علي فضل الله ||
الدستور هو القانون الأسمى والأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
وبالمناسبة ربما نجد الدساتير موجودة في النظم السياسية الديكتاتورية كما موجودة في النظم الديمقراطية، إلا إن الفرق بين الاثنين هو في سمو القواعد الدستور ية وتطبيقها على أرض الواقع ، فالنظم الديمقراطية تجعل من الدستور المقاس والمسطرة لمدى صحة التشريعات والانظمة والقوانين، وان لا تخالف ما رسمه الدستور من مسار للتشريع، وكذلك يبين علاقة السلطات فيما بينها وبين حدود وصلاحيات تلك السلطات والفصل بينها، كما ويحدد علاقة الحكومة الاتحادية بالاقليم والمحافظات الغير منتظمة بإقليم.
إلا إن ما يحصل في العراق وتحديدا في العملية السياسية، لا يمت بصلة للنظم الديمقراطية المتعارف عليها على الاقل في الدول الغربية، بل نحن نعيش نظاما" سياسيا" دكتاتوريا"، من حيث المعطيات الحقيقية، دليل ذلك لو عدنا لباب الحقوق والحريات في الدستور العراقي والتي تبدأ من المادة 14 وانتهاء" بالمادة 48، لم نجد اي تشريع قانوني لهذه المواد الدستورية والتي هي روح النظام الديمقراطي العادل..
اليوم وبعد مرور 15 عاما" على إقرار الدستور العراقي وموافقة الشعب عليه، بدأ يترسخ لدينا انطباع خطير عن إنحراف الطبقة السياسية عن المسار الدستوري.
إن ما حصل اليوم في البرلمان هو تعطيل للدستور العراقي، حيث أنتهى السيرك البرلماني بأضحوكة جديدة، فبعد مهاترات درامية بين الكتل السياسية حول تشريع قانون المحكمة الاتحادية، وطول إنتظار وترحيل لقانون المحكمة الاتحادية من الدورات البرلمانية الثلاث السابقة، ونتيجة تعطل عمل هذه السلطة القضائية العليا الحالية، ونتيجة وجود نقص في عدد اعضائها، وكون قانونها المرقم 30 لسنة 2005، لا يحوي على فقرة تعويض النقص الحاصل في المحكمة الاتحادية حال وفاة احدى اعضائها او احالته على التقاعد، ونتيجة وجود ضغط شعبي لإجراء إنتخابات مبكرة(كذبة شيطان)، أضطر البرلمان الدفع بقانون المحكمة الجديد وتم التصويت على أغلب مواده، لكنها وصلت لطريق مسدود في بعض فقرات القانون وخصوصا في موضوع طريقة تصويت المحكمة على قراراتها حيث تكون(بالأغلبية وهو عين الصواب والمنطق، أما الرأي الخلافي أن يكون التصويت بالإتفاق أي موافقة كل أعضاء المحكمة وهو مطلب الكرد وهذا أمرًا" تعجيزيا") والخلاف الاخر حول فقهاء القانون وخبراء الشريعة ووجودهم ضمن تشكيلة المحكمة الاتحادية حسب نص المادة 92/ثانيا" من الدستور العراقي.
نتيجة المسرحية البرلمانية انتهت بتراجيديا، إعتاد عليها المواطن العراقي في نهاية كل قانون مهم، حيث تم الرجوع عن القانون الجديد والعودة لتعديل قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005، ولا ضير في ذلك من حيث المبدأ بسبب الاحتقان السياسي بين الكتل داخل البرلمان، ولتجاوز هذه الازمة الدستورية.. لكن الحل كان بطريقة (الدبل كيك) كما في كرة القدم، حيث أن قاعدة التشريع بعد ان أقر الدستور العراقي، يجب ان لا تتعارض تشريعات البرلمان وحتى الانظمة والتعليمات للسلطة التنفيذية، مع القواعد الدستورية وهنا نقول ان المادة 13/ ثانيا الدستور العراقي النافذ نصت على ما يلي
(لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلا كل نص .....يتعارض معه(الدستور)
لذلك نحن اليوم امام تعديل والتعديل يعني سن قانون جديد والقانون الجديد يجب ان يوافق القاعدة الدستورية.
وهنا أبين ماحصل من مخالفة دستورية فالتعديل لقانون المحكمة الاتحادية النافذ، محكوم بص المادة92 ثانيا والتي اشارت الى حاجة القانون الجديد الى ثلثي اعضاء البرلمان كما ان التعديل غيب وجود الخبراء والفقهاء ايضا وهذا مجافي لحقيقة القاعدة الدستورية.. المحكمة الاتحادية وما تملكه من صلاحيات مهمة وكبيرة يجعل منها حراسا" للنظام السياسي ومانعا لانحرافه نحو ميول الساسةوطموحاتهم الهدامة لمشروع الدولة الحقيقي، لكن بهذه الطريقة التشريعية فنحن ذاهبون لعالم المجهول،، أمام غش وتدليس بعض من يتم تسميتهم بخبراء القانون، الذين روج البعض منهم ان ما جرى اليوم لا يخالف الدستور.
https://telegram.me/buratha