ترجمة وإعداد ـ فهد الجبوري ||
· ناشونال انتيرست: الرد على بكين يتطلب شبكة من التحالفات ذات أشكال وأحجام مختلفة
مما لاشك فيه أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تمر بأسوأ حالاتها ، ويبدو أنها تتجه نحو المزيد من التدهور ، فقد بدا ذلك واضحا في أول مباحثات ثنائية بين البلدين منذ تولي جو بايدن مقاليد الحكم في البيت الأبيض ، وقد تبادل الوفدان الصيني والأمريكي عبارات حادة ، واتهامات متبادلة أمام وسائل الاعلام ، واستمر ذلك لأكثر من ساعة .
وتعد العلاقات الصينية - الأمريكية أساسية للبلدين ولبقية دول العالم ، وأي توتر فيها ينعكس سلبا على العلاقات الدولية ، والاستقرار السياسي والأمني في العالم .
ومنذ عدة سنوات ، تولي مؤسسات ومعاهد البحوث في العالم إهتماما خاصا لمسارات تطور العلاقات الصينية - الأمريكية ، وتفرد لها الدراسات التي يتضمن بعضها مقترحات وتوصيات ، خاصة تلك المحسوبة على ما يسمى بالعالم الحر ، وهي تبدي أيضا قلقا واضحا من التهديد الكبير الذي تشكله الصين للاقتصاد الغربي الرأسمالي ، واحتمالات تفوقها على الغرب في مجالات التجارة والتكنولوجيات الحساسة ، والمنافسة على النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي في العالم .
وفي هذا السياق ، نشر معهد ذي ناشونال انتيرست The National Interest دراسة مهمة الأحد ٢٨ مارس / آذار للكاتبين ديفيد ستيلويل و دان نيغريا .
وفيما يلي ترجمتها :
بعد ٣٠ سنة من زوال الاتحاد السوفياتي ، ونهاية الحرب الباردة ، يجد العالم نفسه في حرب باردة جديدة .
ومتخليا عن طريقة " الاختباء والانتظار " ، يسعى الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق أحلامه في دور قيادي في عالم آمن للاستبداد ، ويبحث عن تغيير النظرة على فشل الاستبداد اللينيني في العام ١٩٩١.
إن هذه الرؤية للمستقبل هي في صراع مع الولايات المتحدة والعالم الحر .
" الاشتراكية بالمواصفات الصينية " يتم الاعتراف بها في النهاية على أنها دكتاتورية وحشية محليا ، وحضورا عدوانيا في الخارج .
بكين قد استخدمت القوة العسكرية لارهاب جيرانها ، والقوة الاقتصادية لمعاقبة أولئك الذين يقاومون أجندتها ، كل ذلك مع الاستفادة من الوصول الى التكنولوجيا الغربية لتعزيز رؤيتها القمعية للحوكمة المحلية والعالمية .
وخلال الحرب الباردة السابقة ، شعرت الولايات المتحدة والعالم الحر أن التهديد الأكبر كان يتركز في المجال العسكري ، وفي النطاق الجغرافي لاوروبا . ولو كان الاتحاد السوفياتي قد نجح في الهيمنة على كل أوروبا ، فإنه قد يكون غير التوازن العالمي للقوة على نحو عميق لصالحه . ولكن الولايات المتحدة ردت على ذلك بتأسيس وقيادة حلف الناتو ، وهو الذي يوصف بأنه الحلف العسكري الأنجح عبر التاريخ لأنه قد ربح دون أن يخوض القتال .
إن هذه الحرب الباردة تختلف ، الصين تمثل تهديدا عسكريا في آسيا ، وتهديدا اقتصاديا وتكنولوجيا على مستوى العالم . واستنادا الى عمق التحدي ، فإن حلفا عسكريا متعدد الأطراف ليس هو الجواب .
إن الرد على عدوان بكين الواسع الطيف ، يتطلب شبكة من التحالفات من أشكال وأحجام مختلفة ، وكل إجراء يكون ضد جانب واحد أو أكثر من جوانب التهديد .
كما إن التعهدات المتبادلة للأعضاء سوف تكون متنوعة كذلك ، سوف يديرون السلسلة الكاملة من التعهدات الدفاعية الرسمية في حلف الناتو الى الاتفاقات العامة حول المعايير الاقتصادية الى الالتزامات لمنع انتقال التكنولوجيا الحساسة .
إن السرعة والمرونة أشياء أساسية : القواعد الشعبية والتجمعات المخصصة تقوم بتجميع نقاط القوة في المصالح المشتركة ، ووجهات النظر العالمية المشتركة ضد العدوان الصارم المخطط له مركزيا .
إن هدف الولايات المتحدة والعالم الحر في هذه الحرب الباردة هو نفسه في الحرب السابقة : الحفاظ على الحرية ، السلام ، الازدهار من خلال ترتيب مثل هذا الائتلاف القوي ، بحيث أن خصمنا لن يلجأ أبداً الى اختبار قوته .
إن الإجراء الجماعي من خلال شبكات التحالف هو أمر جوهري : بكين تخشى العزلة الدولية .
إن ستراتيجية الأمن القومي لعام ٢٠١٧ أوضحت " أن الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي " . الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم تستخدم قوتها الاقتصادية لإخضاع الآخرين الى ارادتها السلطوية .
إن العالم الحر يحتاج الى آلية أمنية اقتصادية جماعية لمقاومة سياسات بكين العدوانية .
إن المادة الخامسة من حلف الناتو تنص على أن الهجوم العسكري على عضو واحد ، هو بمثابة الهجوم على كل الأعضاء ، وإن البلدان الأعضاء تكون ملزمة بدعم بعضها البعض .
إن منظمة التجارة العالمية لم تتوقع ظهور عملاق اقتصادي غير ليبرالي ، لذلك فإن العالم يحتاج الى مادة خامسة ، ولكن بإطار اقتصادي .
إن بعض العمل في نطاق التحالف البرلماني الدولي بشأن الصين هو الخطوة الأولى في ذلك الاتجاه . إن هذا التحالف قد تم إطلاقه في حزيران الماضي ، ومن أعضاء من ١٠٠ مشرع من ٢٠ بلدا ، وأحد أهداف هذا الاتحاد هو " عدالة التجارة ".
وعندما طلبت استراليا من منظمة الصحة العالمية التحقيق في أصل فايروس كورونا ، فرضت الصين ضرائب قاسية على النبيذ الاسترالي ، والشعير ولحوم البقر ، وقيدت السياحة الى استراليا .
وتقول البرلمانية الكندية والرئيسة المناوبة للتحالف البرلماني الدولي كارنيت جينوس " نحن لانريد أن نكون في وضع تكون فيه الدول مستهدفة على انفراد ، ومعزولة في الوقت ذاته " .
وقد قام التحالف البرلماني بتنظيم حملة في نوفمبر ٢٠٢٠ لتشجيع الناس بأن يشتري كل واحد منهم قنينتين من نبيذ Aussie ، وبالرغم أن التأثير الاقتصادي كان متوسطا ، لكن رسالة العالم الحر كانت قوية .
تكمن شكوى بكين الأساسية من " تفكير الحرب الباردة " في خوفها من أن الديمقراطيات سوف تتحد معا لمعارضة افعالها .
· تحالف تكنولوجي عالمي
بكين تسعى لهيمنة عالمية في التكنولوجيا ، وهو مجال لا يسر بالنظر الى نيتها الواضحة في استخدام التكنولوجيا لأغراض شانئة .
إن التكنولوجيا الحديثة لديها تطبيقات عسكرية مهمة . إن بكين تدعم بشكل صريح الاندماج العسكري - المدني ، وغالبا ما تسعى لتوظيف التكنولوجيا المدنية الحميدة لأغراض عسكرية عدائية . وخارجيا تستخدم الصين التكنولوجيا لسرقة المعلومات الشخصية ، وتقويض الديمقراطيات ، والقيام بأعمال التخريب الاقتصادية والعسكرية ، وتدعم حملات التضليل .
