قاسم الغراوي||
يقول ديفيد هيبورن، استشاري وحدة العناية المركزة في مستشفى "رويال جوينت" في بريطانيا: "إذا انتهى بك الأمر في وحدة العناية المركزة، فسوف تكون تجربة تبعث على تغيير الحياة. فتكلفتها باهظة حتى لو تحسنت الحالة الصحية" .
يحتاج الكثير من المرضى المصابين بفيروس كورونا إلى تلقي العلاج في وحدة العناية المركزة داخل المستشفيات، وذلك في شتى أرجاء العالم اذا ساءت حالتهم بسب العجز التنفسي أثر هذه الاصابة.
وتتواصل الجهود داخل وحدة العناية المركزة في المستشفيات من أجل إنقاذ حياة المرضى، وبمساعدة معدات متطورة تساعد المرضى على التنفس اليآ بواسطة جهاز التنفس الاصطناعي (فنتليتر) وأداء وظائف أساسية أخرى، فضلا عن حقن الجسم ببعض الأدوية.
ويعد أهم عنصر في رعاية المرضى الذين يعانون من إصابة حادة بفيروس كورونا، في ظل عدم وجود علاج ثابت للمرض في الوقت الراهن، هو إدخال كمية كافية من الأوكسجين إلى الرئتين بينما يحارب الجهاز المناعي الفيروس وكذلك إعطاء الأدوية التي يحتاجها المريض بالحقن الوردي والتغذية عن طريق تيوب يصل للمعده.
إن رحلة المريض الذي استجاب بنجاح للعلاج في وحدة العناية المركزة، وأصبح قادرا على مغادرة المستشفى لا تزال معقدة وقد تستغرق أحيانا اشهرا اوسنوات وتحمل آثارا نفسية بالغة على الأرجح منها تعلم التنفس الذي فقده فترة الاعتماد على جهاز التنفس الاصطناعي بفقدان نشاط العضلات التنفسية ومنها عضلة الحجاب الحاجز والأعصاب الساندة .
يحتاج المرضى، كما هو معروف بعد إقامة طويلة في وحدة العناية المركزة، إلى علاج طبيعي حتى يتمكنوا من تعلم كيفية المشي أو حتى التنفس مرة أخرى ، وقد يعانون من ذُهان وندوب بسبب اضطرابات ما بعد الصدمة وترافقهم أثناء الرقود غالبا قرحة الفراش كما يبدو عليهم الوهن العضلي والضعف في البنية الجسدية. كذلك يعاني البعض من إجهاد ما بعد الصدمة وشكل الجسم ومشاكل في الإدراك.
وكلما طالت فترة العلاج، استغرق الأمر وقتا أطول حتى يستعيد المرضى شعورهم الطبيعي بأنفسهم مرة أخرى.
وإذ نتحدث عن الشفاء وفصل جهاز التنفس فإن المرضى سيكونون ضعفاء لدرجة أنهم لا يستطيعون الجلوس دون مساعدة. كثيرون لا يستطيعون رفع أذرعهم بعيدا عن السرير بسبب الضعف الشديد الذي يعانون منه أثر فترة الرقود مجبرين دون حركة
فقد يواجهون أيضا مشاكل في الكلام والبلع.
وربما في بعض الحالات يحتاج البعض منهم لأخذ أدوية تجعله نائما وكأنه في غيبوبة.
إنهم يتعافون في الوقت المناسب، ولكن قد يستغرق الأمر فترة طويلة وقد يحتاجون إلى تكثيف جلسات العلاج الطبيعي والكلام واللغة وعلم النفس، فضلا عن طاقم تمريض لتسهيل ذلك.
إن الوقت الذي يقضيه المريض في وحدة العناية المركزة بالفعل قد يكون مجرد غيض من فيض بالنسبة لجميع الحالات المرضية التي تحتاج إلى رعاية على المدى الطويل.
تعد الأسابيع القليلة التي يستعين فيها المريض بجهاز التنفس الصناعي جزءا صغيرا في العملية برمتها.
يعاني البعض من هلوسة سمعية والبعض الآخر تصيبه هستيريا كونه مستيقظ ولايستطيع عمل اي شيء ويشعر بالاحباط والكأبة قد يكون قادر على سماع الحديث لكنه يعاني من صعوبة الكلام بفعل الانبوبة التنفسية التي تعرقل ذلك مما يزيد من استياءه لذا فالطاقم الطبي يحاول ان يجد لغة مشتركة لإيصال الرسال والتفاهم وغالبا ماتكون لغة الإشارات لإيصال الرسائل.
من الصعب أن يسترخي المريض او ينام بسهولة ويشعر أن أشياءآ تحدث له وربما كوابيسآ واحلاما مزعجة، ولم يكن هناك أي شيء يحدث ويشعر تدريجيا بأن أعضاء فريق العمل يجعلونه عائدا من عالم الأموات.
ربمايقضي المريض على هذا الحال ثلاثة أو أربعة أيام او اكثر لكنها عموما تعد أكثر مرحلة تتسم بالرعب في حياة المري
وهناك تفسيرات عديدة لهذه الحالة، من بينها تأثير المرض نفسه، ونقص الأكسجين في الدماغ، والأدوية المستخدمة لتسكين الآلام وتهدئة المرضى، وحتى الحرمان من النوم بعد انسحاب تأثير المسكنات.
اعتقد ان وحدات العناية المركزة أماكن مرهقة، بغض النظر عن قدر ما يتمتع به فريق الرعاية الصحية من هدوء وتدريب جيد حيث يبذلون جهودا عالية ويقومون بعمل ممتاز ورائع ويتابعون المرضى طيلة أربع وعشرين ساعة بالتناوب.
المرضى يسمعون باستمرار الأصوات المزعجة في أوقات عشوائية، ويعانون من اضطراب النوم بسبب التدابير الطبية وتنظيم مواعيد الأدوية طوال الليل، فضلا عن الانزعاج والارتباك، كما يشعرون في بعض الأحيان بحيرة وخوف وتهديد نفسي بأنهم سيفقدون حياتهم في اي لحظة فالامور ليست طبيعية.
كما يعاني المريض من تأثير جسدي بسبب استخدام معدات كانت تؤدي وظائف الجسم الأساسية، الأمر الذي يعني خوضه رحلة طويلة أخرى حتى يتدرب الجسم على العمل بطبيعته، لذا يكون المريض عرضة لضمور العضلات بسبب جهاز التنفس الاصطناعي الذي يعمل نيابة عنها من خلال تحريك عضلة الحجاب الحاجز ودفع كمية الأوكسجين للرئتين مع نظام تنفسي يتناسب ووضعه الصحي.
وضع المرضى المصابين بفيروس كورونا على جهاز تنفس صناعي، يتحكم في رئتيهم تلقائيا، وأنهم سيحتاجون لفترة أطول للعودة إلى حالتهم الطبيعية بسب تأثير هذا الفايروس على الجهاز التنفسي وشله عن العمل (عجز تنفسي).
ويساعد جهاز التنفس الصناعي المرضى على ضخ الأكسجين إلى الرئتين، وطرد ثاني أكسيد الكربون، عندما لا يستطيعون أداء هذه المهمة بأنفسهم.
وتبدأ اللحظات الأولى إلى تمرير أنبوب عن طريق الفم اوالأنف، وتخديرهم بشدة، وقد يحتاج البعض إلى جراحة لتمرير الأنبوب مباشرة عبر القصبة الهوائية، وهي عملية جراحية قد تزيد من تعقد فترة التعافي.
قد يحتاج المرضى، الذين نُقلوا إلى وحدات الرعاية الحرجة، فترة قوامها من أربعة إلى خمسة أيام للتعافي من أثر دخول هذه الوحدات وربما أكثر تبعا للعمر والأمراض المزمنة.
وأشارت دراسات في الصين وبريطانيا بشأن مرضى فيروس كورونا إلى أن 14 في المئة فقط نجوا بعد استخدامهم جهاز التنفس الصناعي.
على المريض الذي اكتسب الشفاء بعد رحلة طويلة بين الموت والحياة ان يكون ممتن لإعطائه "فرصة ثانية" للحياة، ويشكر الله كثيرا ، وليتعلم تقدير الأشياء التي كان يعتبرها بديهية وان لايبخل بمساعدة للآخرين ويمنحهم الحياة مرة ثانية من خلال بلازما دمه بعد أن اكتشفت فاعليته في شفاء المرضى.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha