التقارير

ظل الساعة التاسعة المناظرة الرئاسية 2020


 

 

د.مصطفى الناجي

 

أصبح من المعتاد خلال الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية أن يشترك المرشحان عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمناظرات تلفزيونية ،و غالبًا ما تكون المواضيع المطروحة في المناظرة أكثر القضايا جدلًا في وقتها، والتي تستهدف المناظرات بشكل رئيسي الناخبين من صنف (الاغلبية الصامتة )،او(الناخب المتأرجح) الذي لم يحسم خياراته في التصويت.

وكانت أول مناظرة تلفزيونية في عام 1960، حينما  واجه السيناتور الديمقراطي الشاب جون إف كينيدي نائب الرئيس حينذاك الجمهوري ريتشارد نيكسون.

وجرت العادة-ايضا- عقد ثلاثة مناظرات بين مرشحي الرئاسة ،واخرى تجمع مرشحي نائب الرئيس،في كل حملة انتخابية رئاسية منذ العام 1960 ولحد الان . حيث انطلقت اولى المناظرات يوم امس في كليفلاند بولاية أوهايو  والتي ادارها  كريس والاس مذيع قناة فوكس نيوز  بين مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن ، ومرشح الحزب الجمهوري الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.

اما المناظرة الثانية(15 تشرين اول )   فسيديرها "ستيف سكالي" المحرر السياسي بقناة "سي سبان". في فلوريدا -ميامي ، هذه المرة ستكون على شكل لقاء مفتوح، أخيرا، ستختتم مراسلة إن بي سي بالبيت الأبيض، كريستين ويلكر، موسم المناظرات في (22 تشرين اول ) في ناشفيل بولاية تينيسي .بيننا ستتولى سوزان بيج، رئيسة مكتب يو إس إيه توداي بواشنطن، المناظرة الوحيدة بين مرشحي  (نائب الرئيس) مايك بنس و السناتور كامالا هاريس .

اهمية هذه المناظرات تأتي ليس من كونها تجمع قطبي مرشحي الرئاسة فحسب، ولا من تغيير قناعات المترددين ايضا ،بل من كشف مدى تمتع المرشح بخطط  واضحة لحل المشاكل القائمة ،وبرامج لجعل البلاد افضل ،وبالتالي ستكون المناظرات مرآة عاكسة لأهلية المرشحين لتولي ادارة البيت الأبيض.وعلى هذا الأساس يمكن التعليق على ما جرى يوم امس في اول مناظرة بين بايدن وترامب وفق المشهد الذي تركتهاه بعد ساعة و 33 دقيقة من النقاش الحاد في واحدة من المناظرات التلفزيونية الفوضوية .

قد يعتقد الكثير من الناس أن مذيع ومقدم برامج  فوكس نيوز سيمنح الرئيس ترامب رحلة سهلة، لكن جرى الامر  على العكس تماما. فقد لقد تحمل ترامب  بعضا من أكثر لحظاته حرجا، وهو يقف أمام كريس  والاس الاعلامي المحنك ، الذي تحكم في تفاصيل المناظرة بشكل مذهل ،خصوصا وان احد طرفي المناظرة معروف بمزاجه الحاد  .

تضمنت المناظرة  خمسة ملفات رئيسية وهي المحكمة العليا،جائحة فيروس كورونا،الاحتجاجات العرقية والعنف في المدن،نزاهة الانتخابات و الاقتصاد.ولم يتطرق لا مدير الحوار ،ولا اي من المرشحين لملف العلاقات الخارجية التي سيخصص لها وقت في المناظرة المقبلة .

 

وبحسب أنتوني زورتشر مراسل امريكا الشمالية ان دونالد ترامب معروف جيدا. و إنه سيسعى للهيمنة على دائرة الضوء، ونقاط قوته وضعفه مألوفة لدى معظم الأمريكيين.

