منذ إخفاق دول "أوبك+" في التوصل لاتفاق بشأن أسعار النفط، وما تبعه من رفع القيود المفروضة حول إنتاج النفط على الدول الأعضاء في التحالف، انهار سوق النفط بشكل غير مسبوق، حيث وصل سعر خام "برنت" إلى 25 دولارا للبرميل في أدنى مستوياته منذ 2003.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الكرملين أن العلاقة بين المملكة وروسيا لا تشهد حرب أسعار، وأن أسعار النفط تمر بوضع عالمي غير مؤات، تحدثت تقارير ومقالات رأي سعودية عن أن المملكة آخر المتضررين من الأمر، وأنها المتحكم الرئيسي في سوق النفط وأسعاره.
ومع زيادة شركة أرامكو إنتاجها من النفط ليصل إلى 12 مليون برميل يوميًا في الوقت الحالي بدلًا من 10 ملايين خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أعلنت الحكومة السعودية خفضا جزئيا في موازنتها بما يقارب 50 مليار ريال (ما يمثل أقل من 5% من إجمالي النفقات المعتمدة في موازنة العام).
وبينما تناقش الولايات المتحدة الأمريكية فكرة تشكيل تحالف مع المملكة في سوق النفط، قال مراقبون اقتصاديون ونفطيون إن "السعودية أول المتضررين من خفض أسعار النفط، وأن تثبيت سعر السوق لا يمكن دون التفاهم مع روسيا"، مشيرين إلى "صعوبة تشكيل تحالف كهذا في الوقت الراهن".
عواقب خطيرة
في سياق متصل قال نائب المدير العام للصندوق القومي لأمن الطاقة الروسي أليكسي غريفاتش، إن "المملكة العربية السعودية تحاول تقديم ذلك كإجراء من جانب روسيا ضد إنتاج النفط الصخري الأمريكي من أجل درء ضربة محتملة من الولايات المتحدة".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك": "شيء آخر هو أن هذا الوضع برمته هو نتيجة، أولاً، للجمود الدبلوماسي للمملكة العربية السعودية. بعد كل شيء، اقترحت روسيا تمديد الصفقة على الظروف الحالية. لكن السعوديين اقترحوا إجراءات أكثر جذرية فرضت التزامات إضافية على روسيا، حيث قال أعضاء آخرون في "أوبك +" إنهم ليسوا مستعدين لتحمل التزامات متزايدة، لذلك ، لم ترغب السعودية نفسها في تمديد الصفقة في ظل الظروف القديمة، ولم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق بشأن التمديد، هذا أدى إلى عواقب أكثر خطورة".
وتابع: "أما بالنسبة لمزيد من تطور الأحداث، إذا كان هناك أي حديث حول قيود على إنتاج النفط الصخري الأمريكي واستقرار سوق النفط للمنتجين الأمريكيين، فسيكون هذا بناء وأكثر استقرارًا، وربما تبدأ انطلاقة جديدة لأوبك+".
وأردف: "بالطبع، ستحاول روسيا تقديم هذه التطورات نعم بالنسبة لروسيا، أسعار النفط الحالية غير مريحة، لكنها أكثر إزعاجًا للاعبين الآخرين في السوق، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، إذا اتخذوا قرارًا واتفقوا على كيفية رفع الأسعار، وبدأت حقا في النمو، فإن هذا سوف يناسب روسيا أيضًا، ولكن حتى الآن هناك شكوك حول موافقتهم".
وأضاف: "حاولت الرياض تخويف روسيا، ويجب أيضًا سرد البيانات حول زيادة الإنتاج هنا، ولكن، يبدو أن هذا الهدف لم يتحقق؛ الجميع يفهم أن الضحية الأولى لحرب النفط سيكون منتجي النفط الصخري الأمريكي، والثانية - المملكة العربية السعودية نفسها، وبعد كل شيء فإن الميزانية السعودية، حتى بسعر النفط 30 دولارًا للبرميل تصبح سلبية، أي أن عائدات النفط ستنخفض بنسبة كبيرة، على عكس روسيا؛ وبناءً على ذلك فإن الأسلحة التي يُزعم أنها موجهة ضد روسيا ستلحق ضرراً أكبر بالولايات المتحدة، وكذلك المملكة العربية السعودية والبلدان الأعضاء الأخرى في منظمة أوبك".
واستطرد: "اتضح أن السعوديين قادوا أنفسهم إلى فخ نفطي، وذهب مستشارون أمريكيون إلى الرياض لإجراء مفاوضات. وهكذا، تريد الولايات المتحدة أن تشارك في بعض العمليات الرسمية المتعلقة باستقرار الإنتاج. حتى الآن ، كانت الولايات المتحدة خارج نطاق عقود النفط. لكن في نفس الوقت، كانوا المستفيدين من ارتفاع أسعار النفط، ولكن في الظروف التي خرج فيها ميزان العرض والطلب عن السيطرة تمامًا، فقدوا بسبب الوباء نسبة كبيرة من المستهلكين الرئيسيين للنفط، من المنطقي أنه كان من المستحيل الحفاظ على التوازن في هذا الموقف، والآن من أجل تحقيق الاستقرار ، هناك حاجة إلى إجراءات من قبل جميع منتجي النفط الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة. وربما كان هذا المزيج هو الجمع بين الدول في هذا الحوار".
واختتم حديثه بالقول: "ولكن من حيث المبدأ، فإن مثل هذا التطور منطقي، كان من الغريب أن يكون هناك أوبك +، والتي تضم دول أوبك وروسيا وعددا من الدول المنتجة للنفط، عندما سقطت الاقتصادات وانفصلت صفقة أوبك + بشكل أساسي أصبح من الواضح أن المفاوضات حول شكل جديد يمكن أن تبدأ في مرحلة ما، ولكن هناك حاجة إلى جميع الشركات المصنعة الرئيسية هنا. "
روسيا ونجاح أوبك+
من جانبه قال الدكتور محمد فراج أبو النور، الخبير الاقتصادي المصري، إن "بسبب الأوضاع الأخيرة التي أعقبت انتشار وباء كورونا، كان من الطبيعي أن يكون هناك فائض، وذلك بعد تأثر الاستهلاك بشكل كبير، لكن الوضع لن يستمر طويلًا".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "روسيا تمكنت بجهودها الدبلوماسية القوية من إنجاح تجربة أوبك+، في ضبط أسعار النفط بعد الإغراق التي قادته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014".
وأشار إلى إن "أمريكا تحاول الاستفادة من الأزمة النفطية القائمة بين روسيا والسعودية، لذلك أرسلت مستشارة وزيرة الطاقة الأمريكية إلى السعودية، وتتحدث عن إمكانية عقد اتفاقات قريبة مع المملكة بشأن النفط".
وعن مدى إمكانية نجاح الخطوات الأمريكية، قال فراج: "يجب على المملكة العربية السعودية أن تعود للتاريخ، ففي عام 2014 كان هناك تنسيق بين أمريكا والمملكة في أزمة إغراق الأسواق بالنفط، لكن سرعان ما اكتشفت السعودية أنها تخسر كثيرًا باعتبار أن البترول هو مصدر دخلها الرئيسي".
وتابع: "في الوقت نفسه تمكنت روسيا من الصمود أمام كل محاولات الإغراق، وذلك رغم كل أشكال العقوبات الدولية المفروضة عليها وذلك بسبب قوتها الاقتصادية".
وبشأن حديث بعض التقارير عن موقف السعودية القوي في الأزمة وأنها لن تتضرر من الأمر، أضاف: "سرعان ما ستدرك المملكة العربية السعودية رغم الضغوط الأمريكية الشديدة أن الوضع الحالي لن يصب في مصلحتها على المدى الطويل، خصوصا في ظل الالتزامات الكبيرة التي تملكها".
ومضى قائلًأ: "الموقف السعودي ومع نقص العائدات البترولية في الفترة المقبلة سيسبب الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة للملكة، وستجد السعودية في النهاية أن الوضع لابد وأن ينتهي بالتفاهم مع روسيا باعتبارهما أكبر دولتين منتجتين للنفط".
وأشار إلى أن "روسيا لديها وجهة نظر وقد لا تتفق مع المملكة في الوقت الراهن، لكن الأمر كان يستحق مزيدًا من الصبر والتفاوض، والتفهم لوجهة النظر الروسية، ردود الفعل السعودية في ظل الضغوط الأمريكية ستعمق الأزمة ولن تفيد المملكة".
ضرب تقييم أرامكو
بدوره قال عبد الله عبد العزيز الخاطر، الخبير الاقتصادي والمالي القطري، إن "تحدث التقارير الصحفية السعودية عن عدم تأثر المملكة بخفض أسعار النفط الأخيرة، لا يمت للواقع بصلة، وينافي الحقيقة والمنطق".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "المملكة العربية السعودية أول الخاسرين من الأزمة النفطية القائمة، وذلك بعد تأثر ميزانيتها بشكل كبير بانخفاض سعر برميل النفط إلى درجة غير مسبوقة".
وأكد أن "محاولة المملكة رفع مستويات إنتاج النفط إلى معدلات غير مسبوقة لن يوقف الخسارة، بل يمكن أن يضرب تقييم أرامكو في السوق العالمي، وبالتالي تؤدي هذه الضغوط على انهيار الأسهم في السوق".
وأشار إلى أن "المملكة انطلقت في هذا الخفض من زاوية سياسية، فهي تريد الهيمنة على القرار النفطي أكثر من روسيا، وكذلك الضغط على إيران في ظل ما تعانيه من أزمات اقتصادية حادة بسبب العقوبات الأمريكية، وكذلك ضرب منتجي البترول الصخري لإخراجهم من السوق".
وبيّن الاقتصادي القطري أن "في ظل الظروف الصعبة، وانتشار فيروس كورونا على معظم بلدان العالم، ما يحدث سيضر الاقتصاد العالمي، وكل الدول المعنية بالنفط في العالم، خاصة دول المنطقة والتي تعتمد اقتصاديات بلادها بدرجة أساسية على النفط".
اتفاق مستبعد
من جانبه قال الدكتور مصطفى البزركان، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الدراسات وبحوث الطاقة في لندن، إن "رغم التصعيد الإعلامي في أزمة النفط الحالية، الأزمة ليست بين روسيا والسعودية، لكن هناك حرب أسعار بين 3 جبهات مع النفط الصخري الأمريكي".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "النفط الصخري الأمريكي مع هذه المستويات المتدنية يعاني من مشكلات مالية كبيرة، وشركات النفط الصخري أقرت الأسبوع الماضي قرارًا بخفض إنتاجها بنسبة 10%، بسبب الديون المتصاعدة".
وتابع: "المتنافسون في سوق النفط 3 أضلاع دول داخل أوبك بقيادة السعودية، وأخرى خارج أوبك بقيادة روسيا، والنفط الأمريكي الصخري، ولابد أن يصلوا جميعًا إلى نتيجة إيجابية سواء عن طريق مفاوضات أو العودة إلى اتفاقات سابقة".
وبشأن الضغوط الأمريكية على السعودية من أجل عقد اتفاق بينهما، قال: "على الرغم من الإنتاج السعودي للبترول والذي غطى الأسواق إلا أن النقطة الأساسية التي لابد من الوقوف عندها هي إلى أي مدى يمكن أن تتحمل المملكة مستويات متدنية من أسعار النفط، ولفترة زمنية طويلة".
وأكمل: "السوق لا يتحمل اتفاق بين السعودية وأمريكا، هذا السيناريو صعب تحقيقه، لا يمكن ضبط الأسواق بدون روسيا، لابد أن يكون هناك اتفاق بين أضلاع المثلث النفطي الثلاث".
تفاوض أمريكي سعودي
من ناحيته قال خبير وكالة معلومات النفط والغاز الروسي، مرشح العلوم التقنية ألكسندر خورشودوف، إن "هذه تصريحات عادية وتلاعبات ومحاولات للتأثير على الخصم، إذا ذهب المستشارون الأمريكيون إلى الرياض، فهذا لا يعني على الإطلاق أي شيء".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، استغرق الأمر 3 أو 4 سنوات للاتفاق مع روسيا على التعاون في إطار أوبك +، لذلك من الواضح أنه لن يتفق أحد مع الولايات المتحدة في غضون أيام قليلة، ولن تتمكن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من التفاعل لفترة طويلة بشأن قضايا إنتاج النفط، فالولايات المتحدة معتادة على وضع شروطها، والمملكة العربية السعودية تلعب دائمًا بقواعدها الخاصة".
وتابع: "هناك الآن الكثير من الحديث عن سعر النفط غير المستقر، وهذا لا يستحق الاهتمام حتى يتم تأكيده من خلال أرقام الإنتاج الحقيقية، ثم سيتضح بعد ذلك شيء على الأقل حول كيفية تطور الوضع في العالم، ومع من، ومن سيتفاوض ضد من؟، في هذه الأثناء ، كل شيء مجرد هستيريا وتكهنات لا أكثر ".
وهبطت أسعار النفط 45 بالمئة منذ بداية الشهر الجاري بعد أن أخفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) و(أوبك+)، في تمديد اتفاق لخفض الإنتاج ودعم الأسعار بعد نهاية مارس/ آذار.
https://telegram.me/buratha