د . جواد الهنداوي * ||
أزمة سوريا هي أزمة دولية وإقليمية وعربية في سوريا، وليست أزمة سوريّة. افتعلوها ( واقصد الأزمة ) لمصلحة اسرائيل و بهدف سرقة الثروات وتفكيك المجتمع و اسقاط الدولة، وَسَوقوُها بغلاف الديمقراطية، وبرهن الزمن وسلوك الرئيس الامريكي السابق ( ترامب ) على حقيقة أهداف و مصلحة الأزمة ( اسرائيل ، سرقة النفط، تدمير المجتمع والدولة ).
الآن و بعد مرور اكثر من تسعة أعوام على الأزمة، أختفت ظواهر عن الأزمة و تجسدت وتطوّرت أخرى:
اختفى تقريباً الدور العربي في الأزمة ، وكان واجبه ،على مايبدوا وحسب شهادة وأقوال بعض القادة السياسيين العرب ، خلق الأزمة وتثويرها وحصد النتائج ، ولكنهم حصدوا الفشل ؛ اختفى ايضاً من مشهد و دعاية و إعلام الأزمة حديث الديمقراطية وتجمعات و ندوات ولقاءات ما سُميَّ بالمعارضة السورية .
في المقابل تبلّورَ و نما في الأزمة الدور الاسرائيلي والمصلحة الاسرائيلية و دور الجماعات المسلحة و رعايتها من قبل امريكا و تركيا، وتبلّور ايضاً فشل امريكا (مثلما قال السفير الامريكي السابق في سوريا السيد فورد، وكذلك مثلما صرح المبعوث الامريكي السابق للشرق الأوسط السيد فيتلمان، وحيرة امريكا بين حليفيّن لها ولكنهم يتقاتلون فيما بينهم ، واقصد قوات سوريا الديمقراطية ( قسد الكردية ) والقوات التركية المحتلة في سوريا.
بعض العرب، الذين تورطوا في الأزمة في سوريا، وتركيا وامريكا صرحوا، مرارًا وتكرارًا، بحرصهم على وحدة الأراضي السورية، والمشهد السوري اليوم يكشفُ و يفضح كذبهم ، حيث تحتلُ كل من امريكا وتركيا اراضي في سوريا، و تسعيان الى تقسيم سوريا ، وبعض العرب الذين اضرموا نار الأزمة وسعوا الى تدويلها وبواسطة الجامعة العربية ، لا حولْ لهم الآن ولا قوة آزاء احتلال الأراضي السورية.
الإدارة الامريكية الجديدة برئاسة السيد بايدن ، وكذلك سياسيون و دبلوماسيون يبعثون برسائل، من خلال تصريحات ومواقف ،تُفيد بانسحاب امريكي متوقع أو مُرتقب من سوريا ، وخاصة التوقف عن سرقة النفط، وكتبنا في مقال سابق قبيل فوز الرئيس بايدن، توقعاتنا عن توقف الإدارة الجديدة عن سرقة النفط السوري، وبأنَّ هذا العمل المُخزي والمُشين لا يناسب دولة كبرى، ولا اظنّه مقبولاً لإدارة الرئيس بايدن!
ينبغي ان تكون توجهات الإدارة الامريكية الجديدة نحو ملفات المنطقة (ايران ،فلسطين ، سوريا ،اليمن)، عاملاً مُشجعا للعراق للتعاون مع سوريا في تلبية حاجة الشعب السوري لوقود التدفئة و لوقود السيارات و لتعاون اقتصادي وفي النقل، وكذلك تعاون أكثر في مجال محاربة الارهاب والتطرف، وفي التنسيق في السياسة المائية تجاه ابتزاز و سياسة تركيا. اظّنُ من مصلحة العراق أيضاً شجب الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة والمدانة على الأراضي السورية، على الأقل هي مناسبة للعراق بإتخاذ موقف سياسي وقانوني ومتطابق مع تشريعات الأمم المتحدة.
للشعب السوري ، ولدولة سوريا على العراق حقوق، يعرفها الجميع شيعة وسنة و كُرد، يعرفها السياسيون والمواطنون. يقول البعض إن سوريا كانت معبراً للإرهاب نحو العراق خلال أعوام ٢٠٠٥ -٢٠١٠ ،اي سنوات الاحتلال الامريكي، و أنَّ العراق هددّ حينها بتقديم شكوى على سوريا في الامم المتحدة. ولكن حقائق اخرى ينبغي ذكرها، في مقدمة هذه الحقائق، هي قدوم الارهابيين من دول عربية مجاورة و غير مجاورة ، واشهار هذه الدول دعمها وتمويلها للإرهاب وللجماعات المسلحة ومعاداتها للنظام السياسي في العراق وحتى عام ٢٠١٧، و للعراق اليوم مع هذه الدول تعاون استراتيجي واقتصادي ، فعلام جفاء وتردد العراق تجاه سوريا، التي استهدفت هي ايضاً ومنذ عام ٢٠١١ بوباء الارهاب المدعوم من اسرائيل وامريكا وبعض الدول العربية، على شهادة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وزير خارجية قطر الأسبق.
ومن الحقائق الاخرى، والغائبة عن ذاكرة او عن ادراك البعض ،هو عندما بدأت سوريا، عام ٢٠١١، بالتعاون وبالتنسيق رسمياً مع العراق في محاربة الارهاب، تعرضّت حينها لفتنة الربيع العربي وغزاها الارهاب من كل حدبٍ وصوب، فأصبح البلدان ( العراق وسوريا ) ساحة مواجهة مع الارهاب وداعميه و مموليه، وكثرت حينها مصطلحات " الهلال الشيعي"، وجهود تفعيل الفتنة الطائفية. وكأنًّ استهدافها وبقوة من الارهاب ومن امريكا ومن دول عربية اخرى منذ عام ٢٠١١ عقوبة لها ( ايّ لسوريا ) لاستدارتها صوب العراق وتعاونها مع العراق في محاربة الارهاب ، وللحيلولة دون تلاقي استراتيجي عراقي - سوري، والذي يمكن ان يكون نواة لتلاقي اكبر بانضمام دول عربية او إقليمية اخرى.
مؤامرة اليوم ضد ايّ تعاون استراتيجي بين العراق وسوريا هي امتداد لمؤامرة الامس، في عام ١٩٧٨، والتي حالت دون تحقيق الوحدة بين البلدين، حين شرعت قيادات سوريا والعراق ( إبان حكم الرئيس احمد حسن البكر ) بالعمل لتحقيق تعاون وحدوي استراتيجي، فتمَّ ازاحة احمد حسن البكر والغدر به وتولى صدام حسين السلطة وأقدمَ على إعدام كل القياديين الذين ساهموا بجهود الوحدة بين العراق وسوريا. والمشترك بين حال سوريا والعراق في الامس وحالهما اليوم هو الإرادة الصهيونية الامريكية الرجعية القائمة على مبدأ " فرّق تسدْ ". حالهما، كما وصفه الشاعر في العصر الأموي ،البصمة العشيري:
كأنّا خُلقنا للنوايا وكأنما حرامٌ على الايام أنْ نتجمعا.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل
https://telegram.me/buratha