التقارير

العراق  يمتنع عن التصويت في الأمم المتحدة على احياء العقوبات على ايران: الموقف سيادياً و دبلوماسياً .


 

  د . جواد الهنداوي * ||

 

             للتوضيح ، اكتبُ عن امتناع العراق عن التصويت ، بتاريخ ٢٠٢٠/١٢/٣٠ ، ( ب نعمْ  او ب لا ) على المشروع الذي تقّدمت به امريكا الى الأمم المتحدة لإحياء العقوبات الأممية المنتهية على ايران ، والتي رُفِعتْ ( و اقصد العقوبات ) بموجب القرار الأممي رقم ٢٢٣١ وبموجب الاتفاق النووي .

         و منذ تاريخ رفع العقوبات الأممية على ايران ،بتاريخ ٢٠٢٠/١٠/١٨ ، فرضت امريكا عقوبات آحادية على ايران ، وتحاول ،في ذات الوقت ، اعادة فرض العقوبات الأممية على ايران ، وتحاول ،بالرجاء تارة ،وبالوعيد ،تارة اخرى ،مع شركائها الأوربيين وغيرهم الى إقناعهم بالموافقة على احياء فرض العقوبات على ايران . لم تفلحْ امريكا ، و واجهوها خصومها ( الصين و روسيا ) و أصدقائها ( أوربيون و آسيويون ) بالرفض و بتبرير قانوني للرفض ، ألا وهو خروج امريكا رسمياً من الاتفاق بقرار الرئيس ترامب عام ٢٠١٨ .

     وحاولت امريكا ، من خلال جلسة التصويت على ميزانية الأمم المتحدة بتاريخ ٢٠٢٠/١٢/٣١ ، احياء لجنة العقوبات على ايران ، فرفضت التصويت على الميزانية وطالبت بعدم التصويت على الميزانية بسبب عدم تضمين الميزانية فقرة لتمويل  لجنة العقوبات على

ايران   .

      صوتتْ غالبية الدول ،وفي مقدمتها روسيا والصين ، وكافة الدول الأوربية على رفض المشروع الامريكي ، و وافقت ١٠ دول على المشروع الامريكي ، وهي ( اسرائيل و البحرين والمملكة العربية السعودية ، وجيبوتي ، وهايتي ، والسلفادور ، و المغرب ، واليمن ( حكومة عبد ربه ) ، و امريكا ، و ميكرونسيا ) ، و امتنعت ٣٠ دولة عن التصويت ، ومن بين هذه الدول التي امتنعت عن التصويت ،  العراق و الكويت و مصر وليبيا وقطر و السودان و عمان و الامارات العربية المتحدة ، ومن بين الدول العربية التي صوتتْ ب " لا " للطلب الامريكي هي الجزائر و تونس وسوريا ولبنان .

           حَرصّ العراق بأمتناعه  عن التصويت ، بأنْ لا يتخذ موقف ،بأن لا يتبنى موقف . فهو لم يرفض و لمْ يوافق على المشروع  الامريكي الهادف الى احياء لجنة فرض العقوبات على ايران .

            أرادَ العراق ،على ما يبدو ،وفي تبنيه موقف " اللاموقف " أنْ يعلن ،في هذه المناسبة الأممية ، حياديته ازاء الصراع او النزاع الامريكي -الإيراني . أَرادَ العراق أنْ يؤكد مرّة اخرى تمسّكه بسياسة " عدم التمحّور " .

          ولكن ،هل كان القرار ، في مضمونه و في توقيتهِ ،موفقاً من الناحية السياديّة و الدبلوماسية و السياسية ؟

           لا أحدَ يشكُ في ألقدر الكبير من المجاملة و المُحاباة لأمريكا في موقف العراق ، لأنَّ الموضوع المعروض للتصويت ، بطبيعته القانونية و بوضوحهِ ، لا يحتملْ قرار او موقف الامتناع عن التصويت ، وخاصة من قبل العراق . لماذا ؟

         اولاً -  ساهمَ و سعى العراق بمحاولات عديدة في تقريب وجهات النظر بين امريكا و ايران بخصوص الملف النووي ،كما رعى العراق في شهر نيسان عام ٢٠١٢ اجتماعاً  دولياً في بغداد بشأن الملف النووي . ينبغي ان يكون موقف العراق مشابهاً لتلك الدول (مثل المانيا و فرنسا وغيرهما ) والتي سعتْ و ساهمتْ في إبرام الاتفاق النووي الدولي و الأممي بين ايران والدول العظمى وألمانيا ،عام ٢٠١٥ . فلا ينبغي و لا يجوز مجاملة ادارة الرئيس ترامب لعدم احترامه  للاتفاق الأممي ، و عدم احترامه لقرارات مجلس الامن وخروج امريكا و بقرار ترامب ، من الاتفاق الأممي والنووي عام ٢٠١٨.

           خروج امريكا من الاتفاق الأممي و مخالفتها لقرارات مجلس الامن كان  خطأ سياسي جسيم ، و مثّلَ تهديداً  للأمن و للاستقرار  الدوليّن ، كما ان خروجها من الاتفاق أفقدها الحق القانوني بالمطالبة بأعادة آليّة فرض العقوبات مجدداً على ايران . وهذا ما احتجّت به كل دول العالم التي رفضت المشروع الامريكي بإعادة تفعيل العقوبات . الصوت الدولي الرافض للمشروع الامريكي ، و الصفة القانونية للموضوع ، وجسامة الخطأ الامريكي ،جميعها عوامل تُبرّر موقف عراقي رافض للمشروع وليس مهادن او مجامل من خلال الامتناع عن التصويت .

         ثانياً - مواقف العراق السياسية و الدبلوماسية ، ازاء قرارات اممية و دولية ، و ازاء أحداث و وقائع هي مواقف تأريخيّة و مُعّبرة عن سيادة دولة العراق وتترجم إرادة الشعب العراقي ، وتُبنى وفق معطيات موضوعية و اخلاقية و انسانيّة وليس شخصيّة . لا أظنْ  بأن امتناع العراق عن التصويت ب " لا " لإعادة فرض عقوبات على ايران هو موقف يترجم سيادة العراق ، ويعبّر عن إرادة الشعب ، و دالٌ عن رّدْ مناسب تجاه دولة جوار ، ساعدت العراق في محاربة الارهاب ، و التزمت قانونياً و اممياً بشروط الاتفاق النووي ، والذي ساهمَ العراق بصيرورته .

        ثالثاً - تزامنَ التصويت مع حدثيّن : الأول هو قرب مغادرة الرئيس ترامب و فريقه للبيت الأبيض ، والحدث الثاني هو مرور الذكرى الاولى لجريمة اغتيال الشهديّن سليماني و المهندس في بغداد . و ترامب و وزير الخارجية ،السيد بومبيو ،هما المسؤولان الأساسيان عن خطأ الخروج من الاتفاق النووي وعن جريمة الاغتيال للشهديّن في بغداد ، وانتهاك سيادة العراق و الاعتداء على العراق و الاستخفاف بارادة الشعب . كان على العراق ان يأخذ بعين الاعتبار و الحساب هذه المعطيات ، ويغتنم فرصة التصويت برفض المشروع الامريكي ، و الإعراب  عن امتعاضه لغدر و كذب رئيس راحل ، لن يعُدْ ،في غضون الايام القادمة ، رئيساً يستحق المجاملة  و يستحق آخذهِ و ادارته بالحسبان عند التصويت . والجميع يعلم بأن الرئيس القادم ( بايدن ) و فريقه من الداعين الى الانضمام للاتفاق النووي و الرافضين لإعادة فرض العقوبات على ايران .

      ثالثاً - تصويت العراق بالرفض للمشروع الامريكي كان متماشياً مع توجهّات الإدارة الامريكية القادمة و متطابقاً مع ما تمليه استقلال السيادة العراقية وارادة الشعب وسياسة العراق الثابتة تجاه رفض الحصار و العقوبات المفروضة على شعوب العالم .

       رابعاً - موقف العراق بتبنيه قرار ( اللاموقف ) ازاء أمرٌ واضح ولا يحتمل الامتناع  عن التصويت لا يضّرُ ايران بشئ ، و إنما يضّرُ العراق ،حيث يتركُ القرار شهادة عن عراق متردد ومجامل على حساب الحق والسيادة وارادة الشعب ، وشهادة بأنَّ العراق تبنى و بخسارة موقف لا تستحقه ادارة ترامب ولأسباب عديدة ، و غير لائق دبلوماسياً تجاه ايران .

       لا اعتقد بأن الأسباب التي دعت تونس والجزائر بالتصويت بالرفض للمشروع الامريكي تتعلق بالمصلحة التونسية الإيرانية او تتعلق بالمصلحة الجزائرية الإيرانية او رّداً لما قامت به ايران تجاه تونس ! لا غير معايير سيادة تلك الدول ( تونس والجزائر ) ، و لا غير معايير القانون والحق و العدالة ، دفعت تلك الدول بالقول " لا " للمشروع الامريكي .

    لا اعتقد ،ايضاً ، بأنَّ سوريا ولبنان ، في وضع اقتصادي و سياسي  افضلّ و اكثر اقتدراً من العراق ليتأهلان و يرفضان التصويت للمشروع الامريكي .

    امتناع العراق عن رفضه لمشروع ترامب في فرض العقوبات على ايران  لا يسّرُ كثيراً الرئيس الامريكي القادم ( بايدن ) و ادارته القادمة .

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك