د. جواد الهنداوي * ||
سياسة الناتو ( الحلف الاطلسي) ، وسياسة الاتحاد الاوربي تجاه ملفات منطقتنا وقضاياها الساخنة ،كلاهما صدى و انعكاس للسياسة الامريكية في المنطقة ، او كلاهما تُرسمْ و تنّفذْ بالتنسيق مع الادارة الامريكية .
وهذا الامر يُبرّر ضرورة اهتمامنا و متابعتنا للموضوع ، واستشراف نتائج القمة المقبلة ولقاءاتها الجانبية الثنائية .
القمّة القادمة ستتميّز عن سابقتها بالتحررّ من الارباك و الغطرسة و القلق مِنْ مجهول مايحدِثُه الرئيس الامريكي السابق ،دونالد ترامب . ستكون قمّة مُريحة ليس فقط للأمين العام لحلف الاطلسي السيد ستولينبرغ، وانما ستكون مُريحة لجميع الوفود الرسمية ، والصحفية المُشاركة .
سيشارك الرئيس الامريكي بايدن في القمّة ، وسيلتقي ،على هامش اجتماعات القمّة بالرئيس التركي ،رجب طيب اوردغان .وقد يكون هذا اللقاء اهّم فقرة في جدول اعمال الرئيس الامريكي ،عند زيارته في بروكسل ، لا تقل اهمية هذا الاجتماع عن اجتماع الرئيس بايدن بالرئيس الروسي ( السيد بوتين ) في جنيف بعد انتهاء قمة بروكسل .
سأعود لتبيان ما هو متوقّع تناوله و طرحه من مواضيع ، في اللقاءات الثنائية للرئيس بايدن .
امريكا ،في هذه القمّة ،ستكون داعمة ، وليس مُعرقلة ، لمسار الحلف الاطلسي في توجهاته الامنية و السياسية و ذات الطابع الاجتماعي او الاقتصادي ، ستترك امريكا لاوربا مساحة كبيرة في اتخاذ القرار لتنفيذ استراتيجية الناتو الجديدة ، والممتدة لغاية ٢٠٣٠ ، و التي وُضِعتْ ( و اقصد الاستراتيجية ) من قبل مجموعة من المستشارين ، وقُدمتْ الى الاطراف المعنية ، و خاصة الادارة الامريكية ، ونالت موافقتها و تأييدها .
ماذا تتضمن هذه الاستراتيجية ؟
ستتفرغ امريكا الى همومها الاسيويّة ، ومصدرها الصين ،ليس فقط اقتصادياً ومالياً ، و انما سياسياً و عسكرياً ايضاً . كيف ستواجه الولايات المتحدة الامريكية فرضيّة تحالف وتعاون اسيوي صيني -روسي -ايراني ، او صيني -روسي -باكستاني .
ستترك امريكا حال الناتو ، ودورهِ في الشرق الاوسط لعناية اوربا و أتحادها ، وسيكون حلف الناتو الاداة او الوسيلة الفاعلة لدى الاتحاد الاوربي لتنفيذ السياسات المشتركة للحلف وللاتحاد وللولايات المتحدة الامريكية .
تصريح وزيرة الجيوش الفرنسية ،قبيل انعقاد اجتماع وزراء خارجية و دفاع الدول الاوربية في ٢٠٢١/٦/١ ،في بروكسل ، له دلالة على نيّة اوربا للعب دور مهم في قرارات حلف الناتو . اكدّت في تصريحها على ضرورة الاعتماد على القدرات و الامكانيات الاوربية في الحلف ،لانشغال الولايات المتحدة الامريكية في الشؤون الاسيّوية ، و مواجهة الخطر الاستراتيجي الذي تمثّله الصين .
القّمة القادمة للناتو ستتناول ثلاث مواضيع اساسية : موضوع يتعلق بروسيا ، ونقاط الحديث والمداولة ستكون : العلاقات مع روسيا و تحركاتها تجاه اوكرانيا وبلا روسيا و التهديد الروسي على اوربا ،كذلك علاقات التسليح بين روسيا و انقرة . وموضوع يتعلق بالانسحاب الامريكي و الناتوي من افغانستان ، وكيفية الاستمرار في دعم قدرات قوات الامن الافغاني ،لاسيما في ظل اوضاع امنيّة غير مستقرة وعلاقات متوترّة بين الحكومة الافغانية وحركة طالبان . والموضوع الثالث سيتناول رؤية الناتو لعام ٢٠٣٠ ، وهي استراتيجية عمل الحلف ولغاية عام ٢٠٣٠ ، وسيدعم الحلف مراكز التدريب و التأهيل ، التي اسسها ويديرها في منطقتنا وخاصة في الكويت و في العراق ،من اجل تعزيز قدرات القوات الامنية .
لم تحظْ ملفات ساخنة و مهمة في منطقتنا اهتمام و رعاية، من قبل قمّة الناتو المرتقبة ،تستحقها بقدر اهميتها و تداعياتها : ملف اليمن او الحرب الدائرة في اليمن ، و الملف السوري او الحرب و الاحتلال للاراضي السورية ، و الملف النووي الايراني ، و ملف القضية الفلسطينية .
عاملان رئيسيان ،اضافة الى عوامل ثانوية اخرى وفنيّة ،تُبّرر عزوف الحلف الاطلسي على التدخل بشكل او بآخر بمجريات ما يحدث في اليمن وفي سوريا وكذلك في ملف القضية الفلسطينية و الملف النووي الايراني :
لا يرغب الحلف ان يكرر تجارب تدخلاته العسكرية الغليظة في ليبيا عام ٢٠١١ ، تدخل ساهمَ في تدمير ليبيا الدولة ، و يُعاب على الحلف تدخله الفاشل ، وفي الحرب اليوغسلافية عام ١٩٩٨ و ١٩٩٩ ؛ تدخل ادّى الى قتل و مجازر أُرتكبت من سلاح الجو الاطلسي اثناء قصفه لمدنيين ، وقوافل لاجئين و السفارة الصينية . العامل الثاني يخص القضية الفلسطينية و الملف النووي الايراني ،حيث لهذه الملفات بُعداً سياسياً و تأريخياً و أممياً ، و لا يمكن للحلف ان يقدّم امراً او يدفع سوءاً في هذه الملفات التي هي تحت رعاية امريكية و أُمميّة .
اعودُ الآن الى اهمية اللقاءات الثانية التي سيجريها الرئيس بايدن ،بمناسبة زيارته الى اوربا .سيلتقي الرئيس بايدن بالرئيس التركي اوردغان في بروكسل ، و اهم موضوع للتداول بينهما سيكون السلاح الروسي s400 .
وقد استبقت الحكومة التركية ساعة اللقاء بين الرئيسين بموقف واضح و موجهّ الى الادارة الامريكية ، و عبّر عن الموقف ،تصريح وزير الخارجية التركي ، والذي يؤكد فيه بعدم استضافة تركيا لايّ عسكري روسي على اراضيها ، وان تركيا هي التي ستقوم بتشغيل وصيانة المنظومة الصاروخية الروسية . وسيطرح الجانب التركي موضوع الدعم الامريكي للقوات الكردية في سوريا وكذلك لجماعة المعارض التركي فتح الله كولن، المقيم في امريكا .
سيلتقي الرئيس بايدن نظيره الروسي في جنيف ، وقد صرّحَ المتحدث الرسمي للبيت الابيض بان الرئيس سوف يتحدث مع الرئيس الروسي موضوع حقوق الانسان في روسيا ،بالاضافة الى المسائل السياسية والعسكرية الشائكة بين البلديّن .
* سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات
بروكسل .
في ٢٠٢١/٦/٦
https://telegram.me/buratha