فهد الجبوري ||
العلاقات التركية -الإسرائيلية علاقات قديمة ، وقد تأسست في آذار/ مارس من العام ١٩٤٩، حتى إن تركيا هي أول بلد مسلم تعترف بالكيان الصهيوني الذي اغتصب أرض فلسطين ، بعد الإعلان عن تشكيله في العام ١٩٤٨، وبدعم كبير من القوى الاستعمارية وبالخصوص بريطانيا والولايات المتحدة .
ومنذ ذلك الوقت ، أصبحت " إسرائيل "هي المورد الرئيسي للسلاح الى تركيا ، ونمت بينهما علاقات تعاون في المجالات العسكرية، والدبلوماسية، والاستراتيجية.
وفي العام ١٩٥٨ ، وقع رئيس وزراء الكيان الصهيوني دافيد بن غوريون ورئيس الوزراء التركي عدنان مندريس اتفاقية تعاون في مجالات عدة، وفي العام ١٩٩٦، وقعتا حكومتا تركيا واسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري ، كما وقعتا في يناير ٢٠٠٠ اتفاقية التجارة الحرة الإسرائيلية-التركية .
ومع كل ذلك ، شهدت تلك العلاقات فترات من البرود، وأحيانا التدهور ، وقد تصاعد التوتر بينهما بعد الغارة التي شنتها قوات الاحتلال على سفينة تركية في ٣١/مايو ٢٠١٠ كانت تحاول كسر الحصار عن غزة، وقتل خلالها تسعة أتراك ، وقد أدى ذلك الى تخفيض تركيا لمستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل ، وتعليق التعاون العسكري .
ولإلقاء المزيد من الضوء على ملف العلاقات التركية-الاسرائيلية، نشر موقع مجلس الأطلسي Atlantic Council الأربعاء ٩ مارس ٢٠٢١ دراسة للباحثة كارل فالانسي ، وهي كاتبة عمود سياسي في T24 و سالوم Salom حول قضايا الشرق الاوسط، ومحاضرة في جامعة كولوتور في اسطنبول ، و مؤلفة كتاب ( العلاقات الاسرائيلية-التركية في عيون الرأي العام التركي )
وفيما يلي ترجمة لهذه الدراسة :
· تركيا تسعى لبداية جديدة مع اسرائيل
مرت العلاقات بين تركيا واسرائيل في مراحل صعود وهبوط منذ أن تأسست في العام ١٩٤٩، وبعد فترة من التوتر والاضطراب شهدتها العلاقات في الفترة الأخيرة، تركيا متحمسة لتطبيع العلاقات ، ولكن اسرائيل من غير المرجح أن تتسرع في العلاقة .
إن العزلة المتنامية لتركيا في محيطها ، وعلاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة تدفعان أنقرة بإتجاه تطبيع العلاقات مع بلدان المنطقة، ومنها اسرائيل ، وهناك مجموعة من المصالح الاقتصادية ، والاستخباراتية ، والسياسية ، وفي مجال الطاقة ربما أقنعت أنقرة بإعادة النظر في سياستها إزاء اسرائيل ، خاصة وإن تركيا تشعر بوجود ضغط عليها ، نتيجة تطبيع العلاقات بين اسرائيل والدول العربية، والمصالحة بين حليفتها قطر مع باقي الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي بالاضافة الى مصر، كما إنها قلقه إزاء التغييرات في التحالفات الإقليمية في شرق المتوسط ، ومن ذلك على سبيل المثال ، تم إستبعاد تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس في العام ٢٠٢٠ .
· تأريخ غير مستقر
إن العلاقة التركية-الاسرائيلية حساسة إزاء التطورات ذات العلاقة بالأراضي الفلسطينية، وقد انخفضت العلاقة الى أدنى مستوى سياسي في ٣١ مايس ٢٠١٠ عندما قتل الكوماندوز الاسرائيليون عشرة من الناشطين الأتراك كانوا على متن سفينة تركية ( مافي مرمرة ) كانت تحاول كسر الحصار المفروض على غزة من قبل اسرائيل .
وقد انخفض مستوى العلاقة الدبلوماسية بين تركيا واسرائيل في مجال التعاون العسكري والاستخباراتي ، وكذلك في مجال السياحة، وبالرغم من هذه النكسة ، نجت العلاقات التجارية بين البلدين على نحو لافت، لا بل وقد ازدهرت . تركيا واسرائيل نجحتا في فصل الاقتصاد والسياسة .
