التقارير

العرب والتحولات الدولية


 

محمود الهاشمي ||

 

منذ ان انهارت الدولة العباسية بدخول جيوش المغول الى عاصمة الخلافة بغداد سنة 656 هجرية 1258ميلادي لم تقم للشعوب العربية قائمة ،فمن استعمار لاستعمار  اخر ،فعم الجهل وسادت الفوضى وصغر عدد السكان لدرجة ان العراق عندما دخل المغول بغداد كان عدد سكانه يقدر ب(15) مليون واكثر اصبح عدد نفوسه عام 1921 م مليون وسبعمائة وخمسون فردا لاغير .

ظل العرب يتذكرون ماضيهم التليد ومنجزات اجدادهم قبل الميلاد وبعده ،محاولين الاتكاء على التاريخ لزرع الثقة بالنفوس من اجل (النهضة) ثانية ،

يقول ابراهيم اليازجي (تنبهوا واستفيقوا ايها العربُ-فقد طمى الخطب حتى غاصت الركبُ) وفعلا اشتعلت الثورات العربية ضد الاحتلال العثماني او الاوربي فيما بعد واستطاعت الكثير من الدول رغم تقسيمات (سايكس بيكو) ان تحصل على استقلالها ،فظهرت اسماء وعناوين كبيرة لابطال التحرير .

العرب طردوا الاستعمار مثلهم مثل شعوب كثيرة ترفض الذل والهوان والرضوخ للاستعمار .

المشكلة ان الشعوب العربية لم تستطع ان تواجه  تحديات مرحلة مابعد (التحرير ) رغم انها نالت الاستقلال التام ،وان الاغلب فيها كان قادة التحرر هم ذاتهم قادة مابعد الاستقلال !

هؤلاء (القادة ) بدلا ان يخطوا طريقهم الخاص مستفيدين من تاريخهم المجيد وثقة شعوبهم بذلك ،وقعوا في دائرة الصراعات الدولية بين النظام الرأسمالي والشيوعي ،وضيعوا هويتهم وسيادة بلدانهم ،بل كانوا وسيلة لهذا الصراع لهذه الجهة وتلك فنهب مالهم وتبعثرت طاقاتهم ومصادر قوتهم وفقدوا الثقة بانفسهم انهم قادرون اللحاق بالدول المتقدمة لتكون الشعوب العربية مجرد مستهلك للبضاعة المصدرة الاجنبية دون ان يشاركوا العالم في الانتاج والتطور.

كان الامل كبيرا ان تكون مصر المشروع الحضاري العربي الذي سيقود الامة الى الامام ،باعتبار انها هزمت المغول ولم يدخل ارضها ،وشهدت عصر النهضة على يد محمد علي باشا واصلاحاته ،وافادها الاستعمار الفرنسي شيأ رغم قسوته وانها الكتلة البشرية الاكبر  ،لكن بعد التحرر من الاستعمار الانكليزي ثم من النظام الملكي عام 1952 لم يستطع الضباط الذين قادوا التحرر ان يقدموا الكثير وبقيت مرحلة جمال عبد الناصر اشبه بحالة (رومانسية) بتاريخ مصر والامة خاصة بعد هزيمة حزيران عام 1967 بالحرب ضد اسرائيل وخسارة اراضي جديدة لصالح الصهاينة .

واذا كانت دول عربية هنا وهناك لديها ارهاصات لمواجهة بعض التحديات فان دول الخليج بقيت مجرد محميات بريطانية وامريكية فيما بعد ،وسخرت اموالها وثرواتها للي اي ذراع عربي يرغب بالانعتاق من الهيمنة العالمية .

استطاع الاستعمار باعلانه وضغطه  ان يبقي الشعوب العربية في منطقة (الخمول ) لدرجة ان العديد من القادة العرب توفرت لديهم قناعة ان (العرب خارج اطار التقدم والحضارة ) !

تكاد ان تكون جميع التجارب السياسية والحزبية التي جربت في البلدان العربية

من الشيوعية الى الاسلامية الى القومية

الى الليبرالية لكنها فشلت جميعها ،وانتجت زعامات هشه وضعيفة .

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 شعرت الشعوب العربية التي لديها خط تقدمي بالاحباط والانكسار ،وهي ترى امبراطورية بحجم الاتحاد السوفيتي تنهار وتتجزّأ لتتفرد امريكا بالعالم وتعيد الخرائط والحكومات من جديد وفق اهوائها وبرامجها.

لم تحتج الدول العربية الى اجراءات كثيرة بعد التفرد الاميركي ،فالكثير من هذه الدول على الخط الاميركي ومن تأخر عن ذلك بطشوا به كما حدث بالعراق ،حيث تم تدمير جميع البنى التحتية للبلد وايقاعه تحت الحصار والوصاية الدولية ثم احتلاله .