لهذا السبب ستتركز المناظرات الرئاسية، بشكل أكبر، على كيفية أداء جو بايدن في تلك الدائرة .ستكون مهمة بايدن الأداء بطريقة ثابتة وواثقة. لأنه يحتاج إلى جعل الأمريكيين، أو على الأقل عدد كاف منهم، مرتاحين لطريقة تفكيره في المكتب البيضاوي. وإنه يحتاج إلى تبديد المخاوف بشأن عمره وحيويته العقلية وتجنب التعثرات اللفظية، التي أعاقته في الماضي.

من ناحية أخرى، ستكون مهمة ترامب هي الإيقاع بخصمه في خطأ، وإذا تمكن من إرباك بايدن، فقد يزرع بذور الشك في أذهان مؤيديالديمقراطيين الأقل إخلاصا، سيتعين عليه أيضا أن يكون مستعدا لهجمات بايدن المضادة، بما في ذلك الانتقادات حول كيفية تعامله مع جائحة فيروس كورونا، والاقتصاد وواجبات الرئاسة.

ويبدو ان جو بايدن حقق ما يصبو اليه ،فقد بدا هادئ ومسيطرا على أجواء المناظرة ،يوزع ابتساماته التهكمية على مداخلات ترامب ،رغم

تبادل المرشحان  الإهانات،ومنذ بداية المناظرة بدأ ترامب مشدود الاعصاب ، بسبب مقاطعة ترامب المتكررة لمنافسه الذي رد عليه مرارا بعبارة  "هلّا خرست يا رجل" وقال أيضا "الكل يعلم أنه (ترامب) كاذب". كما وصفه ب (المهرج) و(الدمية) ،ولم يجد ترامب من سبيل سوى بعض المحاولات لجر خصمه لدائرة الشؤون العائلية حينما اتهم نجل بايدن بالتهرب الضريبي والرشوة وتعاطي المخدرات ، الا ان بايدن استطاع ان يعكس هذه الهجمة على ترامب حينما طالبه بالدليل .

لقد اظهرت المناظرة ان كل شيء مختلف عليه بين المرشحين،كبيرها وصغيرها ،كما ان الواضح ان مبدأ عدم الثقة هو سيد العلاقة بينهما ،والاستخفاف هو العلامة الابرز في المسافة التي تفصل بينهما ،فعندما  كان يحاول مدير الجلسة التدخل لفض الاشتباك بين الخصمين كان بايدن  يكرر القول : "من الصعب الحصول على أي كلمة مع هذا المهرج (ويعني ترامب)، معذرة، هذا الشخص".

كما تم اختبار كلاهما منذ اول صافرة لبدء المناظرة وكانت بخصوص آلية تعيين ترامب للقاضية باريت (48 عاما) في الدائرة السابعة من محكمة الاستئناف الأميركية.اذ عارض  الديمقراطيين ذلك مشددين على ضرورة انتظار الانتخابات الرئاسية تجنبا لهيمنة الجمهوريين على هذه المؤسسة(3 قضاة ديمقراطيين من اصل 9)  التي تبت في مسائل جدالية مثل الإجهاض وحق حيازة الأسلحة والضمان الصحي .

وفيما بعد وجد بايدن ضالته في الملف الثاني المتعلق بجائحة فايروس كورونا ،اذ اتهم بايدن الرئيس ترامب بانه كان مختبئاً في ملعب الغولف فيما يموت الالاف من الأمريكيين كل يوم ،وان ادارته للازمة أثبتت فشلها وكان بالإمكان تفادي اصابة الملايين وموت مئات الالاف ،إلا أن ترامب لم يكن يهتم سوى بالاقتصاد ! حتى ان ترامب لم يجد طريقا للرد سوى استخدام اسم الطبيب  أنتوني فاوتشي للدلالة على صحة اجراءات غلق الحدود .