وهناك أمثلة أخرى على التعاون بين تركيا واسرائيل ، في نوفمبر ٢٠١٢ ، وفي سياق التعامل مع الحرب الاهلية في سوريا، فتحت اسرائيل ممرا بريا للسماح لتركيا بشحن البضائع من الاسكندرونة في تركيا الى مدينة حيفا، ومن ثم الى الاردن والسعودية، وعندما قتل ثلاثة اسرائيليين من بين القتلى في الهجوم الارهابي في ميدان تقسيم في ١٩ مارس ٢٠١٦، قدمت تركيا كل المساعدات الممكنة الى اسرائيل ، وسمحت لطائرتين من الجيش الاسرائيلي بالهبوط في مطار مدني في اسطنبول .
وفي آب ٢٠١٦، وبعد ست سنوات من حادثة ( مافي مرمرة )، وقعت تركيا واسرائيل اتفاقا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية ، والحوافز التي شجعت على ذلك الاتفاق القصير الأجل ما تزال موجودة، وتشمل تلك مصالح إقتصادية قوية ، واتفاق طاقة، سوف يسهل لاسرائيل تصدير الغاز الطبيعي الى اوروبا ، ويعزز من موقع تركيا كمركز للطاقة في العالم ، ويضاف الى ذلك ، إن كلا البلدين يريدان التخفيف من الظروف الانسانية في قطاع غزة .
ومع ذلك ، فإن العامل الفلسطيني يمكن دائما أن يعطل العلاقات الثنائية كما حدث في العام ٢٠١٨، ففي تلك السنة، تم طرد السفراء من عاصمتي البلدين بعد أن اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل ، ونقلت سفارتها الى هناك من تل أبيب ، وكذلك بسبب مقتل عدد من الفلسطينين في احتجاجات يوم العودة على الحدود مع غزة .
· مقاربة بايدن لتركيا
وفي هذه الأثناء ، فإن العلاقات بين وتركيا والولايات المتحدة كانت على مسار تنازلي ثابت في السنوات الأخيرة ، وقد ورث الرئيس بايدن علاقة هشة بسبب التوتر المستمر ، والثقة المتدهورة، وقد يتخذ بايدن موقفا قويا إتجاه تركيا حول عدة قضايا منها شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية من طراز S-400، والديمقراطية ، وحقوق الانسان ، ومثل ما قامت به ادارة اوباما، قد تضغط ادارة بايدن على تركيا واسرائيل للعمل سوية في سوريا .
تقليديا، تعتبر تركيا اسرائيل وسيلة لإسماع صوتها في واشنطن ، ومن خلال التحالف مع اسرائيل ، تتوقع أنقرة دعما قويا من الولايات المتحدة، ولكن هذا تغير في العام ٢٠٠٨ حينما فشلت محاولة عمل عليها الرئيس التركي طيب رجب اردوغان شخصيا لإبرام اتفاقية سلام بين سوريا واسرائيل ، بعد قيام اسرائيل بشن عملية ( الرصاص المصبوب ) ، وهو هجوم عسكري واسع النطاق على قطاع غزة في ديسمبر من تلك السنة .
وقد شعرت أنقرة بالخيانة من جانب هذا العمل الاسرائيلي ، والذي كان السبب الأصلي في الأزمات السياسية بين البلدين حتى اليوم ، والآن ، وبينما تشهد العلاقات الامريكية-التركية حالة من التوتر ، ربما تكون أنقرة قد حسبت إن علاقات دافئة مع اسرائيل يمكن أن يساعد في علاقتها مع واشنطن كما حدث ذلك في عقد التسعينيات، من خلال الدعم الذي قدمته المجموعات اليهودية الامريكية .
· تركيا تضع أجهزة إستشعار لاسرائيل
وقد جرى مناقشة إمكانية تطبيع العلاقات التركية-الاسرائيلية منذ مايس الماضي ، وقد حصل هذا النقاش على دفعة قوية عندما صرح اردوغان علانية في ديسمبر إنه بالرغم من إن تركيا لا يمكن أن تقبل بسياسة اسرائيل إزاء الفلسطينيين " لكن قلوبنا ترغب بأن ننقل علاقاتنا معهم الى نقطة أحسن "
كما صرح مستشار اردوغان للشؤون
الخارجية مسعود كاسين في نغمة مماثلة " اذا تقدمت اسرائيل خطوة ، فإن تركيا سوف تتقدم عشر خطوات " , " وإذا رأينا ضوءا اخضر ، فإن تركيا سوف تفتح السفارة مرة ثانية، وإعادة السفير ، وربما في مارس يمكننا إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مرة اخرى "
· اسرائيل تتفاعل بحذر
لقد كانت اسرائيل حذرة حول تطبيع علاقاتها مع تركيا ، ولم ترد حتى الآن رسميا على عروض تركيا ، وإنها مترددة في إعادة العلاقة مع تركيا الى أن تقتنع أن الجانب التركي صادق في نواياه .
تركيا شريك لاغنى عنه لاسرائيل في المجالات الاقتصادية ، والدبلوماسية ، والأمنية ، ولكن الوضع اليوم مختلف ، ففي الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات التركية - الاسرائيلية ، قامت اسرائيل بتقوية علاقاتها مع العديد من الدول في شرق المتوسط وفي الخليج .
في العام ٢٠٢٠، قامت اسرائيل بتجربة غير مسبوقة، حيث أبرمت موجة من اتفاقات التطبيع مع أربع دول عربية هي البحرين، الامارات، السودان والمغرب ، وهذه الانفتاحات قد زادت من أهمية اسرائيل كلاعب إقليمي ، وساعدت على كسر عزلتها التاريخية في المنطقة، وفيما كانت تركيا سوقا مهما للصناعات الدفاعية الاسرائيلية ، فقد تم استبدالها بأسواق أكبر مثل الهند ، كما إن احتكار خطوط الطيران التركية هو أيضا في حالة خطر ، مع الانفتاح الجديد بين اسرائيل والسعودية والدول العربية الاخرى .
ما الذي يمنع اسرائيل عن التراجع ؟
· ثلاثة قضايا أساسية تمنع اسرائيل من العودة الى تطبيع العلاقات مع تركيا .
أولا : اسرائيل تدعي أن أنقرة قد منحت قادة حركة حماس الجنسية التركية، وسمحت لهم باستخدام تركيا كقاعدة لهم في توجيه وتمويل ( الهجمات الارهابية ) ، وهجمات سيبرانية ضد اسرائيل ، ولكن مسؤولا تركيا نفى مؤخرا تلك المزاعم ، قائلا " لا توجد خلية سرية لحماس في تركيا " ، مضيفا " فقط يتواجد في تركيا قادة حماس الذين ارسلتهم اسرائيل كجزء من اتفاق ٢٠١١ لتبادل السجناء ، والذي أدى الى إطلاق سراح جيلاد شاليت ، الجندي الاسرائيلي الذي تم أسره وكان رهينة عند حماس منذ ٢٠٠٦"
ثانيا : اسرائيل قلقة من الاهتمام التركي المتزايد بالقدس. إنها تعتقد إن اردوغان يريد أن يعزز من سعيه لقيادة العالم الاسلامي من خلال دعوى الوصايه على الحرم الشريف في القدس، والذي هو حاليا في عهدة ورعاية الاردن .
ثالثا: اسرائيل تعتقد إن تركيا قد ابتعدت عن كونها لاعبا موثوقا به، ويمكن التنبؤ بخطواته، مع علاقاتها المعقدة مع الغرب، ومع تنامي حالة السلطوية محليا ، وفي العام الماضي، ولأول مرة، وصفت قوات الدفاع الاسرائيلي تركيا بأنها تشكل تحدي لاسرائيل ، كما إن العلاقات التركية- الاسرائيلية واجهت تحديات اخرى ، منها الدعم العلني الاسرائيلي لاستقلال كردستان في شمال العراق ، والذي كان سببا في شحن المزيد من التوتر في العلاقة بين البلدين .
· إعادة الثقة
بالرغم مما شاب العلاقات الثنائية التركية- الاسرائيلية من توتر خلال العقد الأخير ، لكن ما تزال لديهما مصالح مشتركة ، وفرص للتعاون ، والإمساك بهذه الفرص يتطلب مبدئيا إعادة الثقة، وبناء استراتيجية هدفها إصلاح العطب في العلاقات الثنائية .
إن إعادة الحوار حول مساحات للتعاون، مثل التكنولوجيا ، الزراعة، وتغير المناخ ، سيكون الخطوة الأولى ، والتبادلات الثقافية، وإقامة دورات الصداقة الرياضية ، يمكن أن تساعد ايضا في تغيير الرأي العام في كلا البلدين ، والأهم من كل ذلك، هو توفر إرادة سياسية في كل من أنقرة و تل ابيب .
https://telegram.me/buratha