كانت مرحلة دخول قوات الاتحاد السوفيتي الى افغانستان في ثمانينات القرن الماضي لها الاثر الكبير في انتاج الارهاب بالعالم ،حيث استفادت الولايات المتحدة من الروح الجهادية للاسلام والعداء للشيوعية والتطرف في العقيدة الوهابية في صناعة الموت ،عبر الاعمال الانتحارية التي يقوم بها (الجهاديون) من الدول العربية وخاصة من المملكة العربية السعودية والدول الاسلامية الاخرى ،ليتحول الكثير من الشباب العربي الى (مشروع موت )ضد جيوش الاتحاد السوفيتي وما في ذلك من اعمال انتحارية حتى خرجت القوات وحلت محلها قوات اميركية وحلف الناتو لاحتلال افغانستان !

كانت الجزائر بلد (المليون شهيد ) مختبرا جيدا بالاستفادة من المنظمات الارهابية لاضعافها حتى باتت الاعمال الارهابية زادا يوميا لشعب الحزائر .

وكذلك تمدد هذا الارهاب بتنظيماته المتعددة ليكون مشروعا اميركيا يهدد العالم ،وبدلا من ان يهددوا العالم ب(الشيوعية قادمة ) بدؤوا يهددون (الارهاب قادم ) ليبسطوا سطوتهم على العالم بكل عناوينه .

بدأ مشروع التغيير في منطقة الشرق الاوسط بدولة العراق ،فبعد سلسلة طويلة من الاجراءات بحق العراق والعراقيين ،والاستفادة من دخول الجيش العراقي للكويت واحتلاله والاستفادة من حجم الجرائم التي ارتكبها النظام الصدامي بحق شعب العراق ،فكان الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003م

،ثم المشروع الاوسع عام 2011 بما يسمى ب(الفوضى الخلاقة) الذي تمت صناعته عبر مايسمى ب(الربيع العربي)

والذي عصف بالمنطقة وحولها الى مجرد عناوين دول ،وحسب وصفهم (دول ميتة) وقد سخرت اميركا لهذا المشروع الاموال الخليجية واعلامهم المسموم

فكانوا بارعين في ذلك باشعال الاحتجاجات والحرق والتدمير ،وصولا الى الفوضى والتي تجلت في العراق الذي فقد 2/5 مليون ضحية واضعافهم من الجرحى والمعوقين ،وخمسة ملايين مهجر داخل البلد وخارجه ،كما تجلت في سوريا التي شهدت اكثر من 350 تنظيما ارهابيا مدعوما من دول مختلفة ،ثم ليبيا التي تحولت الى نموذج للتدمير والتمزق ،اما تونس التي بدأت الاحتجاجات فيكفي شاهدا ان اسرة بوعزيزي الشاب الذي اشعل نفسه فاشعل الشارع التونسي انها فرت الى كندا طالبة اللجوء لكثرة اللوم والاحتجاج على ابنهم  الذي تسبب بانتكاسة تونس !

الان الوطن العربي فاقد لاي مشروع ،ففيما تعم الفوضى دولا عربية  هناك دول الممالك والمشايخ ،لاتعرف ماذا تفعل ،مرةً تلقي بنفسها على هذه الدولة او تلك او تنخرط بهذا المشروع وذاك ،وحين احست بعدم قدرتها على مواجهة التحديات لوحدها رغم امتلاكها المال والسلاح توجهت الى اسرائيل معتقدة انها قادرة على حمايتها .

فيما كانت تداعيات التفرد الاميركي وانهيار الاتحاد السوفيتي قد تركت اثارها على شرق اوربا وماتسببت لها من اضطرابات وحروب وتدمير وتجزئة كانت ايران تتماسك وتواجه الضغط الاميركي بالبناء والاعمار والتطور الحضاري على كافة الاصعدة ،وكذلك في التمدد وبناء عمق استراتيجي متمثلا بالمقاومة في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن ،ناهيك عن العمق العقائدي في داخل دول عديدة . فاصبحت ايران دولة يحسب لها حساب في اي خطوة بالمنطقة .

في الجانب الاخر حافظت تركيا على تجربتها في ظل حزب العدالة والتنمية

واستطاعت ان تستفيد من الظروف الدولية والمنطقة ،لتتمدد في المحيطات والبحار والى داخل اسيا الوسطى ،وكذلك في الدول التي مسها الربيع العربي لتشكل رقما في المعادلة السياسية والعسكرية والاقتصادية .

ماهو مأسوف عليه ان العرب هم الوحيدون الذين اصبحوا في حالة من الذهول ،فهم اما مشغول بالداخل ومشاكله ،واما منخرط بالمشروع الاميركي الصهيوني ويطبقه دون ادنى احتجاج .

اما لماذا العرب بهذا (الذهول ) فهذا امر صعب الاجابة عليه ،لانك تملك الكتلة البشرية والثروات الهائلة  والموقع الجغرافي والتاريخ المشرف ،ولا تستفيد منها ،بل على الاقل ان تحمي نفسك ؟

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك