د . جواد الهنداوي * ||
الاتفاق الاستراتيجي المّوقع بين دولة عظمى (الصين) و اخرى اقليمية كبرى (ايران) ، بتاريخ ٢٠٢١/٣/٢٧ ، هو اتفاق ثنائي ، ولكنه استراتيجي، بكل ما تعنيه الكلمة من معاني و ابعاد ، وهو ايضاً ، نواة لتأسيس محور آسيوي .
كادَ هذا النوع من الاتفاق ان تكون طبعته الاولى عربيّة ،عبر بوابة العراق ،حين وقّعَ السيد عادل عبد المهدي الاتفاقية الاستراتيجية بين الصين و العراق ، في نهاية تشرين الثاني سنة ٢٠١٩ ، ولكن الاحتجاجات ، و التي أُختزلتْ اهدافها ، باستقالة الحكومة ، حالت دون المضي قدماً بتنفيذ أُطر الاتفاقية ، و كأن المطلوب هو الاطاحة بالسيد عادل عبد المهدي ، و الاطاحة كذلك بالاتفاقية . ولنتصور موقف و حال امريكا ازاء اتفاق استراتيجي صيني ايراني و آخر مماثل له بين العراق والصين ؟ نفهم اليوم إذاً ماكان جدالاً في الامس عن الاحتجاجات و استقالة السيد عبد المهدي و الاتفاقية الصينية العراقية ! و أجابتنا احداث و وقائع اليوم عن أستفهامات الامس ! مثلما قالَ الحكيم والشاعر ابو العلاء المعري : وقد نطقَ الزمان بلا لسانِ !
الاتفاق الاستراتيجي الصيني الايراني ، هو اتفاق اقتصادي و سياسي و عسكري و امني و استخباراتي.
الاتفاق سيعزز قدرات ايران في مختلف نشاطاتها ، وكلُّ ما ينفع ايران هو ضارٌ لاعدائها ولخصومها ،وفي مقدمة الخصوم و الاعداء هما امريكا و اسرائيل .
الاتفاق سيعزز موقف ايران في محادثاتها بخصوص الملف النووي ، و سيحدْ من أثار الحصار و العقوبات المفروضة على ايران .
الاتفاق هو دليل آخر على فشل السياسة الامريكية في المنطقة ،هو خسارة استراتيجية كبيرة لامريكا في المنطقة وفي غرب اسيا ، وتعزيز لصعود الصين .
الاتفاق سيعزز هيمنة ايران على المنطقة و يضعف كثيرا مسعى اسرائيل للهيمنة على المنطقة ، والاتفاق سيعزّز موقف الصين في منافستها للولات المتحدة الامريكية للهيمنة على العالم .
كيف ستّردْ امريكا و كيف ستردْ اسرائيل على هذا الاتفاق ؟
سيسعيان لاحتواء اثار و نتائج الاتفاق على دول المنطقة ، سيسعيان لمنع انتقال عدوى الاتفاق على دول اخرى في المنطقة ، وخاصة العراق ،ستشدد امريكا من قبضتها على العراق كي لا يفكّر بالتوجّه نحو الصين .
سيسارع رئيس الموساد الاسرائيلي و آخرون لزيارة الصين ،و سيطلبون من الصينيين ايضاحات وتفسيرات و تطمينات حول ابعاد التعاون الصيني الايراني في موضوع الامن والاستخبارات و الارهاب . ستعمل اسرائيل ما بوسعها بغرض ضمان حيادية التعاون الصيني الايراني تجاه امن اسرائيل .
لا امريكا و لا اسرائيل يخشيان من تمدد صيني او اتفاق صيني مع سوريا ،على غرار الاتفاق الايراني الصيني ، يدركون جيداً بأنَّ سوريا هي من حصّة روسيا .
ولكن لا حول ولا قوة لامريكا ولاسرائيل على اليمن .
كلاهما فشلا في مصادرة القرار السياسي اليمني.
خسرَ اليمنيون كثيرا في الحرب الاّ ارادتهم ، وربحوا استقلالهم .
سيكون اليمن مستقبلاً ، المرشّح الاول للدخول باتفاقية استراتيجية مع الصين ،وعلى غرار الاتفاقية الايرانية الصينية ، سيغري اليمن الصين بموقعه الاستراتيجي ، وبموانئه و بثرواته و بتوجهه السياسي و بحاجته الى بنى تحتيّة وتنمية ، كما انَّ وجود الشركات الصينية في ايران سيسهلّ عليها جغرافياً التمدًد و الانتقال الى اليمن .
لا أظنُّ أَنَّ فكرة شمول اليمن باتفاق استراتيجي مع الصين ،مستقبلاً وعندما تضع الحرب اوزارها ، هي غائبة عن الصينيين وعن الايرانيين .
ظنّت امريكا انها ستتفرغ لتطويق الصين او ايقاف تمددها و توسعها ، واذا بالصين تلتف وتستحوذ على مساحات سياسية و اقتصادية مهمة استراتيجياً للنفوذ الامريكي .
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات .في ٢٠٢١/٣/٣١.
https://telegram.me/buratha