إنه يجب على الولايات المتحدة أن تتفوق في مجال صناعة آليات التنسيق التكنولوجي سواء كان ذلك للدفاع التكنولوجي أو لتعزيز التقدم التكنولوجي الشامل ، وهناك عدة مبادرات واعدة في هذا المجال من بينها اثنتان : الأولى الاقتراح المشترك في عام ٢٠٢٠ من قبل مراكز البحوث حول القارات الثلاث : مركز الأمن الأمريكي الجديد في الولايات المتحدة ، ومعهد ميركاتور الخاص بالدراسات الصينية في ألمانيا ، ومبادرة آسيا والمحيط الهادئ في اليابان ، ويطلق عليها " الرمز المشترك " الإطار التحالفي لسياسة التكنولوجيا الديمقراطية ، وهي ترى بأن القيادة التكنولوجية من قبل الدول الديمقراطية الكبرى في العالم ستكون جوهرية لحماية المؤسسات والأعراف والقيم الديمقراطية ، وأنها سوف تساهم في السلام والازدهار العالمي .
إن هذا التحالف التكنولوجي المقترح سوف يبدأ بحوالي ١٢ دولة ديمقراطية ، وأنه سوف يسعى الى ضمان وتنويع حلقات التجهيز ، وحماية التكنولوجيات الحساسة ، كما أنه سوف يضخ الأموال لإيجاد آلية استثمار متعددة الجنسيات في البنى التحتية الرقمية ، وزيادة الأبحاث والتطوير ، والشئ الأكثر أهمية هو أنه سيواجه حملات التضليل و الاستخدامات غير الليبرالية للتكنولوجيا .
والاقتراح الثاني في العام ٢٠٢٠ جاء من مجموعة الصين الاستراتيجية ، وهي مؤسسة استشارات صغيرة يترأسها الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google ايريك شميدت ، وفي تقرير تحت عنوان " المنافسة غير المتكافئة استراتيجية للصين والتكنولوجيا "، يقول " إن عدم التناسق يأتي من الصين ، وهو اللعب بمجموعة مختلفة من القواعد التي تسمح لها بالاستفادة من التجسس على الشركات ، والمراقبة غير الليبرالية ، وخط ضبابي بين القطاعين الخاص والعام ".
ولاحظ التقرير " أنه لا يوجد في الوقت الراهن آلية عالمية للتنسيق التكنولوجي بين البلدان الديمقراطية " ودعا القيادة الأمريكية الى ايجاد هذا النوع من التنسيق .
ومقترح ايجاد T12 ، وهو ائتلاف جديد متعدد الأطراف للديمقراطيات التكنولوجية ، وهدفه تعزيز وحماية القيم والأعراف المشتركة ، وشراكة مالية تكنولوجية عالمية ، و مؤسسة مالية تنموية مشتركة لدول العالم الحر ، ويهدف أيضا الى دعم الإجراء الجماعي على المستوى العالمي ، وفي إقامة مناطق " الثقة التكنولوجية " .
· الخلاصة
تبقى الولايات المتحدة الدولة التي لا غنى عنها ، ولضمان أن الحرب الباردة الجديدة ستكون نهايتها الفوز والنجاح ، فإنه على الولايات المتحدة أن تقود العالم الحر في شبكة من " الردود الجماعية " وعبر مجالات متعددة .
إن شبكات التحالف تلك ، وبترتيبات رسمية أو غير رسمية ، ينبغي أن تستفيد من وجهات النظر المتنوعة ، ويجب أن تبنى على أساس الثقة والمثل الديمقراطية المشتركة ، وإن أفضل طريقة للحفاظ على الحرية والسلام والازدهار في العالم ، هي أن تعمل الديمقراطيات العالمية في العالم على أساس التحالف المشترك ، واستخدام قوتها الجماعية لعزل الصين .
ديفيد ستيلويل خدم في وزارة الخارجية الأمريكية كمساعد للوزير في مكتب شؤون آسيا والمحيط الهادئ ، وفي وزارة الدفاع كمستشار لرئيس أركان الجيوش لشؤون آسيا ، كما عمل ملحقا عسكريا في السفارة الأمريكية في الصين .
دان نيغريا عمل في وزارة الخارجية الأمريكية كممثل خاص للوزير في شؤون التجارة والأعمال ، وعضو في هيئة تخطيط السياسات في الوزارة .
https://telegram.me/buratha