حسين مرتضى يحكي:
لحظة التقيت الشايب
من بين رائحة الموت في القرى المزنٌرة بدخان المعارك في أقصى الجنوب العراقي وبقايا الدمار التي خلفها الاجتياح الأمريكي للعراق فجر التاسع من آذار عام 2003 ..ومع شراسة تلك المعارك كانت أحوال الناس وبقايا مؤنهم المباحة محط أنظار العالم وأهتمامه ..
في حينها كانت قناة العالم في طهران ، تواكب هذه الأحداث بخطواتها الأولى في البث الفضائي..و كنت من المؤسسين للقناة ، كان لها في ذلك الوقت بثاً ارضيا في الجنوب العراقي يكاد يكون الأفق الوحيد الذي يأخذ بالناس إلى كل مايدور ويحدث حيث أحزمة الحرب الشائكة وتطورات ميدانية هنا وهناك وهم في أوطانهم الصغيرة(البيوت) فكانت القناة تحتل الصدارة بين وسائل الإعلام الاخرى وتُتابع بكثافة أكثر من غيرها.
ولأن تفاصيل الجنوب العراقي وساحة الحرب في العراق كانت أهم أولويات الإعلام في ايران ..كانت لنا تغطيات مباشرة ويومية عن الواقع الميداني ومجريات المعركة ،حتى بات المشاهد يترقب تلك التغطيات بشغف الغائب البعيد ليتابع أبرز متغيرات المعارك وطبيعة المنطقة جفرافيا وكيف تتحرك القوات الاميركية وبعض التفاصيل عن حرب يسلب فيها المحتل كل الثوابت .
وتبعاً لذلك كُلفت ذات يوم بعد اتصال من مدير عام البث في ايران ، بالحضور الى الاستديو ، لإجراء مقابلة مباشر مع ضيف (مهم) اختصاصه الميدان والخرائط هكذا كان الوصف .للحديث عن حزمة تفاصيل ميدانية ، وبالفعل حضرت على عجلة الى الاستديو وتم اعداد الخارطة للمنطقة الجنوبية ، وبعض المتطلبات .
كان حضوره مفاجئ دخل إلى الاستوديو شخص وقور في منتصف العمر بأناقة الجندي المكتملة ، استحوذ الشيب على ملامح وجهه وقسماته الجنوبية الخالصة .
استقبلته ابتسم ونادي بأسمي استغربت ، سلمت عليه مددت يدي ، صافحته، شد على كفي وقال لي: اهلا بأبن المقاومة من لبنان ، جلسنا في الاستديو ، قلت له عفوا ما هي الصفة التي تحب ان اناديك بها قال لي ابو مهدي... المهندس يكفي عندها عرفته بهذا الاسم إلى اليوم .وفي حينها بداخلي اطلقت عليه لقب الشايب
بدأ الحوار معه على سجية الضيف المثابر كان ينتظر دوره في الولوج إلى الجواب وما إن يحين وقت الانتقال الى محور آخر يوزع الأدوار من جديد وكأنه لا يرضى إلا أن يشذب أغصان الفكرة ويوقض بعض الأحداث ماوراء الخبر على حقيقتها ..رفع الغموض عن كثيرا من طبيعة المنطقة المسماة ب(الميدان) و دور كلا من القطع والاوصال الجغرافية العراقية وأهميتها الاستراتيجية التي كان يحفظ تقاسيمها عن ظهر قلب بذاكرة العراقي المحب رغم سنوات الشتات .
بعد ذلك اللقاء الحافل بالثناءات أدركت أنه لم يكن ضيفا عابرا على الكاميرا والاستوديو ...كان شخصية عسكرية ملمٓة بكل تفاصيل ومجريات الحوار حول المعارك الذي استمر يومها لساعتين او اكثر ..
بابتسامته المعهودة ونقاء سريرته الواضح على محياه قال لي بعد نهاية اللقاء: ماشاء الله تفجأت بدرايتك بشأن العسكر والاسئلة العسكرية التي طرحتها خلال التغطية .
تفرع عن هذا اللقاء عدة لقاءات يومية. وحوار تلفزيوني مباشر كل مساء ... نتبادل فيه أطراف الحديث عن الميدان والتطورات..حتى غاب ذات مساء وماعاد يحضر ..تتبعت اخباره و اوصلني فضولي الى بعض التفاصيل عن هذه الشخصية المهمة وعرفت عنه القليل ، الى ان بدأت اتابع اخباره وتواجده في العراق بعد الاحتلال الاميركي ،
وبعد مرور عدة سنوات كانت عملية اغتيال القائد الجهادي الكبير الحج عماد مغنية حينها كنت ما زلت في ايران وقد تم فتح مكتب حزب الله في طهران لتقبل التعازي ، ذهبت الى هناك للمشاركة في الواجب والعزاء لأجد امامي من جديد هذه الشخصية الجهادية ابو مهدي المهندس ، اقتربت منه عانقني والدموع على وجنتيه لاكتشف اكثر ان اغلب الشخصيات العسكرية والامنية التي كانت تحضر لتقديم العزاء ، تقدم العزاء للحج ابو مهدي لانه فقد الاخ والصديق والرفيق ادركت حينها كذلك انه كان من المقربين الاصدقاء للحج عماد رحمهما الله .وكانوا يشكلون ثلاثيا الحج ابو مهدي والحج عماد والحج قاسم
اطلت عليكم لكن هكذا كانت الاحداث تسير ، وبعدها ما عدنا التقينا ، الى ان بدأت الاحداث والحرب في سورية ومن ثم العراق ، لتصبح الجبهة واحدة والعدو واحد ويبدء يظهر اكثر دور وقدرة واهمية الحج ابو مهدي المهندس ( الشايب) ليكون لنا اكثر من مرة واكثر من تواصل عبر الهاتف او من خلال صديق مشترك من قادة فصائل الحشد الشعبي ، حيث كان دعاؤه دائما لي بالسلامة وتوخي الحذر وحديثه عن اهمية الدور الاعلامي وما نقوم به
الى اننا فقدناه وكان عروجه الى السماء مع رفيق دربه وصديق حياته الحج قاسم والذي سأروي لكم قصصا عنه في مقالات اخرى.
https://telegram.me/buratha