د. جواد الهنداوي* ||
مِنْ سيئات زماننا هو ان يصبح الارهاب ،بآلياتهِ المختلفة والموصوفة ادناه، أداة من أدوات السياسة الدولية تمارسه وتوظّفه دول دستورية وديمقراطية وداعية، وبتسّيد، الى تطبيق واحترام حقوق الانسان.
لم تَعُدْ مناهج علم السياسة والعلاقات الدولية محصورة بمفردات الفكر و الرأي و الديمقراطية و الانتخابات والنزاع والصراع والحرب، إنما تشّوهت (واقصد المفردات ) بكلمة الارهاب. أصبحت كيفيّة توظيف و استغلال وادارة الارهاب وظيفة من وظائف سياسة امريكا وبعض الدول الغربية وعملائهم من حُكام بعض دول المنطقة.
بدأت الدول المتطورة تصنيع وانتاج الارهاب وفق آلية مجاميع مسلّحة ومنتظمة ومؤدلجة فكرياً وبشعارات تتلاءم مع بيئة صانع الارهاب: (الديمقراطية ، حقوق الانسان، الحريات، الثورات)، وشعارات أُخرى تتلاءم مع بيئة مُستهلك الارهاب ،ايّ مع بيئة ميدان الارهاب: (الدين، الاسلام ، الأقليات، الشيعة، السُنة).
نشأت الجماعات المسلحَة في سبعينيات القرن الماضي، وفي أفغانستان، وبشعار الجهاد باسم الاسلام ، وبسلاح امريكا وبشعارات امريكا ( التحرر من الغزو السوفيتي ، استقلال وسيادة أفغانستان )، وتّمَ رعاية وتخصيب هذه الجماعات المسلحّة و بذات الشعارات الإسلامية و الغربية كي تلدْ القاعدة ، و تنتشر جغرافياً وتتكاثر ليكون للقاعدة ابناء وأحفاد في منطقتنا وفي العالم، و اكبرُ هولاء الابناء "داعش".
دعم امريكا و دعم بعض الدول الغربية وبعض دول المنطقة لداعش و جرائمه في العراق وفي سوريا وفي لبنان لم يكْ أمراً خفياً على المتابعين والمُلّمين، كما لم يَعُدْ امراً مستوراً على الجميع .
بموازاة آلية توظيف الجماعات الإرهابية المسلحة، وهدفها تدمير دولنا وتجزئتها وتفكيك مجتمعاتنا، وظّفت الدول الراعية للإرهاب آلية ( الذئاب المنفردة )، لتقوم بتدبير و رعاية / او استغلال وقوع هجمات منفردة وسريعة وخاطفة في المدن والأسواق وأماكن التجمع في الدول الأوربية وفي العالم، وتجييرها باسم الاسلام. ومن أحدث الشواهد على ما نكتب هو ما يجري هذه الايام في فرنسا من اعمال ارهابية، و تصريحات وإجراءات السلطات الفرنسية التي تُسيء للإسلام وتستفز مشاعر المسلمين وتنال من معتقداتهم . تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وما قاله وزير الداخلية وغيرهم هي توظيف سياسي للعمل الارهابي، ولأهداف داخلية وخارجية.
تعّمدَ الرئيس الفرنسي ربط الأعمال الإرهابية بالإسلام، وتعّمد الإساءة وأوصى بالاستمرار بها، و يروم، من خلال هذه الإساءة، النيل من المسلمين العرب، اي من البيئة العربية للإسلام ، وشعوب هذه البيئة في نزاع مع اسرائيل ، وبعض دول هذه البيئة هي الآن في قطار سريع نحو التطبيع مع اسرائيل، والتي يحسبها الغرب، للاسف، نموذجا للديمقراطية والانفتاح .
حالات الضعف والتشتت والوهن والانبطاح لعالمنا العربي والإسلامي سمحت للرئيس ماكرون بالتجاوز والتطاول على قيمنا و مقدساتنا وبهدف تشويه الانتماء الإسلامي و الرابطة الإسلامية ، و أيذاء الانتماء الإسلامي، بالتشهير والتشويه، وذلك يصّبُ في مصلحة اسرائيل ومشاريعها في التهويد والاستيطان والهيمنة .
ستزداد حملات الإساءة الى الاسلام ورموز الإسلام في امريكا وفي اوروبا، ونعتهِ بالإرهاب والفاشية بهدف، اولاً قطع الطريق على الاستفادة من نيّة ومسعى المقاومة الفلسطينية للتوجه صوب الانتماء الإسلامي بعدما يئست المقاومة من انتمائها العربي والقومي، ونفضت يدها (واقصد المقاومة الفلسطينية) من محيطها العربي؛ وثانياً لتسهيل ولتبرير العقوبات والاعتداءات الامريكية والاسرائيلية على دول الممانعة والمقاومة وحركات المقاومة الإسلامية والوطنية .
إستعانة الرئيس ترامب بحوادث القتل والإرهاب في فرنسا، وتوظيفها في حملته الانتخابية وتسويقها للرأي العام الامريكي لإثارة هلعهم ومخاوفهم ،دليل آخر على توظيف واستغلال الارهاب لاهداف سياسية.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل