محمد الجاسم||
بعد أن أَزِفَ موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية،وأصبح على الأبواب،تشتد مناوشات الحملة (الإنتخابية ـ التسقيطة) بين المتنافسَيْن الرئيسَيْن (جو بايدن) و (دونالد ترامب) اللذين ذهبا بعيداً في هذه الحملة ،التي نالت كثيراً من رصيد ترامب،بعد أن فضحه خصمه بايدن بالكشف عن ملفات الفساد المالي والإداري والفشل الذريع في إدارته لأزمة وباء كورونا الذي اجتاح البلاد وفتك بالمواطنين حتى تجاوز عدد الوفيات الناجمة عن هذا الفايروس الوبائي في الولايات المتحدة مائتي حالة وفاة، فيما تجاوز عدد الإصابات بهذا الوباء سبعة ملايين إصابة، وفقاً لإحصاءات جامعة (جونز هوبكنز).
لم يركّز جو بايدن في حملته الإنتخابية ـ التسقيطية على تسويق نفسه الى الجمهور الأمريكي، وتقديم برامج إنتخابية مهمة،بقدر ما تعمد أن يفضح خصمه ترامب الرئيس الحالي بالمثالب والمناقص والمساوئ التي تغلف شخصية الرئيس الحالي،وقد ركّز بايدن على فضح (هواية) الكذب لدى ترامب،حتى أنه ـ كما يبدو ـ قد استفاد من دراسة رقمية أجرتها قاعدة بيانات ( فاكت تشيكر) التابعة لصحيفة (واشنطن بوست) التي تراقب وتحلل وتصنف وتتابع كل بيان أو تصريح يصدر عن ترامب.حيث تَبيّن من خلال حملة بايدن أن الرئيس ترامب كذّب على الأمريكيين 13435 مرة منذ دخوله البيت الأبيض،في السابع عشر من كانون ثانٍ العام2017،أي بما يعادل إثنتين وعشرين كذبة كل أربع وعشرين ساعة.
يسجل المراقبون على ترامب أنه كثير الخروج في الإعلام وكثير التصريح بمناسبة وبغيرها،دون أن يمتلك أدوات التصريح الإعلامية الحرفية والمؤثرة،ما أدى به أن يضطر الى الحشو والكذب والهذيان،الذي أنسبه أنا الى تقدمه في العمر،وفراغه الثقافي ،وعدم قدرته على أداء واجب الرئاسة لبلد كبير كالولايات المتحدة.ومن فرط إسفافه بالتصريحات الغريبة ،أقتنص للقارئ الكريم أحدها،حين قال عبر إحدى شاشات التلفزة الوطنية:"إن خمسة وثمانين في المائة من المواطنين الأمريكان الذين يستخدمون الأقنعة، يلتقطون الفايروس أكثر من غيرهم".
ومن جهته، استخدم الرئيس ترامب أسلوب القذف والتشهير،ليس بجو بايدن وحده،بل تعداه الى عائلته،سواء في تغريدات موقع تويتر،أو في مقالات صحافية،على أعتاب الانتخابات الرئاسية الأمريكية ،فالرئيس الحالي دونالد ترامب يصعّد هجماته على عائلة منافسه جو بايدن. ولم يكتفِ الجمهوري ترامب خلال ظهوره الانتخابي في أوكالا بولاية فلوريدا بوصف الديموقراطي بايدن بأنه "سياسي فاسد"،بل تعدى الى أعمق من ذلك حين قال: "وعائلة بايدن هي مشروع إجرامي". وأضاف ، "لقد أصبح بايدن من الأثرياء ،بينما كانت أمريكا تتعرض للسرقة". نلاحظ في هذه المساجلة التسقيطية بين الرجلين،أن الرئيس الأمريكي الحالي لم يستهدف خصمه في ذلك،وحسب،بل ذهب الى وصف رجال وسائل الإعلام السائدة في البلاد بـأنهم "أعداء الشعب" بزعم أنهم لم يفضحوا الفساد المزعوم للديمقراطي بايدن.ولا يخفى على القارئ اللبيب انها عبارات قذف جوفاء لم تكن ترقى الى مكافأة ومجاراة التهم التي وجهها إليه خصمه،ومن أهمها الكذب..فماذا يبقى لأيِّ رئيس دولة أمام شعبه إن كان معروفاً بالكذب.
من أغرب ملامح السجال الإنتخابي الذي يقرض حظوظ ترامب في الفوز تدريجياً،أن سبعين مسؤولاً في الحزب الجمهوري الأميركي،الذي ينتمي إليه ترامب، أعلنوا دعمهم للمرشح الديمقراطي جو بايدن، ومن هؤلاء السبعين مشرعون ومسؤولون عملوا مع الإدارات الأميركية المتعاقبة في حقب الرؤساء رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبوش الإبن وباراك أوباما وكذلك ترامب.وتُعَدُّ هذه الظاهرة في المشهد السياسي الأمريكي ظاهرةً غيرَ مسبوقة ،وتشير الى أن جو بايدن هو المرشح الوطني الذي بإمكانه توحيد الأميركيين ـ من وجهة نظرهم ـ .
لم يعد ترامب يصلح لرئاسة الدولة الكبرى عالمياً،وإن أفعال ترامب وخطاباته ،ساهمت كثيراً بتعزيز القلق الشديد عند الجميع ،مادفع هؤلاء السبعين قيادياً من قيادات حزب ترامب ذاته،أن يعترفوا أن ترامب لا يتمتع بالكفاءة اللازمة لقيادة البلاد، وقد أضرَّ بالدور الأميركي القيادي في العالم، وشوَّه سمعة الولايات المتحدة، وقوَّض نفوذها الأخلاقي والدبلوماسي، حتى أنه وصف أوروبا يوماً بالعدو، كما انه سخر من قادة الدول الصديقة ،وافتعل العداء والتوترـ دون أسباب موضوعية ـ مع دول بعيدة عن الولايات المتحدة،كالجمهورية الإسلامية في إيران،حتى ان فترة ولاية ترامب قد حفلت بالفشل الذريع في حلحلة الموقف الإيراني الصلب الذي تبنته الجمهورية الاسلامية في عدم المرونة مطلقاً ،بالرغم من الضغوط الكبيرة التي مارسها ترامب ،وكذلك المبادرات والوساطات التي التجأ إليها مؤخراً،والعقوبات الاقتصادية التي كان يأمل منها ـ على شراستها ـ تضعيف الموقف الإيراني المتماسك، وهذا بحد ذاته أماط اللثام عن الأسلوب البدائي المتغطرس الذي مارسه ترامب في السياسة الخارجية، دون الاستفادة من الدروس الماضية التي تعاملت بها الإدارات الأمريكية السابقة مع الجمهورية الاسلامية،منذ قضية الرهائن التي أطاحت بالرئيس جيمي كارتر. لقد عمل ترامب على تقويض التحالفات الأميركية طويلة الأمد،مع بعض حلفائه في العالم،وعرّضَ الأمن القومي لبلاده للخطر، وعمل على تقسيم المجتمع في بلاده ،وفشل في الاستجابة لخطر فيروس كورونا المستجد.
يساور المراقبين الشك والقلق من أن الأوضاع لن تكون على مايرام في حال فوز بايدن،لكنهم يعوِّلون على الإنهيار النفسي والتراجع المعنوي في اندفاع الخصم الجمهوري ترامب الى الإنتخابات،ولعل مايعزز احتمال انهيار ترامب، ماحدث في مدينة ماكون بولاية جورجيا ، إذ لم يُخْفِ الرجل مخاوفه من هزيمة محتملة في الانتخابات، حين قال:
"هل يمكنك أن تتخيّل أنني أخسر؟ ماذا سأفعل؟ ..لن أشعر أنني بحالة جيدة. ربما عليَّ مغادرة البلاد.. لا..أعلم!!"
ورُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل.
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
18تشرين أول2020
https://telegram.me/buratha