية الكاملة امام العالم، ناهيك عن المواقف الصريحة لفصال المقاومة الاخرى في العراق ولبنان واليمن وسوريا وفلسطين وغيرها، لم تنشغل ايران بالموقف المتردي للعرب ولم تخذل الشعب الفلسطيني بل عملت على اعادة الثقة للمقاتل الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني.ا
ففي وقت صدرت بيانات خجولة من البلدان العربية اتجاه "صفقة القرن" هنالك دول خليجية حضرت مؤتمر الاعلان مثل البحرين والامارات...
ايران لم تفكر يوماً ان القضية الفلسطينية مرتبطة بظروف وتعقيدات المنطقة وتخاذل العرب عن مهمتهم الوطنية والاسلامية انما تنظر الى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية وترى في زوال اسرائيل مشروعاً حدده سماحة السيد على خامنئي بـ"25" عاماً...
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha