د. جواد الهنداوي * ||
التوافق السياسي، أو كما يستخدم البعض مصطلح "الديمقراطية التوافقية "،هي القاعدة او الآلية التي حكَمتْ وميّزتْ النظام السياسي في عراق بعد عام ٢٠٠٣. لم ينّصْ عليها الدستور الاتحادي ، ولم تفرضها المصلحة الوطنية او مصلحة الدولة، وانما هي ( واقصد قاعدة او آلية التوافق السياسي ) من انتاج الأحزاب والحركات والتيارات السياسية ، و وُظِفتْ من اجل توزيع و تقاسم السلطات الدستورية ، وممارستها وفقاً لمصالح وأهداف الأحزاب والحركات والتيارات السياسية، وليس وفقاً لمصالح أهداف الدولة والشعب .
أُستخِدمتْ هذه القاعدة اوالآلية لترسيخ صيغة " التراضي والتغاضي: التراضي بين الأحزاب والحركات على المنافع والمكاسب والامتيازات ، والتغاضي عن التجاوزات والمخالفات والسرقات ، و اصبحَ التوافق السياسي مصدراً و معبراً للفساد و الابتزاز والثراء الشخصي و الحزبي وعلى حساب قوت وأموال الشعب وكيان وهيبة وسمعة الدولة .
أوصلَ التوافق السياسي الدولة الى الافلاس، واوصلَ المجتمع الى تجريده من المنظومة القيمية والأخلاقية،و اوصلَ المواطن الى شعور انفصام و انتقام من الدولة.
أول و اكبر الخاسرين من تجربة التوافق السياسي هي الدولة ومقوماتها ( المواطن ايّ الشعب ، والسيادة ، والسلطة ، وارض العراق ). خسرَ الشعب ثروته و موارده، إمّا بالسرقة وإماّ بالتوزيع غير المنصف والعادل للثروة والميزانية . وخسرَ الشعب ايضاً سيادته وسيادة دولته بفقدان مكانة وهيبة وسمعة و دور العراق . و خسرَ ارادته التي منحها للقياديين من اجل ممارسة السلطة بأسمه ولمصلحته.
نجحت تجربة التوافق السياسي في استمرار الأحزاب بممارسة السلطة ، ولكن التجربة فشلت في بناء الدولة.
واستمرار التوافق السياسي ، وبذات التطبيق و التداعيات سيقود الدولة الى الفشل و العراق الى التقسيم.
جميع مكوّنات الشعب العراقي هم ضحايا لتجربة التوافق السياسي، و أولهم المكّون الشيعي ،المنسوب اليه حكمْ و قيادة البلد ،بيدَ ان البلاد محكوم وفق قاعدة التوافق والتراضي و التغاضي و ليس وفق قاعدة الأغلبية . جميع الأحزاب والكتل النيابية وجميع قادة المكوّنات الطائفية و القومية (شيعة ،سنة ،كُرد ) هم شاركوا في حكم البلاد ،ومارسوا السلطة ووفقاً لمصالحهم الحزبية و أجنداتهم. الخاسرون هم المواطن الشيعي و السني والكردي والوطن ايّ الدولة.
رغم مرور اكثر من خمسة عشر عاماً على تطبيق الدستور الاتحادي و على تطبيق آلية التوافق السياسي في العراق، لم تتهيأ و تتوفر بعد شروط نجاح تطبيق قاعدة او آلية التوافق السياسي في الحكم و ممارسة السلطة و ادارة الدولة. فما هي شروط ومستلزمات نجاح التوافق السياسي؟
ان يكون موضوع وسبب وهدف التوافق هو مصلحة الشعب وليس مصلحة المكّون او الطائفة او القومية، او الحزب، أنْ يكون موضوع وسبب وهدف التوافق هو الحفاظ على سيادة الدولة ومكانتها وعزتها وهيبتها ووحدة تراب الوطن ضمن إطار الدولة الفدرالي، أن يكون موضوع وهيبة وهدف التوافق هو احترام الدستور و القانون ومحاربة الفساد و الابتزاز وليس التستّر على الفساد و الانتقاء في ملفات السرقة والفساد.
من شروط التوافق هو ان يلتزم النائب ، وهو تحت قبة البرلمان، بمسؤوليته تجاه الوطن، تجاه الدولة، تجاه الشعب، وأنْ يتصرف و يصوّت بأعتباره ممثلاً للشعب وليس ممثلاً لحزب أو لمكون أو لطائفة.
من شروط التوافق هو وجود نُخبة سياسية وطنية ،تمتلك الكفاءة والرؤية، وقادرة على الالتزام بقيم و سلوكية وطنية واخلاقية، و تقديم نموذج سياسي، يُحتذى به، ويكون مبعثاً لثقة المواطن.
هل يا ترى تتوفر في عراق اليوم كلُ أو بعض ما ذُكِرَ من شروط، كي نتوفق في الاستمرار في تطبيق قاعدة التوافق السياسي و نأمنُ تداعياتها؟
هل قانون الانتخابات الجديد سيضمنُ لنا المجئ بنواب بولاء وطني وليس بولاء للحزب أو للقائد؟
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل
https://telegram.me/buratha