محمد الجاسم||
يشن سلاح الجو التركي غاراتٍ متفرقةً يقصف فيها قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق،دون مراعاة لأية أخلاقيات لحسن الجوار أو للأعراف الدبلوماسية التي يتطلب العمل بها في مثل هذه الحالات من التجاوزات بين الدول أنفسها،أو بين الجماعات المسلحة الغريبة عنها التي تتخذ من أراضيها ملاذاً ومنطلقاً لإيذاء الدول الأخرى.
حين وجد حزب العمال الكردستاني التركي أن الاجواء آمنة ،من حيث غض الطرف من قبل حكومة إقليم شمال العراق ـ إن لم يكن بالإتفاق معها ـ ،ومن حيث المواقف الخجولة والصغيرة للحكومة الإتحادية في بغداد تجاه هذه التجاوزات،أخذ الصراع التركي مع حزب العمال يتفاقم على الأراضي العراقية، وتشن تركيا هجمات جديدة بشكل شبه يومي عبر الحدود،وفي كثير من هذه الهجمات يسقط قتلى وجرحى من سكان المنطقة من الكرد العراقيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مرتهنون بيد وسلطة سلاح المتمردين.
يهاجم الجيش التركي عشرات الأهداف في الأراضي العراقية لحزب العمال الكردستاني المتمرد على الدولة التركية والذي يتسبب في مقتل جنود ومدنيين أتراك فوق أراضي بلادهم،ما يبرر للجيش التركي مقاتلتهم بوصفهم جماعات إرهابية،لاتحمل أية صفة سياسية سلمية،وبحسب وزارة الدفاع في أنقرة ، فقد تم اتخاذ أكبر قدر من الحذر حتى لا "يلحق" الأذى بالمدنيين. وعلى هذا فقد دمرت الطائرات الحربية الكهوف التي لجأ إليها "الإرهابيون". انهارت الكهوف خلال الهجمات.صحيح ان هذه العمليات الحربية ذات دوافع مقنعة للجانب التركي،لكن مادخل المواطنين الكرد العراقيين يُقتلون ويتشردون ويدفعون ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولاجمل،بسبب تواطؤ حكومة إقليم شمال العراق وضلوع الحكومة الإتحادية في بغداد في الجبن واللامبالاة أزاء تدهورالأوضاع في شمال وشمال شرق محافظة دهوك؟.
تتناول وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية أخبار الهجمات التركية على مواقع عراقية بمزيد من الفخر،فحين تقول الوكالة إن القوات الجوية التركية تقصف جبل قنديل أو جبل سنجار،فكأنها تقول إن هذين الموضعين يقعان في دولة مجاورة هي في حالة حرب مع تركيا.
إذا كان الصراع بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا مستمراً منذ أكثر من ثلاثين سنة، ويُصنَّفُ حزب العمال الكردستاني أنه منظمة إرهابية في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية،فلماذا تسمح حكومة بغداد الإتحادية وحكومة إقليم شمال العراق للأرتال العسكرية لهذا التنظيم الإرهابي أن تدخل الأراضي العراقية وتنتشر وتتحكم في مصير السكان وإدارة شؤونهم في بعض المناطق التي احتلتها مثل سنجار؟..ما أدى الى أن تقوم القوات الجوية التركية بانتظام بتوجيه ضربات جوية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني ، الذي يقع مقره في المنطقة الحدودية في شمال العراق،وتتموضع بعض خلاياه المسلحة في مناطق متفرقة من محافظتي دهوك ونينوى.
في واحدة من العلميات العسكرية التركية على الأراضي العراقي شارك فيها أربعة آلاف جندي في عملية أطلق عليها (عملية كرالي) في المثلث الجبلي الحدودي تركيا - العراق - إيران ،كانت الغاية منها قطع خطوط حرب العصابات بين مقرات الكرد المتمردين في جبال قنديل في منطقة الحدود العراقية الإيرانية والحدود مع تركيا.وفي جميع عمليات الجيش التركي وطيرانه الحربي في شمال العراق يُقتل مدنيون. وفي إحدى المرات لقي ثلاثة قرويين عراقيين مصرعهم عندما أطلقت طائرة مقاتلة النار على مركبتين على طريق متصل في منطقة كورتيك بمنطقة قنديل، على الرغم من أن كورتيك خارج منطقة سيطرة حرب العصابات ،كما قتلت الطائرات التركية ضابطاً في الجيش العراقي ومراتب كانوا بمعيته، إلا أن الحكومة الإقليمية الكردية في أربيل إكتفت بإلقاء اللوم على حزب العمال الكردستاني في تصعيد الموقف وطالبتهم بمغادرة المنطقة،بإستحياء.
لقد كسرت وزارة الخارجية العراقية صمتها بعد أن استنكر السيد مقتدى الصدر الغارات الجوية على "قوى المعارضة التركية" وأصدرت بياناً يتحدث عن "أعمال حرب أحادية الجانب من جانب تركيا ضد سيادة العراق"،و" يجب على تركيا وقف الهجمات على الفور". على أثر ذلك استدعت وزارة الخارجية التركية القائم بالأعمال العراقي في أنقرة للإحتجاج على هذا الإعلان "غير المقبول" من بغداد ـ حسب وصف الخارجية التركية.لقد أصبح إستنكار الإعتداء على الجيران في زمن الإمبراطورية العثمانية الأردوغانية الجديدة (غير مقبول)..في حين يعد الإحتلال للأراضي والقصف الجوي وقتل المواطنين للدولة الجارة (مقبولاً)، في سابقة غير معهودة أن تتعمد دولة باستهداف أراضي دولة مجاورة وقتل مواطنيها بحجة محاربة معارضين مسلحين.
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
11 ت1 2020