ترجمة ـ فهد الجبوري ||
من القضايا المهمة التي تستحق منا جميعا أن نوليها الاهتمام هي التطورات والمتغيرات الحاصلة في النظام العالمي ، وتأثيرات ذلك على منطقتنا وبلدانها ومنها بلدنا العزيز العراق ، وتوجد في الوقت الراهن بوادر وإرهاصات لولادة نظام عالمي جديد من أهم معالمه هو تعدد الأقطاب والقوى العظمى ، بعد أن هيمنت قوة واحدة تقريبا على مقدرات العالم وهي الولايات المتحدة ، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩١، واليوم تواجه الولايات المتحدة تهديدا خطيرا وتحديات كبيرة وذلك بعد بروز الصين كقوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية ، ورسمها لاستراتيجية التوسع الاقتصادي ، وإقامة مناطق تعاون تجارية واقتصادية مع مختلف بلدان العالم ، ولعل مبادرة الحزام والطريق مثالا واضحا على مساعي بكين الرامية الى توسيع نفوذها وقوتها الاقتصادية وحتى العسكرية لضمان تفوقها حاضرا ومستقبلا .
وفي هذا السياق ، تخصص معاهد ومراكز الدراسات والبحوث في العالم ومنها على وجه التحديد الأمريكية مساحات واسعة لدراسة التنافس بين اكبر قوتين في العالم هما الصين والولايات المتحدة والآثار المستقبلية له على الصعيد العالمي .
وقد نشرت عدد من المراكز البحثية خلال الايام الأخيرة عرضا لكتاب جديد يستعرض تاريخ العلاقة بين الصين والولايات المتحدة ، والمسارات التي أتخذتها الصين منذ عدة عقود لتغيير المعادلة التي تميل كفتها بشكل كبير لصالح النظام الذي تقوده الولايات المتحدة .
ولأجل أن تطلعوا على أهم الأفكار والمفاهيم التي طرحها مؤلف الكتاب الجديد والذي حمل هذا العنوان :
" اللعبة الطويلة : استراتيجية الصين لإزاحة النظام الأمريكي "
قمنا بترجمة ملخصة لعرض ونقد نشره الكاتب الأمريكي بول هير في مركز ناشونال انتيرست National Interest
يوم ٧ تموز الحالي لهذا الكتاب الذي ألفه روش دوشي ، وهو متخصص في شؤون الصين .
كتاب جديد يناقش المقاربة الاستراتيجية للرئيس بايدن إزاء الصين
الكتاب صدر حديثا للباحث روش دوشي Rush Doshi تحت هذا العنوان :
" اللعبة الطويلة : استراتيجية الصين العظمى لإزاحة النظام الأمريكي
وقد قامت عدة مواقع ومعاهد دراسات بالحديث عن هذا الكتاب وما يحتويه من تحليل لمسار العلاقات الأمريكية - الصينية والتحديات التي تواجه الولايات المتحدة في احتواء المارد الصيني بعد أن أصبح لدى الصين استراتيجية كبرى هدفها هو إزاحة الولايات المتحدة من موقعها الراهن كأكبر قوة في الكون .
وقد نشر موقع ناشونال انتريست The National Interest مقالة يوم ٧ تموز ٢٠٢١ للكاتب بول هير عرض من خلالها تصوراته عن هذا الكتاب والأفكار التي طرحها مؤلفه عن العلاقات الأمريكية -الصينية .
وفيما يلي ترجمة لأهم النقاط التي وردت في مقالة الكاتب هير .
" مع الأخذ بنظر الاعتبار " تعويذة " ادارة بايدن ، والتي اعلنها وزير الخارجية انتوني بلينكن ، وهي أن العلاقة الأمريكية -الصينية " سوف تكون تنافسية حيث يجب أن يكون ، وتعاونية قدر ما يكون ذلك ممكنا ، وخصومية حيث يجب أن تكون " ، فإن مناقشة دوشي لمجالات التعاون الثنائي تستحق الاهتمام .
بالعادة ، فإن تسليط كتاب أكاديمي الضوء على تفسير أحاديث قادة الحزب الشيوعي الصيني ( وبقية الوثائق الخاصة بالحزب ) ، سوف لن يجلب الا اهتماما محدودا لدى الجمهور الأمريكي ، لكن كتاب روش دوشي " اللعبة الطويلة : استراتيجية الصين العظمى لإزاحة النظام الأمريكي" يثير الاهتمام لأن دوشي الحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد ، والمدير المؤسس " لمبادرة استراتيجية الصين " في معهد بروكينغ ، انضم مؤخرا الى ادارة بايدن كمسؤول لملف الصين في مجلس الأمن الوطني ، حيث يعمل مع منسق السياسات في الهند والمحيط الهادئ كورت كامبيل ( المعلم الذي ذكره في فقرة إهداء الكتاب ) .
وبالرغم من أنه قد ورد في مقدمة الكتاب " بأنه لايعكس بالضرورة وجهات نظر الحكومة الأمريكية أو مجلس الأمن الوطني "، سيكون من الإنصاف الافتراض أن محتوياته سوف تنبئ عن تقييم ادارة بايدن ، وتعطي إجابات عن التحدي الاستراتيجي الذي تمثله الصين للولايات المتحدة .
ويشخص دوشي من خلال خبرته طبيعة ونطاق ذلك التحدي ، ويقتفي تطوره وتوسعه خلال العقود الثلاثة الأخيرة .
والأطروحة المركزية للمؤلف دوشي هي " أن بكين لديها استراتيجية عظمى " مفندا أولئك الذين يعتقدون أن الصين ليس لديها مثل هذه الاستراتيجية لإزاحة النظام الأمريكي ، سواء كان ذلك في شرق اسيا او على نطاق العالم من خلال تقويض وتضعيف قاعدة الدعم للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة ، وتقوية صيغ وأشكال السيطرة التي تدعم البديل الصيني .
وقد مرت الاستراتيجية الصينية بمراحل من التغير والتطور مع مرور الوقت ، انطلاقاً من حسابات بكين لتغير ميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين .
ومنذ سقوط جدار برلين في العام ١٩٨٩ وحتى الأزمة المالية العالمية في العام ٢٠٠٨ ركزت الاستراتيجية الصينية على " اضعاف " القوة الأمريكية وقدرة واشنطن على تهديد المصالح الصينية ، بسبب أن الصين كانت ترى نفسها ضعيفة جدا للعمل أكثر من ذلك .
إن هذا التقييم حسب ما يراه دوشي هو نتاج ما يطلق عليه ثلاثية " أزمة ميدان تيانانمن عام ١٩٨٩ ، والحرب الأمريكية الأولى في الخليج عام ١٩٩١، وانهيار الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩١ " ، كل ذلك قد ترك الصين في حالة مهزوزة ومدركة تماما لنقاط ضعفها ، وضعفها النسبي .
وكان ذلك هو الأصل في التوجه المشهور للرئيس دينغ شو بينغ وهو " أن بكين يجب أن تخفي قدراتها ، وتبقى منتظرة "
ويشير دوشي بالتفصيل الى الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي اعتمدتها بكين خلال تلك الفترة في مسعى منها لتحجيم النفوذ الذي تمارسه الولايات المتحدة على الصين ، ولكن ذلك قد تغير بعد أن شجعت الأزمة المالية العالمية القادة الصينين على إعادة تقييم وضعهم ، وتوصلوا الى نتيجة مفادها أن ميزان القوة كان يتجه لصالحهم .
ومن وجهة نظر بكين ، فقد كشفت الأزمة المالية عن ضعف النظام الأمريكي ، وكشفت تلك الأزمة عن تناقص نسبي في استراتيجية الولايات المتحدة .
وتأسيسا على ذلك ، انتقل القادة الصينيون الى تبني استراتيجية اكثر " استباقية " لبناء قدرة الصين الذاتية ، وتقوية نفوذها لاحتواء وصد الولايات المتحدة .
ويشير دوشي الى ان ذلك التحول الاستراتيجي قد ركز على محيط الصين الجغرافي ، لأن الصين أدركت أن الحاجة والفرصة كلاهما موجودتين على نحو اكبر في شرق آسيا ، بالنظر الى التحديات المتصورة لسيادة الأراضي الصينية ، ولهدفها الرئيس في تضخيم أمنها ونفوذها الإقليمي .
وقد كان هذا التحول مهما لدرجة كبيرة لانه مثل تراجعا من نظرية " الاختفاء والانتظار " ، والانتقال الى مرحلة جديدة تركز بشكل اكبر على إنجاز بعض الأشياء بفعالية ، وهو الهدف الذي وضعه دينغ على الموقد الخلفي .
وبهذا الخصوص ، فإن من أكثر العناصر أهمية في كتاب دوشي هي انه لم ينسب هذا التحول الى الرئيس شي جين بينغ ، وإنما لسلفه هو جين تاو الذي أعلن ذلك بالأساس في العام ٢٠٠٩ ، ثلاث سنوات قبل أن يستلم شي الحكم .
ويقول دوشي ضمنا بأن فكرة أن التوجه الصيني الأخير هو نتاج لشخصية شي جين بينغ هي " خاطئة " ، وتتجاهل الإجماع الحزبي الطويل الأمد الذي يتجذر فيه سلوك الصين بالفعل .
ويرى أيضا بأن هدف التجديد العظيم للامة الصينية والذي تم نسبته الى شي ، هو في الحقيقة يرجع الى فترة ( عهد ) دينيغ ، وحتى قبل ذلك .
وهنا أيضا يعطي دوشي نظرة مفصلة عن مكونات تلك الاستراتيجية الاستباقية ، والتي تضمنت انهماك الصين الأوسع مع التعددية ، ودبلوماسية الاقتصاد الموسع ، وبالخصوص مبادرة الحزام والطريق ، ودفاع أكثر حيوية عن المزاعم الإقليمية للصين ، وتاكيد اكبر على تطوير القدرات العسكرية .
وربما أن دوشي قد بالغ بشكل هامشي في أهمية عام ٢٠٠٨ كنقطة انعطاف ، او أن الأزمة المالية العالمية كانت هي المحفز الحصري في التحول بالاستراتيجية الصينية . ويمكن القول أن العديد من استراتيجيات البناء في الصين بدأت بالتداخل مع استراتيجيتها " المتعثرة" في وقت أبكر من ذلك .
وقد تكون التطورات الإقليمية الأخرى التي يقوم بها الآخرون والذين لديهم مزاعم ومطامح في بحار الصين الجنوبية والشرقية ، وكذلك قرار ادارة اوباما بإعادة التوازن الى شرق آسيا ، قد دفعت الصين لتأكيد الحاجة لأن تكون أكثر حزما في المنطقة ، وفي هذا الإطار ، كان العام ٢٠٠٨ ، بقدر ما كان معجلا في الاتجاهات المستمرة ، فقد كان أيضا نقطة تحول .
وطبقا لما يراه دوشي ، فإن المرحلة الثالثة ( الحالية ) لاستراتيجية بكين قد بدأت في العام ٢٠١٦ ، وفي هذه المرحلة قامت الصين بنقل استراتيجياتها الإقليمية " المتعثرة" والبناء الى المستوى العالمي ، لأنها قد أدركت أن التحولات في ميزان القوى قد أوجدت فرصا جديدة للقيام بذلك .
ويرى دوشي إن ذلك كان جواب بكين على ال " بريكست " Brexit ، وعلى انتخاب الرئيس ترامب ، والذي فسره القادة الصينيون بأنه علامة قوية على التراجع النسبي للغرب ، والانسحاب من العالمية .
وهذا قد أدى الى تأجيج شعار صيني جديد مفاده أن " التغييرات غير المرئية في قرن من الزمان " ، والتي يقول دوشي أنها قد حلت محل سياسة " الاختباء والانتظار " ، والقيام بإنجاز بعض الأمور بفعالية أصبحت المبدأ العام الموجه لطموحات الصين العالمية .
ومع ذلك ، فإن مفهوم " التغييرات غير المرئية خلال قرن من الزمان " ، ليس مفهوما أوليا ، وأنه يشير الى التحديات وكذلك الى الفرص المتاحة أمام الصين .
ويضاف الى ذلك القول بأن العديد من " استراتيجيات الصين المتعثرة والبناء " قد دخلت مسبقا مرحلة العالمية ، ولكن دوشي كان صائبا حين قال أن بكين قد عجلت ووسعت تلك الاستراتيجيات منذ ذلك الحين ، وإنها على وجه الخصوص أكثر فعالية على المستوى العالمي ، معززة من " شرعية نظامها الخاص " بالمقارنة مع الولايات المتحدة .
وباختصار ، حتى لو أن بكين لا تحاول أن تؤسس عالما غير ليبرالي يتمحور حول الصين ، فإنها سوف تكون منافسا قويا لايعرف الكلل في جهود تعظيم الثروة والقوة والنفوذ مقارنة بالولايات المتحدة في عالم متعدد الأقطاب .
وكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع مثل هذا التحدي ؟ هنا يدافع دوشي عن استراتيجية تنافسية غير متماثلة تعكس مقاربة بكين من خلال اتخاذ خطوات لتفتيت قوة الصين " الحد من قدرة الصين في تحويل قوتها الى نظام إقليمي وعالمي " ، و " بناء القوة الأمريكية " ويشمل ذلك " تعزيز العناصر المؤسسة للنظام الأمريكي ، وبالخصوص تحالفاتها ، قوتها المالية ، قوتها العسكرية ، وزعامتها في ميدان التكنولوجيا ، ودورها في المؤسسات العالمية ، ونفوذها القوي على مصادر تدفق المعلومات "
والسبب في ذلك يكمن في أن دوشي يرى أن الولايات المتحدة لا تستطيع التنافس مع الصين بشكل متماثل بسبب حجمها النسبي الكبير .
ويستبعد دوشي الى حد كبير المقاربات البديلة مثل المساومة، التكيف الآحادي، إعادة الطمأنينة ، أو العمل على تغيير النظام في الصين ، ويعتبرها غير عملية ولن تحقق النجاح .
ومن وجهة نظره ، فإن المساومة ، وإعادة الطمأنينة تتطلب ثقة متبادلة وهذا غير موجود وغير قابل للتنفيذ ، ولكن دوشي لا يتطرق الى احتمالية أن صعوبة ومخاطر العمل على بناء الثقة المتبادلة ، ومقاربة التكييف المتبادل مع الصين ربما تكون أقل من الأخطار المترتبة على سلوك مقاربة ليس فيها مساومة وتنافسية على نحو حصري .
https://telegram.me/buratha