جمعة العطواني ||
قراءة ما بين سطور بيان مكتب المرجع الاعلى السيد السيستاني ( دام ظله) يمكن ان نخرج بمجموعة نقاط اساسية منها:
1- (التحديات الكبيرة التي تواجهها الانسانية في هذا العصر ودور الايمان بالله تعالى وبرسالاته، والالتزام بالقيم الاخلاقية السامية في التغلب عليها) .
في هذه الجملة يشعر سماحة المرجع بالقلق الكبير من ظاهرة الالحاد المنتشرة في اغلب الشعوب المسلمة، والتي يروج لها الغرب وامريكا، بعد تشويههم للاديان السماوية كالمسيحية ( سابقا) والاسلام حاليا، حتى اصبحت ظاهرة الاسلام ( فوبيا) ظاهرة راي عام بين الاوساط الاجتماعية الغربية والامريكية .
اما الالتزام بالقيم الاخلاقية السامية، ففيها اشارة الى التحلل الخلقي والانحراف عن الفطرة الانسانية السليمة التي ( جُبِل) الانسان عليها بما اودع الله تعالى في بني البشر من فطرة سليمة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها)، لكن في اغلب المجتمعات الغربية اضمحلت هذه الفطرة، وتفاعلت الظواهر الشاذة في المجتمعات، وبمرور الزمن تحولت الى اعراف وتقاليد حلت محل الفطرة السليمة، وهذا من اخطر الظواهر التي تهدد الوجود الانساني وتهدد قيمه السامية .
فظاهرة ( المثلية الجنسية ) على سبيل المثال تحولت من ( ظاهرة ) يمجها ناموس البشرية الى ( حق ) طبيعي للانسان، ودخلت ضمن ( حرية المعتقد والسلوك) وفق القوانين الغربية ( الالحادية). اكثر من ذلك فان البابا نفسه لم يستنكر هذه الظواهر الحيوانية، والمنافية لثوابت الاديان السماوية جمعاء ، بل هو الاخر وصف هؤلاء الشواذ بانهم ( ابناء الرب ولهم الحق في تكوين عائلة ).
لهذا كانت اشارة وتاكيد المرجع السيستاني واضحة في هذا المجال، وكانت الرسالة بالمباشر موجهة للبابا قبل غيره، ولسان حال المرجع يقول ( كيف تطالب بنشر السلام والقيم السماوية وانت ترحب بقتل روح الانسان وفطرته بتشجيعك هكذا ممارسات وهي اخطر على وجود الانسان وسلوكه من اي حرب كونية)؟.
2- تحدث سماحة المرجع ( عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية وخصوص ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا من حروب واعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها ، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة ، واشار الى الدور الذي ينبغي ان تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه الماسي ، وما هو المؤمل منها من حث الاطراف المعنية – ولا سيما في القوى العظمى – على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة).
هذه الكلمات على وجازتها الا انها اختصرت وعبرت عن اصل و ( أُس) المشكلة في المنطقة والعالم ، لذلك يريد المرجع الاعلى ان يقول للبابا، اذا اردت ان تعرف اصل المشكلة وسبل حلها فالمشكلة تكمن في
اولا: ان الشعوب المسلمة تعاني من الفقر والقهر بسبب سياسة الهيمنة وفرض الارادة الغربية واستلاب حقوق الناس، والسيطرة على ثرواتهم ، والحروب التي تصنعها امريكا والغرب وتحرك لاجلها الانظمة العربية الموالية لها، وتبيع لهم السلاح فتتعرض المجتمعات الى القتل والتهجير وانتهاك الحقوق واغتصاب الارض.
ولهذا اشار المرجع الاعلى الى اهم واكبر مصداق على ذلك ما تعرض له ولا زال الشعب الفلسطيني ومقدسات امسلمين في فلسطين المحتلة، امام انظار كل الزعامات الدينية المختلفة، واحينا يتلقى الغرب وامريكا دعما من تلك الزعامات، وبخاصة وان البابا فرنسيس قد سبق له ان زار قبر مؤسس الكيان الصهويني ( ثيودور هرتزل)، كما وبارك اقامة ( دولة صهيونية)، ورفض حتى مسالة حل الدولتين سيئة الصيت .
بالنتيجة يوجه المرجع كلامه مباشرة الى البابا فيقول ( عليك بوصفك زعيم روحي للمجمتع المسيحي ان تتحرك بما يمليه عليك دينك وضميرك بالوقف ضد الانظمة التي استهترت بمقدرات الشعوب المسلمة).
ثانيا: ان سياسة الحصار الظالم الذي تفرضه امريكا والغرب بصورة مباشرة على الجمهورية الاسلامية في ايران والشعب الايراني دون وجه حق الا لان هذا الشعب والجمهورية تدافع عن المظلمين والمحرومين والمستضعفين في المنطقة، وتريد ان تمتلك العلم والتكنولجيا لترتقي بشعبها الى المستوى الذي يليق باول دولة اسلامية في العالم تتخذ من اصالة الاسلام المحمدي منهاجا في اداراتها للدولة والمجتمع.
واحينا تقوم الدول الغربية وامريكا بفرض حصار غير مباشر من خلال الانظمة المرتبطة بالمحور الامريكي، كما يحصل مع الشعب اليمني الذي يتعرض الى ابادة جماعية من خلال الحصار والحرب التي يشنها النظام السعودي مع حلفائه في المنطقة بدعم امريكي وغربي لا لشيء الا لان هذا الشعب يريد ان يعيش حرا يرر مصيره بنفسه، ولا يقبل التعبية لغير دينه وارادته.
هنا ايضا الكلام موجه الى البابا ومن خلاله الى الانظمة الاستكبارية وادواتها في المنطقة ليوضح المرجع الاعلى رايه بالاحداث الجارية في المنطقة وموقفه منها.
ثالثا: تبقى قضية فلسطين تمثل اهم القضايا التي تشغل بال ووجدان السيد المرجع، فقد اوصل رسالته بوضوح الى ما يجري بالمنطقة من عمليات تطبيع وتبعية من الانظمة العربية ثمنها ( فلسطين ) بكل وجودها الديني والتاريخي والاجتماعي، فيريد المرجع ان يقول ان ( اغتصاب ارض فلسطين وتهجير شعبه ) احدى اهم معالم وسمات النظام السياسي العالمي، وان اية عملية متاجرة وتطبيع بهذه القضية تعد متاجرة بمقدسات المسلمين وحتى المسيحيين، لهذا على البابا ان يعي ذلك ليعرف ما هي رؤية المرجع وتصوراته لما يجري في المنقة والعالموسبل الحل.
رابعا : راهن الكثير من المتابعين على ان مرجعية النجف، وبخاصة مرجعية السيد السيستاني لا شان لها بالسياسة والشان العام ، وربما اضطرته الظروف ان يتدخل بالشان العراقي على خلاف ( منهجه الفقهي)، الا ان هذا البيان على وجازته اثبت للجميع ان الشان العام والسياسي ليس للعراق فحسب، بل للمنطقة والعالم الاسلامي يقع في صلب اهتمام المرجع الديني، وان الدين في صلب حركته ووجوده يتضمن البعد السياسي والاجتماعي للفرد والمجتمع، وان المرجع لابد ان يحدد بوصلة الموقف الفقهي ازاء الاحدداث الجارية في العالم.
https://telegram.me/buratha