جمعة العطواني ||
بشكل مفاجئ وعلى غير المتوقع لدى الكثير من المراقبين، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رغبته ببناء افضل العلاقات الدبلوماسية مع الجمهوريةِ الاسلاميةُ في ايران، ومن خلال القناة الرسمية للسعودية.
المفاجئ في نظر اغلب المراقبين في هذا التصريح والموقف السعودي هو ان محمد بن سلمان كان قد صرح بتاريخ ٢/ ٥/ ٢٠١٧ (انه من المستبعد بناء علاقات مع دولة تؤمن بالمهدي المنتظر).
وهذا المانع هو مانع عقائدي وليس سياسي، بمعنى ان بن سلمان لو قال في وقتها انه لا يتفاوض مع ايران كونها تدعم الجماعات المسلحة في المنطقة، يمكن لنا ان نفسر رغبته وترحيبه بفتح حوار مع ايران نابع من وصول الطرفين الى تفاهمات حول تلك الجماعات المسلحة، لكن عندما يربط عدم رغبته بفتح حوار مع دولة تؤمن بالمهدي( عج) يعني انه ربط عدم الحوار بثابت عقائدي لن يتغير الى قيام الساعة ، ولهذا نرى ان بن سلمان يجهل ربط الحواراتِ بين ابعاد سياسية وأمنية متحركة، وبين ابعاد عقائدية لن تتغير.
نعود الى اصل الموضوع لنثبِّت قضية قبل الخوض بالتفاصيل وهي ان رفض الحوار بين السعودية وبعض دول الخليج كانت تصدر من دول الخليج وليس من ايران، فإيران وعلى مدى السنوات الماضية وتحديدا بعد حادثة السفارةِ السعودية في طهران كانت تؤكد على ان تهدئة الأوضاع في الخليج والمنطقة من شان دول المنطقة حصرا، وان الاستقواء بالأجنبي وتحويل المنطقة الى ( ثكنة) عسكرية لن يجدي نفعا، بل سيزيد الأوضاع تعقيدا، وهذا الموقف الايراني يجتمع عليه المحافظون والإصلاحيون معا .
بالنتيجة فان المتغير الجديد جاء من السعودية والإمارات ايضا وليس من ايران.
لهذا يجب قراءة الأبعاد السياسيةِ والامنية التي جعلت هذه الدول تتجه صوب هذا المتغير .
نعتقد هناك اربعة ابعاد أساسية في هذا المتغير وهي:
اولا: ان دول الخليج كانت تراهن على السيطرة على بعض دول المنطقة، وبالذات سوريا والعراق واليمن، فدعمت الجماعات المسلحة في هذه الدول ( داعش وجبهة النصرة واحرار الشام. والقاعدة في اليمن )، وكانت تعتبر سقوط هذه الدول وبخاصةٍ سوريا واليمن هي مسالةٌ وقت ليس اكثر، واعطت ضمانات لامريكا بذلك مقابل الدعم الامريكي .
بعد سنوات من الحروب والدمار والقتل والتهجير الذي لحق بسوريا واليمن والاف الاطنان من الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا استخدمتها السعودية في تحالفها العدواني على اليمن ، ومثلها في سوريا ، كانت النتيجة ان سوريا خرجت معافاة ومنتصرة وبقي النظام السياسي فيها قائما، واليوم تتحرك جامعة الدول العربية لإعادة سوريا اليها، وبدات وفود خليجية وعربية تزور دمشق وترطب الأجواء لعودة الدبلوماسية مع دمشق.
اما اليمن فان الانتصار الذي تحقق في هذا البلد وتحرير اهم محافظة نفطية وهي مأرب كان انتصارا نوعيا غير موازين المعادلة، فاغلب دول أوروبا وأمريكا كانت تضغط على الجيش اليمني وانصار الله من اجل عدم دخول مأرب ، لكن استراتيجية هذه المحافظة وتاثيرها على موازين القوى في اليمن هو الذي جعل الاصرار اليمني كبيرا لتحريرها.
لكن الاخطر على السعودية والإمارات ومن يقف معهما هو ان الصواريخ اليمنية (دكدكت) اهم مراكز الطاقة في العالم والمتمثلة بشركة أرامكو السعودية رغم منظومة الصواريخ الامريكية التي تجعل من احتمالية نزول الصواريخ او الطائرات المسيرة امر اقرب الى الاستحالة منه الى الصعوبة ، فضلا عن استهداف محافظة جيزان والمعسكرات السعودية ، ناهيك عن استنزاف الاقتصاد السعودي لتصدير النفط إذ انخفض الى النصف، والعجز المالي لم يسبق له مثيل والاصرار اليمني هو الاخر لم يسبق له مثيل .
كل هذا جعل النظام السعودي يفكر بعقل وواقعية ، وبخاصةٍ بعد ان تيقن أمراء الخليج ان اليمانيون لن يساوموا على كرامتهم وثوابتهم مهما طال امد الحرب والحصار عليهم .