الجولة الثانية من هذه المنازلة انحصرت في الاحتجاجات العرقية التي شهدتها بعض الولايات جراء مقتل جورج فلويد في 25 ايار العام الحالي . ويبدو -ايضا- ان هذا الملف عكس تفوقا لبايدن الذي اتهم ترامب بأثارة النعرات العرقية والدينية عندما حمل (الانجيل) بوجه المحتجين وهو ما زاد من حدة العنف بدلا من ان يكون رئيسا لكل الامريكيين .

وكان ملف المناخ وحرائق الغابات هو الاخر ملفا ساخنا اظهر ان لبايدن مشروعا (أخضر) وكان متمكنا من معلوماته ،على العكس من ترامب الذي صحح له مدير الحوار ما يتعلق بالانبعاث الحراري ومشكلة ثاني أكسيد الكاربون.

الملف الاخر الاكثر حساسية في عموم وقت المناظرة كان ملف الانتخابات ،اذ استخدم ترامب مصطلح (التزوير ) اكثر منخمسة مرات خلال اقل من عشرة دقائق ،كما استخدم مصطلحات اخرى في نفس السياق مثل (تجسس ،انقلاب،تلاعب ،غش )ربما  للدلالة الكامنة على عدم ثقته بالفوز ،او للتلويح باعتماده على المحكمة العليا في الطعن بنتائج الانتخابات .لانه اكد (بدون دليل ) على ان هناك الملايين من البطاقات يتم شرائها ويتم رميها في صندوق النفايات او في مياه الانهار !!

ثم ختم مدير الحوار والاس بتقديم وعد من كليهما بتأجيل اعلان النصر قبل اعلان نتائج الانتخابات .

بشكل عام اختصر  بايدن في نهاية المناظرة انجازات حكومة الجمهوريين بالقول :(في ظل هذا الرئيس اصبحنا آكثر ضعفاً،وأكثر مرضاً،وأكثر عنفاً ،وأكثر أنقساماً )ان ترامب عبارة عن (دمية) و(لايفي بوعوده).

وفور انتهاء المناظرة اظهرت استطلاعات الرأي عن تفوق واضح للمرشح الديمقراطي  بثبات على ترامب بأقل من 10 نقاط، فيما يتبقى 35 يوما حتى موعد الانتخابات في الثالث من تشرين الثاني المقبل.

ووفقاً للاستطلاع الذي نشرته شبكة "سي أن أن"، فإن نحو ثلثي الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في الاستطلاع قالوا إن إجابات بايدن كانت أكثر مصداقية (65% لبايدن و29% لترامب) وأن مهاجمته للرئيس ترامب كانت ترى أكثر عدلاً بنسبة 69% مقابل 32% لصالح ترامب .

وفي مقابلات مع الأشخاص ذاتهم قبل المناظرة، قال 56% منهم إنهم يتوقعون تقديم جو بايدن لأداء أفضل، في حين قال 43% أنهم يتوقعون أداء أفضل لترامب.

بشكل عام ،هناك خشية حقيقية من الانتقال السلمي للسلطة فيما اذا فاز الديمقراطيون في الانتخابات ،وتأتي هذه الخشية من اليمين المتطرف والمليشيات الموالية لدونالد ترامب ،خصوصا وسط تصاعد التوتر العرقي بين (السود والبيض) جراء سياسة ترامب وايمانه بتفوق (الجنس  الابيض ) على (اصحاب البشرة الملونة ).

كما اوضحت المناظرة عدم امتلاك ترامب لخطط وبرامج واضحة فيما يتعلق بمكافحة الفايروس،والبيئة،والضمان الصحي ،والاقتصاد ،بينما عكس بايدن وضوحا فيما يتعلق بتلك الخطط شهد لها مدير الحوار والاس .

واخيرا بدى ترامب بان ثقافته (شعبوية) لا ترتكز على معطيات دقيقة، مقاطعا وفوضويا طيلة مدة المناظرة ، مؤمنا بانه (القدير) الذي لا يمكن ان يحل مكانه(البديل) .

 

د.مصطفی الناجي

باحث واكاديمي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك