د. جواد الهنداوي *
قراران قضائيان دولياّن يستحقان التعليق و الإشادة و التوقف عند نتائجهما و دلالاتهما .القرار الأول ، صدر من محكمة العدل الدولية ، بتاريخ ٢٠٢١/٢/٣، وبموجبه أعلنت المحكمة الأممية بأنَّ الدعوى المُقدمة من ايران ضّدْ العقوبات الامريكية هي من ضمن اختصاصاتها ، وتحت ولايتها القضائية ، و رفضت المحكمة الحجج القانونية التي دفعت بها امريكا . القرار الثاني صدرَ من قبل محكمة الجنايات الدولية ، بتاريخ ٢٠٢٠/٢/٥ ، القرار يقضي بصلاحيتها القانونية ، للنظر في جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل ،خلال اعتدائها وقصفها لقطاع غزّة عام ٢٠١٤.
اعودُ للقرار الصادر لصالح ايران ، لن أتناول فحواه وقانونيته ، وانمّا دلالاته . ليس هو القرار القضائي الأممي الأول لصالح ايران ( و اسميه قرار اممي لانه صادر من محكمة تابعة الى الامم المتحدة ) ، سبقَ للمحكمة المذكوره ان أصدرت قرار عام ٢٠١٨ لصالح ايران ضّدَ الولايات المتحدة الامريكية .
لجوء ايران الى القضاء الأممي هو قرار دولة مسؤولة ،ذات سيادة ، وجادة في تفعيل عضويتها في الامم المتحدة ، وتفعيل ميثاق الامم المتحدة، واستخدام القضاء الأممي والدولي وسيلة لتعزيز حقوقها و ردع الدول من التجاوز على حقوقها ، وتكرار خسارة الولايات المتحدة الامريكية امام القضاء الأممي او الدولي هو حكمٌ دالٌ على عدم احترامها لقواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة ، الامرُ الذي يمّسُ هيبة و مكانة الدولة .
اغتنمُ مناسبة هذه القرارات الأممية والدولية للتذكير بفرص ضَيّعها العراق للاعتراض على قرار ترسيم الحدود بين العراق والكويت وبموجب قرار مجلس الامن المرقم 687في عام ١٩٩١ ، وحجّة العراق حينها هو أنَّ ترسيم الحدود ليس من صلاحية مجلس الامن . لم يغفلْ العراق ،وقتها ، هذه الحجّة ، ولكن كان موقفه ضعيفاً جداً وضبابياً ، ففي متن الرسالة التي وجهها العراق الى مجلس الامن ، يردُ واضحاً اعتراض العراق ، ويردُ واضحاً ايضاً دفوع العراق بعدم صلاحية مجلس الامن بفرض لجنة لترسيم الحدود ، و أنَّ ترسيم الحدود يعود ، و وفقاً للقانون الدولي ، الى إرادة الدولتيّن ، ولكن في خاتمة الرسالة يعلن العراق قبوله مضطراً لقرار مجلس الامن !
كان ممكناً للعراق ، بعد سقوط النظام ، أنْ يعترض على ترسيم الحدود وفقاً لقرار مجلس الامن المذكور ، والدفوع ايضاً بأكثر من حجّة : حجّة عدم صلاحية مجلس الامن بالقيام بترسيم حدود بين دولتيّن ، و حجّة انتزاع موافقة النظام السابق على قبول القرار بالقوة وبالإكراه ، الامر الذي يُبطلْ قانونية و شرعية قرار ترسيم الحدود ، ومن قبل محكمة العدل الدولية .
لقرار محكمة الجنايات الدولية بخصوص فلسطين ( وهي محكمة مستقلة وغير خاضعة للأمم المتحدة ) ، ولحيثياتهِ ، كما وردت في نص و مُسببات القرار ، اهمية سياسية وقانونية ، لا تخص فقط موضوع الصراع ( فلسطين و الاحتلال الاسرائيلي ) ، وانماّ تمتد هذه الأهمية لتشمل العراق وسوريا واليمن ، والتي تضررت كدول و كشعوب ، من ارهاب و احتلال وحرب مدعومة بالتمويل وبالتسليح و علناً من قادة دول اخرى .
قرار المحكمة ، والذي صدرَ لصالح فلسطين ، يشكل للمستقبل ركيزة قانونية ، وقضائية ،يُبنى عليها ، ويُهتدى بها ،لملاحقة و ادانة و محاكمة شخصيات سياسية ودينية وعسكرية دعمت بالمال والسلاح والفتاوى الجماعات الإرهابية و المسلحة ،وشاركت و نفذّت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في العراق وفي سوريا وفي اليمن .
قرار المحكمة انتصار للشعب الفلسطيني ، وبداية ملاحقة قضائية جدّية للعسكريين الاسرائيلين ولقادة اسرائيل . وممكن ان يكون هذا القرار مانعاً لاسرائيل من استسهالها ارتكاب مجازر وحشية في الأراضي المحتلة بعد عام ١٩٦٧ ، لاسيما و انّ المحكمة صرحت بوضوح بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام ١٩٦٧.
https://telegram.me/buratha