فهد الجبوري ||
نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى يوم ٨ مارس ٢٠٢١ ، دراسة للباحثة آنا بورش شيفزكايا، المتخصصة في سياسة روسيا في الشرق الاوسط، والتي سيصدر لها قريبا كتاب يحمل عنوان * حرب بوتين في سوريا : السياسة الخارجية الروسية ، وثمن الغياب الامريكي*
وفيما يلي عرض مختصر لهذه الدراسة التي تصف في البداية التحدي الروسي للوجود الامريكي في الشرق الاوسط ، وماذا ينبغي على ادارة بايدن القيام به لمواجهة هذا التحدي .
قد يبدو التحدي الروسي في الشرق الأوسط ضيقا، وبالنظر الى تزايد الضغط المحلي القوي لإنهاء " الحروب الأبدية " ، وسحب القوات الامريكية من الشرق الأوسط، سيكون من غير الواقعي أن نتوقع أن يشكل ذلك أولوية قصوى ، وقد أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال أول حديث واسع له الاسبوع الماضي " لم يحصل لي خلال سيرتي المهنية ، أو ربما طوال حياتي ، إني أرى أن الفروقات بين السياسة المحلية والسياسة الخارجية تتلاشى بهذا المقدار "
وفي هذا السياق، ينبغي على ادارة بايدن أن تنظر الى الصورة الكبيرة، عندما يتعلق الأمر بسياسة روسيا في الشرق الأوسط، ويشمل ذلك الأهداف الكلية لموسكو، وكيف توازن بين نشاطاتها في اوروبا والشرق الأوسط، وكذلك علاقة روسيا مع الصين، البلد الذي يمثل " الاختبار الجيوسياسي الأكبر للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين " كما قال ذلك بلينكن .
إن الشرق الأوسط له أهمية كبيرة للكرملين ، ليس فقط لتأمين مصالح روسيا ، ولكن بسبب أن تأمين نفوذ كبير هناك ، من شأنه أن يخلق فرصا أكبر لروسيا لتقويض الغرب على جبهات اخرى ، وإن النفوذ الاكبر في الشرق الأوسط سوف يجعل الكرملين أكثر قربا من أولويته القصوى ، وهي إضعاف النظام العالمي الحر الذي تقوده الولايات المتحدة، والمعادلة هي : إذا تريد روسيا أن تربح ، فعلى أمريكا أن تخسر .
إن سوريا تمثل الجزء الأساسي من هذا اللغز الكبير ، وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي، وقد كان الوصول الى المياه الدافئة ، ومنها في شرق المتوسط، أولوية ثابتة لحكام روسيا منذ بيتر العظيم ، وفي هذا السياق، فإن فلاديمير بوتين ليس استثناءا ، وإن تدخله في سوريا ، قد سمح له بتحقيق النجاح في إنشاء تواجد عسكري دائم يمكن من خلاله إظهار القوة في إتجاهات متعددة، فيما فشل الذين سبقوه، سواء في العهد القيصري ، او في عهد الاتحاد السوفيتي .
وسوف تبقى سوريا هي الساحة الرئيسية لمصالح الكرملين ، وإن ترك روسيا ، دون إعاقتها في الشرق الأوسط، سوف يعزز من تقاربها العميق مع إيران و ( وكلائها ) ، وسيكون لها في نهاية المطاف الكلمة الأخيرة في سوريا، مما سيؤدي الى بروز محور روسيا-إيران-نظام الأسد ، وعلى ادارة بايدن أن تنظر من خلال هذه الرؤيا الأوسع ، والتي لن تنفع الا في الهدف المحدود الحالي المتمثل في منع عودة تنظيم الدولة الاسلامية من تهديد المصالح الامريكية - حيث لم يظهر الأسد، ولا بوتين رغبة حقيقية أو قدرة على محاربة هذا التنظيم على نحو متناسق .
إن هذه النظرة الأوسع سوف تساعد بطريقة مثلى في فهم كيف إن موسكو ستضيف قائمة من التعقيدات ، عوضا عن التعاون فيما يتعلق بأولوية بايدن الأساسية في المنطقة ، وهي العودة الى الاتفاق مع إيران .
إن تقارب روسيا مع إيران ، قد يساعد في وقت ما ، على حصول موسكو على منفذ أكبر نحو موانئ المياه الدافئة في الخليج الفارسي ، والذي يعتبر من أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم ، بالاضافة الى الحلم الذي كان يراود بيتر العظيم ، وهو توسيع النفوذ الروسي حتى المحيط الهندي .
إن حصول روسيا على منفذ في الخليج سوف يتسبب في تضاؤل النفوذ الامريكي على نحو كبير .
وترى الباحثه أنه ينبغي على بايدن رسم خطة للتصدي لهذا التحدي الروسي تتضمن ما يلي :
لا يحتاج بايدن أن يرسل قوة عسكرية كبيرة الى سوريا، ولكن عليه أن يقدم دعما كبيرا الى قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا مع بصمة عسكرية خفيفة وجهود دبلوماسية أكبر ، وإن هذا الاستثمار الواطئ الكلفة سوف يساعد على إعاقة الجهود الروسية في سوريا .
علاوة على ذلك، ينبغي على فريق بايدن أن يستمر بممارسة الضغط على الحلفاء العرب للاستمرار في مقاطعة نظام الأسد، وعدم الاعتراف به ، كما فعل ذلك سلفه .
إن العقوبات مهمه وقد ألحقت الضرر ، ولكنها وحدها لم تجبر بوتين ولا الأسد على تغيير سلوكهما بنحو ملموس ، لذلك لابد من وضع تهديد قوي بإستخدام القوة ضد وكلاء روسيا وإيران على الطاولة.
وعلى الولايات المتحدة أن تبقى منخرطة في المنطقة كجزء من التنافس الاستراتيجي الأوسع للقوى الكبرى ، ولا ينبغي لها التراجع والانسحاب .
https://telegram.me/buratha