محمد صالح صدقيان ||
لم يعد الملف الايراني ملفا مقتصرا على المجموعة الغربية الستة التي توصلت مع طهران للاتفاق النووي بعدما طالبت دول اقليمية او اجنبية المشاركة في المفاوضات المحتملة المتوقع ان تجرى بين ايران والولايات المتحدة بعدما اعرب الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن عن ضرورة إشراك دول اخرى في هذه المفاوضات .
الرئيس بايدن قال ان الولايات المتحدة لا يمكن لها ان تجري المفاوضات لوحدها وهذا يعني رغبته في العودة الى طاولة مفاوضات خمسة زائد واحد وهي الدول الاوروبية المانيا وفرنسا وبريطانيا اضافة الى الصين وروسيا.
هذه الرغبة دعت دولا اقليمية كالسعودية المطالبة بإشراكها في هذه المفاوضات ؛ فيما اعربت اليابان عن إشراك دول اخرى نظرا لانعكاس اثار المفاوضات على مصالحها الحيوية. ففي الوقت الذي تعتقد السعودية ان المفاوضات يجب ان تشمل « الامن الاقليمي » ، وهو ما عبر عنه النفوذ الايراني في المنطقة ، تعتقد دول اخرى كاليابان ان مصالحها الاقتصادية ومصالح دول اخرى يجب ان تكون على طاولة هذه المفاوضات .
لا أحد من الاطراف المعنية بالملف الايراني يعتقد ان العام 2021 لا يختلف عن العام 2015 بما في ذلك الجانب الايراني ؛ فالجميع يعتقدون ان اجواء وظروف العام 2015 التي احتضنت المفاوضات النووية تختلف عن اجواء وظروف العام 2012 . ومن يريد الجلوس على طاولة المفاوضات يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار الاجواء الجديدة والظروف الجيوسياسية التي تحيط بالمنطقة .
وبعيدا عن التوصيف القاسي الذي وصف به المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية سعيد خطيب زادة بعض الدول الاقليمية التي طالبت بإشراكها في المفاوضات الايرانية الغربية ان تتحدث في اطار حجمها ؛ الا ان المصادر الامريكية رأت من المستبعد قبول ادارة الرئيس الامريكي المنتخب اشراك السعودية او اية دولة اخرى في تلك المفاوضات ؛ لكنها قالت انها ترغب في مناقشة القضايا الاقليمية ومن ضمنها المنظومة الصاروخية الايرانية وما سمي ب "التدخل الايراني" في المنطقة .
في حقيقة الامر ان الجانب الامريكي - ادارة الرئيس ترامب او الرئيس المنتخب بايدن – يعلم ان ما تم التوصل اليه في الجانب النووي هو افضل ما يمكن التوصل اليه مع الجانب الايراني ، لانه وقف امام الطموحات النووية الايرانية في الوقت الذي اعترف بحقها في امتلاك الدورة الكاملة للطاقة النووية وبذلك كانت المفاوضات رابح رابح للجانبين . لكن الجانب الغربي يعتقد ضرورة مناقشة ملفات جديدة مع ايران كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الالماني هايكو ماس . وعندما يتم تسريب هذه الرغبة الغربية ؛ فهذا يعني ان الجانب الغربي يرغب مناقشة « الامن الاقليمي » من خلال الصورايخ الايرانية والنفوذ الايراني في المنطقة . ولا اعتقد ان الجانب الايراني سيعارض مناقشة « الامن الاقليمي » ليس من زاوية الصواريخ والتأثيرات الايرانية وانما من باب المصالح الحيوية لكافة دول المنطقة .
ايران تعتقد ان الصواريخ الايرانية هي اسلحة دفاعية للحفاظ على مصالحها الحيوية في الداخل ولا يمكن لها ان تناقش هذا الملف في الوقت الذي تمتلك دول الاقليم كافة انواع الاسلحة الهجومية بما في ذلك الاسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الكيان الاسرائيلي ولذلك من غير الواقعي والمنطقي ان يتم الضغط على ايران لتفكيك منظومتها الصاروخية وإبقاء اسلحة دمار شامل لدى الكيان الاسرائيلي ؛ واستنادا الى ذلك فان طهران تعتقد ان المطالبة ببحث « الامن الاقليمي » يعني البحث في تأمين « الامن الاسرائيلي » لان امن الدول الاخرى في الاقليم مرهون بالحوارات التي يمكن ان تحل من خلال التفاهمات الاقليمية وحل مشاكل دول المنطقة .
ان المنطقة تعاني من فراغ في « النظام الامني الاقليمي » منذ سقوط الحرب الباردة ؛ ولذلك فان ايران تعتقد ان اي نظام بديل يراد له ان يسد « الفراغ الامني » يجب ان يراعي مصالح دول المنطقة وانها – اي ايران – تسعى ان يكون لدول المنطقة دور في هذا النظام او اية ترتيبات امنية اخرى .
ان ايران تتفهم حرص الدول الغربية على مصالحها الحيوية في المنطقة ؛ وتتفهم ايضا رغبتها في الحفاظ على مصالح حلفائها من دول المنطقة ؛ لكنها تعتقد ان هذه المصالح والثقة المراد زرعها في المنطقة هي جادة ذات اتجاهين وليس اتجاه واحد ؛ بمعنى ليس من « الواقعية السياسية والامنية » تجزئة الامن وتفكيكه استنادا الى مقاسات معينة ترتئيها هذه الدولة او تلك .
ان انسحاب ادارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الذي اودع في مجلس الامن الدولي بالقرار 2231 جعل ايران تحسب اكثر من حساب لاي مفاوضات محتملة لان حاجز الثقة الذي اراد الجانبان تحطيمه في « الاتفاق النووي » صار اليوم اكثر قوة حتى يثبت لها العكس .
https://telegram.me/buratha