د . جواد الهنداوي ||
ليس لإيران نفوذ في المنطقة و حسب ، و إنما في العالم ، وخاصة في فنزويلا و دول امريكا اللاتينية ، ومنذ عقديّن من الزمن . و تمدّدَ و ترسّخَ النفوذ رسمياً مع الدولة و سياسياً مع حركات اليسار والأحزاب اليسارية في فنزويلا و كوبا والأرجنتين وبوليفيا والبرازيل في عهد حكومة لولا دي سيلفا . جهود ايران و مساعيها في توسيع نفوذها دولياً و عالمياً يبرهّنُ على انَّ نفوذها سياسياً وليس دينياً او طائفياً او لغرض تصدير الثورة الى كوبا او الى فنزويلا او الى الأرجنتين . المشترك بين ايران الثورة ( في ثمانينيات القرن الماضي ) و ايران الدولة و الحركات السياسية في دول امريكا اللاتينية هو نضالهما ضّد الإمبريالية الامريكية ،ضدَّ " الشيطان الأكبر " .
ادركَ الامريكان و ادركَ ، كذلك ، الصهاينة ، بمسار النفوذ الإيراني و خارطته و سيكون في ملاقاة و مُعاداة النفوذ الامريكي والصهيوني ،و أينما وُجِدْ . لذلك حاولوا ، و اقصد الإمبريالية الامريكية و الصهيونية ،اجهاض الثورة الإيرانية عند ولادتها ، و كانت الحرب العراقية الإيرانية ، والتي دامت ما يقارب عقد من الزمن ، اهم اداة و وسيلة لتحقيق هدف القضاء على الثورة او لإضعافها ، وكذلك تدمير مقومات و قدرات العراق . استراتيجية امريكا و سياستها و أخطائها تجاه منطقة الشرق الأوسط عوامل ساهمت الى حد كبير في نجاح ايران ، ثورة و دولة ، وتمدد و توسّع نفوذها في المنطقة . ايران التي تخاطر وتتجرأ بكسر الحصار المفروض على فنزويلا ، وترسل بواخر مُحمّلة بالنفط و ربما بغير النفط الى فنزويلا رغم التهديدات الامريكية ،وذلك من اجل تعزيز علاقاتها و نصرة أصدقاءها وحلفاءها ، فلا غرابة إذاً من أنْ تضحي وتستقتل من اجل الحفاظ على دورها ونفوذها في المنطقة ،و التي هي جغرافيتها السياسية و الأمنية و الاقتصادية !
كذلك ، استراتيجية امريكا و سياساتها و أخطائها تجاه منطقتنا ساهمت في فقدان المنطقة لأمنها واستقرارها ، وجعلهما ( و اقصد الامن والاستقرار ) مرهوناً بمصالح اسرائيل و مخاوف تركيا و بعداء ايران .
كيف ساهمت سياسات امريكا الخاطئة في ذلك ؟
أولاً - عداء امريكا و الصهيونية للجمهورية الإسلامية في ايران لم يكْ بسبب نفوذ ايران في المنطقة ، و إنما بسبب استقلال ايران وتحررها من الإرادة و التبعية الامريكية ،بعد نجاح ثورتها عام ١٩٧٩ .
كان لإيران ، قبل ثورتها الإسلامية ، نفوذاً واسعاً في المنطقة ، وكانت تُلّقب " بشرطي الخليج " عندما كانت ملكّية النظام و امريكية السياسة و اسرائيلية الارتباط .
اصبح النفوذ الإيراني موضوع الساعة في الإعلام و خطر في المنطقة حين تحررت ايران ،بعد ثورتها الإسلامية ، من التبعية والإرادة الامريكية والصهيونية ، و أشهرت استقلال قرارها و الشروع في البناء والتطور الصناعي و العسكري ، و أعلنت عدائها للصهيونية و اسرائيل والإمبريالية الامريكية ، أصبحَ لإيران نفوذ و علاقات مع كل القوى والحركات والدول في المنطقة وفي العالم ، والمناهضة لسياسات الاحتلال و التدخل الامريكي - الصهيوني .
ثانياً- الدعم الامريكي اللا محدود لسياسة اسرائيل ،كيان محتل و غاصب لفلسطين ، ولسياسة اسرائيل في المنطقة ، كيان توسعي و طامع و ساع للهيمنة ، و اداة للصهيونية و للإمبريالية العالمية أَنذَرَ ايران بالاستهداف و بالخطر القادم اليها ، وتعرّضت لحملة اغتيالات لعلمائها ولعقوبات ولتآمر . الامر الذي برّر لإيران بأنَّ دورها ونفوذها في المنطقة هما أدوات و وسائل أساسية و استباقية من اجل ،ليس فقط دعم أصدقائها المقاومين ، وانما حماية أمنها القومي .
أصبحَ أمن دولنا العربية و أمن المنطقة في خدمة الامن القومي لقوى ودول إقليمية تحيطنا ،لا تحتكرْ ايران وحدها الدور والنفوذ في المنطقة ، والموصوف بدور ونفوذ داعم للمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وضّد التواجد الامريكي في المنطقة ، لاسرائيل ليس فقط دور ونفوذ ، وانما احتلال لاراضي عربية في سوريا وفي لبنان و تآمر و اعتداءات وقصف و اغتيالات في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن وحتى في تونس وفي ايران ، ولتركيا ليس فقط دور ونفوذ ، وانما احتلال في سوريا وفي العراق ، وتبّرره تركيا بحماية أمنها القومي ، و لتركيا قواعد عسكرية في قطر ، وبالاتفاق مع دولة قطر ، وتدخل عسكري و قواعد في ليبيا ، وتدخل في طرابلس لبنان ، وفي اليمن .
ولكن ، كيف يتعامل الإعلام و الغرب وبعض العرب مع دور و نفوذ ايران و تركيا و اسرائيل في المنطقة ؟
تؤيد وتدعم امريكا دور اسرائيل في المنطقة ، بل وتسعى لضمان هيمنة اسرائيل سياسياً وعسكرياً و اقتصادياً ، و ينحاز الغرب لاسرائيل ،ولكل دولة اسلوبها وظروفها في التعامل مع الدور الاسرائيلي ومع الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة . و انضّمَ بعض العرب الى جبهة الانحياز لاسرائيل و الدفاع عن وجودها و دورها و نفوذها ، من خلال مسارات اعتراف و علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية .
لمْ تكترث امريكا و لا الغرب بالاحتلال التركي لاراضي سورية و بممارسات التغير الديمغرافي وتغير العُملة و اللغة في المدن والقصبات التي تحتلها في شرق سوريا . ولم يهتمْ الإعلام الدولي و العربي بالدور التركي في المنطقة وفي الدول العربية . وتتعامل امريكا ويتعامل الغرب وبعض العرب مع الدور والنفوذ التركي في المنطقة على ضوء المصالح الاسرائيلية و وفقاً للمخاطر والتهديدات التي تواجهها كل دولة ،كما هو الحال لدولة قطر .
دور و نفوذ ايران في المنطقة لم يعُدْ موضوعاً اساسياً للإعلام الغربي و العربي المؤيد لاسرائيل ، وانما ،اصبح مَطلباً للنقاش و التداول في الاتفاقيات و المعاهدات الأممية و الدولية ! وهذه حسب علمنا سابقة في العلاقات الدولية . تخلي ايران عن دورها او الحديث عن دورها في المنطقة اصبح شرطاً مُسبقاً لرفع العقوبات عنها ، ويريده الغرب و البعض شرطًا لإتمام ايّ اتفاق بينها وبين الدول العظمى بشأن ملفها النووي ، وهذا امرٌ غير معهود في العلاقات الدولية ، وغير قابل للتطبيق ويمس سيادة ايران ، وحتى سيادة دول المنطقة و كأنَّ دول المنطقة او بعضها تحت الوصاية او تحت الإرادة الإيرانية .
ثالثاً - ظاهرة الارهاب وما صاحبها من إرادة امريكية -اسرائيلية - و رجعية في تغيير أنظمة الحكم و تجريد الدول من مقوماتها ، وبما يتماشى مع مصالح اسرائيل عوامل ساهمت في ترسيخ دور ونفوذ ايران في الدول والشعوب التي استهدفها الارهاب و المخطط الصهيوني الإمبريالي الرجعي كالعراق و سوريا ولبنان واليمن وفلسطين . لم يكْ للمستشارين او للحرس الثوري الإيراني تواجد في سوريا قبل عام ٢٠١٠ ، ايّ قبل بدء حملات الارهاب في سوريا . ولم يكْ قواعد عسكرية تركية في قطر قبل الأزمة التي حلّت بين دول الخليج . واصبح لاسرائيل الآن حضور و نفوذ علني مع بعض الدول العربية . هذه شواهد دالة على حالة الضعف والهوان التي تنخرُ في دول المنطقة وتجعلُ ساحتها مكشوفة لنفوذ مُحتلْ وطامع و داعم للإرهاب ونفوذ داعم لحقوق الشعب الفلسطيني و محارب للإرهاب .
ــــــ
https://telegram.me/buratha