حسين شلوشي ||
كبرى دول العالم العربي في مشرقه وثاني كبرى دول العالم في الاحتياطي النفطي العالمي بعد فنزويلا وفيها عدد نفوس منافس في منطقة الشرق الأوسط يتجاوز ثلاثين مليون مواطن أصلي في الجزيرة العربية، هي المملكة العربية السعودية.
تعاني هذه المملكة الكبيرة من عقد واضحة ومتتابعة زمنياً.
الأولى: انها منفصلة تاريخياً وحضارياً بين دول العالم لا سيما في الشرق الأوسط لأنها اختصرت الجغرافيا والتاريخ في حفنة بشر يمثلها ولا يتجاوز عددهم (6000 – 7000) نسمة وهو ما يسمّى بالعائلة الحاكمة. وهم ليسوا سلالة تاريخية حاكمة بل قبيلة اشتدّ عودها واختطفت الأرض والناس في هذه المنطقة ومن ثم الهيمنة على مقدرات هذه الجغرافيا.
الثانية: انها وبواعز الهيمنة أضفت على نفسها قدسية مكتسبة عبر حلفها الوهابي وكرّست له سلوكها وخطابها السياسي لايديولوجيا وفقه (محمد بن عبد الوهاب) وقد التزمت الناس في جغرافيا الجزيرة العربية بهذه (الايديولوجيا) او الدين الجديد، والذي منحها القوة والقدرة والشرعية التامة في دماء الناس وأموالها وكذلك الحرية السياسية الكاملة في القرار السياسي المقدس.
الثالثة: انها نشأت وبانت طموحاتها الجامحة في دولة خاصة على كامل نجد والحجاز بعد أن كانت هذه الأقاليم قائمة بذاته، وجاء ذلك في خضمّ الصراع الامبراطوري الحديث في العالم وما رافقه من امتداد أوروبي نحو الشرق، المحكوم بالخلافة الإسلامية العثمانية المنتشرة في العالم والمترسّخة والمتجذرة في الشرق الآسيوي، وهو ما جعل المملكة السعودية متذبذبة ومتناقضة في خطابها وسلوكها السياسي والأمني في الجزيرة العربية والذهاب برغماتياً نحو التحالف مع أيّ قوي يمنحها السلطة والهيمنة في هذه الجغرافيا.
الرابعة: عقدة الصراع الكوني الغربي وتبادل مراكز القوى العالمية بين الغرب الأوروبي والغرب الأميركي، وانتقال حكومة المملكة من قوة الى أخرى وبقوة سلاح الطاقة الذي جعل المملكة وبقية دول البترول منطقة صراع بين أقطاب أخرى خارج المنطقة (أميركا – بريطانيا) وهذه الدول الغربية لم تكن تعبأ بأيديولوجيا البلدان وخياراتها الثقافية والدينية بقدر ما تركز في قيمها المادية.
الخامسة: انّ الحلف المقدس داخل المملكة أصبح يمثل تهديداً عالمياً ومنبوذاً من أقطاب النظام الدولي الأول الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية وكذلك النظام الدولي الجديد الذي بان في تسعينيات القرن العشرين الماضي، وفي مطلع القرن الواحد والعشرين أصبح منبوذاً رسمياً بقرارات محلية أميركية (جاستا) وأخرى دولية عبر المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان وحماية الأقليات والديمقراطية والبيئة وما إلى ذلك من مسمّيات مؤثرة في صناعة القرار الدولي والرأي العام العالمي.
السادسة: عقدة التنافس على السلطة والبقاء فيها على وفق السيرة التأريخية للعائلة، التي استحوذت على السلطة بإزاحة العوائل الأخرى. ما يعني إزاحة الأجيال المؤسسة لهذه المملكة، وهو ما يعني الركون والارتكاز الى أيّ قوة مهما كان وصفها ولونها، إلا أنها قادرة على تحقيق هدف البقاء في السلطة، دون الالتفات الى رواسي عرش السلطة وأسباب بقائه وهو عقد العائلة والجماعة الدينية، فكان العبث بكلاهما (العائلة والوهابية)، وبذلك تعلقت المملكة الجديدة (السلمانية) في فضاء جديد نحو بيئة جديدة مختلفة تماماً في السيطرة على الحكم والقيادة، إلا أنها تعيش وتحكم بعقلية القرن الثامن عشر.
السابعة: عقدة المحيط الإقليمي المتحرك بقوانين البناء الذاتي المستمرّ والدخول الى الحلبة الدولية بمرتكزات تأريخية حضارية ضاربة في التاريخ وبقوانين الإدارة العصرية المتمكنة من التوظيف الكلي للامكان المحلي بتفاصيله (الإنسان، الطبيعة، الموارد الكامنة، المحيط الخارجي، شخصية الدولة القائمة) وهو ما ينطبق على دول مثل (تركيا، إيران، سورية والعراق) وبدرجة مختلفة نوعاً ما وبشروط أخرى على دول البترول في (الكويت، عُمان، قطر)، والملاحظ في هذه الدول الأخيرة (البترولية) أنها لم تكن تشكل أمام السعودية أيّ عنوان اعتباري ولطالما أرغمتهم مكرهين على كلّ ما تريد وحتى التنازل عن حقوقهم في مواردهم وأراضيهم وقرارهم السياسي وغيرها.
الثامنة: الدعوات السعودية الجديدة التي يقودها ويديرها ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، ويرد قسم كبير منها في رؤيته التي أسماها 2030، فهذه الدعوات تمثل مسيرة بقدميه نحو عمق البحر الأحمر المجاور له، وليس أمامه إلا الغرق، أو الاستدارة وطلب النجدة من حوله والذهاب الى منطقة أمان لا يحبّذها نفسياً، إلا أنها تمثل له النجاة من موت محقق له ولعائلته التي تحكم منذ قرن في المملكة وقرن في القبيلة ومناطقها.
التاسعة: الشاب الأمير الذي يدعو الى الانفتاح والحرية العامة لم يتحمّل صحافياً كتب عن إصلاح الحكومة ويريد ان ينتمي الى وطن ودولة مثل الآخرين، فقتله شر قتلة، وفتح على نفسه ملفاً عالمياً، وهذا الشاب الذي يسمح لسافرة أو (ناشطة مدنية) في أقصى شرق المملكة في منطقة (أميركا الصغرى) أو (أرامكو) أن تمارس حياتها الحرة (سراً)، ولا يسمح لها أن تكون كذلك في حياتها الطبيعية مع أبناء بلدها، لتجد نفسها سجينة. فهذه العقلية الانتقامية القبلية لا يمكن ان تنتج نظاماً سياسياً قادراً على العيش بين الدول الأخرى التي أسّست لحريات شعوبها منذ زمن بعيد، وانّ هذه النماذج الفردية التي نذكرها هي نفسها قادرة على إدارة المملكة وتقديم أقلّ مما يقدّمه الأمير للدول الغربية وتتكفل هذه الدول حماية نظامهم السياسي ودون خجل من الرأي العام العالمي أو منظماته الدولية.
العاشرة: عقد المخاطر الاقتصادية تمثل حيّزاً آخر ومساراً آخر والخوض فيه يأخذ بحثاً أطول، لأنه يتعلق بحجم إيرادات ضخمة جداً، ونظام توزيع بائس خلف مستويات فقر عالية.
الحادي عشر: عقدة الحلّ والحفاظ على المملكة تكمن في قدرة التحوّل الى دولة حديثة، وهذه تحتاج الى قائد شجاع قادر على نفسه، فهل يتمكن ابن سلمان في التخلي عن نزوات نفسه لأجل شعب في دولته، ام سيتركه يفكر بطريقة شرعتها العائلة الحاكمة في الارتكاز الى قوى خارجية وإزاحته بالقوة.
الثاني عشر: عقدة الحصار الداخلي العائلي وعقدة الضحايا الكثر (بضمنهم الوهابية) والحصار الإقليمي من الكبار والصغار، وضغط الحصار الغربي السياسي الاجتماعي المخيف القادم على الجزيرة بكلّ وقاحة وقبح وانقلابات قيمية، يضع أسئلة كبرى أمام الدولة السلمانية؟ هل لها أن تتفلت من كلّ هذه الجهات والجبهات الضاغطة؟ هل لها ان تستقرّ في بيئتها بسلام مع كلّ هؤلاء…؟
https://telegram.me/buratha