ثانيا : التغيير الذي حصل في الادارة الامريكية ووصول الرئيس بايدن الى الادارة فيها ، وقد كان وضع في استراتيجيته عند وصوله الى الرئاسة بانهاء الدعم العسكري للسعودية بعد ان تيقن انها مع بقية الدول الخليجية غير قادرة على تغيير المعادلة في الخليج او المنطقة ، ولابد من اتباع استراتيجية اخرى تضع أولويات غير الاولوياتِ السابقةً، وتهدئة المنطقة ربما ستكون جزء من استراتيجية امريكا، وبخاصةٍ في ظل التوتر الجديد او المتجدد بين امريكا وروسيا في اكثر من ملف ، وبين الصين وأمريكا في الملف الاقتصادي، وفِي ظل اجواء جائحةِ كورونا وما رافقها من ركود اقتصادي استنزف امريكا الكثير من امكاناتها الاقتصادية.
ثالثا: نعتقد ان احد اسباب التهدئة التي تريدها امريكا في المنطقة وحتى دول الخليج ايضا هو ما تحقق على صعيد التطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية مثل الامارات والبحرين والسودان وحتى السعودية ( اعلاميا واجتماعيا وثقافيا تمهيدا للتطبيع السياسي ) .
هذا التطبيع بالاضافةِ الى نقل السفارةِ الامريكية من تل ابيب الى القدس يعد انجازا أمريكيا واسرائيليا ، يستحق التهدئة ريثما يتم الانتقال الى مرحلة جديدة من التطبيع ، وهذه تحتاج الى اجواء هادئة بالتاكيد لماذا ؟.
لان بقاء التوتر بين دول المنطقة يعني بالضرورة بقاء الحرب الإعلامية والسياسية بين ايران ومحورها والسعودية ومحورها ، وسيوظف محور المقاومة عملية التطبيع لصالحه امام الراي العام العربي والإسلامي وسيكون موقف المطبعين حرجا امام الشعوب .
بينما لو حصل حوار وتفاهم على مجمل الملفات ( الثنائية) ومنها خفض التصعيد والتسقيط الاعلامي بين دول المنطقة عندها ستتنفس دول الخليج الصعداء وتلتقط انفاسها، وربما تطوى صفحة التطبيع ولا يلحقهم عارها من خلال اعلام محور المقاومة الذي شن حملة اعلامية كبيرة ضد الدول المطبعة.
رابعا : الملف النووي الايراني
امريكا تيقنت ان ايران تعد البرنامج النووي بالنسبة ثابت كثوابت الدين لا يمكن ان تحيد عنه، ولهذا فان هذا الملف مرتبطٌ ارتباطا شرعيا وقانونيا بالامام الخامنئي ، وان هذا البرنامج هو مسالة وجود او عدم بالنسبة لمستقبل ايران .
من جانب اخر فان حجم ومستوى العقوبات المفروضة على ايران قد وصلت الى ذروتها في إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، ولم يبق امام الامريكان اما الحرب او القبول بأصل الاتفاق النووي ، علما ان ايران تعاملت مع امريكا فيما يتعلق بالملف النووي بالمثل فكما ان امريكا ألغت الاتفاق النووي، فان ايران صعدت من مستوى التخصيب الى ٦٠./. وهذه النسبة قابلة للزيادة .
اكثرُ من ذلك فان ايران استطاعت من خلال الاتفاق الاقتصادي مع الصين ان تلتف على العقوبات الامريكية بطريقة ذكية، وجعلت الصين في مقابل الامريكان ، فالصين اصبحت شريكا اقتصاديا لايران، وهي عضو في مجلس الأمن الدولي لها حق النقض الفيتو .
بالنتيجة اصبحت لدى إدارة بايدن قناعة ان العودة الى أصل الاتفاق هو السبيل الوحيد الذي يحافظ على تماسك دول (٥+١)، ويضمن عدم امتلاك ايران لسلاح نووي والعودة الى نسبة اقل من ٢٠./. من التخصيب .
هذه القناعة الامريكية كشفت ظهر أنظمة الخليج وجعلت خياراتهم محدودة في التعامل مع ايران ، فليس أمامهم الا اللحاق بالركب الامريكي في التعامل مع ايران .
من الجدير بالذكر فان ايران استطاعت ان تخرق دول مجلس التعاون الخليجي وتفكك مواقفه التي تهيمن عليها السعودية ، فبعد ان حيدت عُمان والكويت ، نجحت في ضم دولة قطر الى جانبها بعد الازمة الخليجية مع قطر وطردها من مجلس التعاون الخليجي ، هنا تيقنت قطر وكذلك الكويت وعمان ان ايران مبدئية في علاقاتها فلا تخذل صديق ولا تتراجع عن التزام .
لهذا رفضت قطر كل الشروط السعودية والخليجية مقابل العودة الى مجلس التعاون الخليجي بعد ان تيقنت ان علاقاتها مع ايران اعطاها بعدا سياسيا وقوة في المنطقة .
هذه الاسباب مجتمعةً وغيرها بالتاكيد جعلت السعودية والإمارات ترضخ للمتغيرات الجديدة وتدخل في حوار مباشر مع ايران ، ويتناسى محمد بن سلمان ان ايران دولة تؤمن بالامام المهدي ( عج)، بل ان اساس وجودها للتمهيد لظهوره الشريف .
الخميس ٢٩/ ٤/ ٢٠٢١
https://telegram.me/buratha