د . جواد الهنداوي ||
السيد المالكي و تقدّم داعش نحو بغداد عام ٢٠١٤ والسيد اشرف غني وتقدّم طالبان نحو كابول اليوم :
حقائق و وقائع عشّناها عن حدث الامس ( داعش نحو بغداد عام ٢٠١٤) ، و مشاهد نراها و نعيشها عن حدثَ اليوم ( تقدّم طالبان نحو كابول ) . أكتبُ عنها انصافاً للحقيقة و توثيقاً للتاريخ ولاستخلاص الدروس و العبر .
أعادة قراءة لحدث الامس على ضوء مُعطيات و ظروف أنتّجت و واكبت حدثْ اليوم ( تقدّم او سيطرة طالبان على كابول ).
ساهمت الولايات المتحدة الامريكية في انتاج و اخراج الحدثيّن ،ذات الادارة الامريكية و ذات الحزب الديمقراطي ؛ الرئيس الاسبق اوباما و مساعده بايدن أخرجا او ساهما او رعيا حدث داعش و الموصل في العراق عام ٢٠١٤ ، واليوم الرئيس بايدن و ادارته يرعيا حدث اليوم ، طالبان و سقوط كابول .
الدول التي موّلت و سلّحت و درّبت الجماعات المسلّحة و الارهابية وداعش في العراق و في سوريا وفي لبنان ( امريكا و قطر و تركيا و غيرهم ) ،هي ذاتها ساهمت في تأهيل و تمكين طالبان سياسياً و دولياً ، وهي ذاتها تدير اليوم انتقال السلطة الى طالبان .
و دور الدول المذكورة في دعم و رعاية الجماعات المسلحّة والارهابية ليس هو اتهاماً ولم يُعدْ خافياً، فذكرْ هذا الدور و كشفه وردَ صراحة على لسان الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ،وفي اكثر من مناسبة ، و وردَ ايضاً ، وفي اكثر من تصريح متلفز ، على لسان الشيخ حمد بن جاسم آل ثان ،رئيس وزراء قطر الاسبق و وزير خارجيتها الاسبق .
سقوط الولايات الافغانية ،الواحدة ، تلو الاخرى وسرعة سقوط كابول ،احداث توحي للمتتبع بسيناريو مُعدْ مسبقاً و مُتفق على تنفيذه و بدقّة ، من قبل حركة طالبان ؛ سيناريو يُعيدنا الى احداث العراق و سقوط الموصل و مجزرة سبايكر و زحف الجماعات الارهابية و داعش نحو بغداد ، و يؤكّد لنا ايضاً بأنَّ احداث العراق لم تكْ دون دراية و تأليف و رعاية امريكية اقليمية .
نجحَ سيناريو افغانستان و فشلَ سيناريو العراق عام ٢٠١٤ :
لم يصمدْ الرئيس الافغاني اشرف عبد الغني ولمْ يمتلك مقومات الصمود و المقاومة بسبب اعتماده كلياً على امريكا ، وعلى قيادات عسكرية غير موالية للدولة ، ولا يمتلكُ ظهير او سند دولي او أقليمي . و مشهد خروجه من افغانستان وهو متوجّه وحيداً للطائرة لا يختلف عن مشهد مسافر و قد حانت ساعة رحيله ، او ممُثل انهى عمله او ادّى دوره .
و فشلَ سيناريو العراق عام ٢٠١٤ ، بالرغم من أنَّ الامكانيات اللوجستيّة و التسليحية و الاعلامية لداعش اكبر بكثير من ما تمتلكه حركة طالبان ، وبالرغم من اقتراب فصائل و جماعات داعش تخوم بغداد .لم يهرب حينها رئيس وزراء العراق الاسبق ، و القائد العام للقوات المسلحة السيد نوري المالكي ، صمدَ و ثبتَ رغم غدر الادارة الامريكية و رفضْ الرئيس الامريكي الاسبق السيد اوباما لطلب السيد المالكي بدعم او بمساعدة العراق عسكرياً ، و وفقاً لبنود الاتفاقية الاستراتيجية الموقعّة بين البلدين . بعد رفض الادارة الامريكية ، تصرّف السيد المالكي و قادَ زمام المبادرة من اجل استحصال دعم المرجعيّة الرشيدة بفتوى الجهاد الكفائي ، وتشكيل الحشد الشعبي، كذلك ، أسرعَ السيد المالكي ، ولدرء الخطر و الانهيار بطلب السلاح من ايران ،التي باشرت على الفور بتعزيز مقاتلي الجيش العراقي و الحشد الشعبي بالسلاح والذخيرة و الاستشارة و الدعم اللوجستي . هذه هي المقومات الثلاثة التي حالت دون نجاح سيناريو احتلال العراق من قبل داعش و اقامة دولة الخلافة الاسلامية : شجاعة وصمود وثبات وتصّرف السيد رئيس وزراء الاسبق نوري المالكي ، و فتوى المرجعيّة وتأسيس الحشد الشعبي ، والدعم العسكري السريع الذي حظي به العراق من ايران .
فشلْ المخطط الصهيوني الامبريالي الرجعي تجاه العراق ، وكذلك تجاه سوريا ، بأعتبارهما اذرع ايرانية ،حسب التوصيف الاسرائيلي ، دفعَ باصحاب هذا المخطط الى تطبيقة في افغانستان بأعتبار افغانستان هي الساحة الخلفية لايران ،ومن الممكن جداً اشغال ايران و روسيا و الصين ،اي اشغال و ارهاق المحور الاسيوي ،الذي يشكل تحدياً استراتيجياً للهيمنة الصهيونية الامريكية الاسرائيلية .
لن ينجح المخطط الصهيوني الامريكي في افغانستان ، ولن تمتلك طالبان مقومات تنفيذ المخطط ، والهادف الى اشغال و ازعاج المحور الاسيوي ( روسيا ،ايران ،الصين )، العلاقة الطالبانية الامريكية لن تستمرْ طويلاً ، وهدف طالبان البقاء في السلطة ، وتحقيق الهدف يتوقف على قدرة طالبان في بناء دولة ذات علاقات سياسية متوازنة و ايجابية مع الدول المجاورة .كما انَّ الدول المجاورة لافغانستان ( ايران والصين و روسيا) بادرت ومنذ مدة بالتواصل رسمياً وسياسياً بالحركة ، وهي على استعداد ، وخاصة الصين ،بمد يد العون والمساعدة اقتصادياً الى الحركة .
سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل
في ٢٠٢١/٨/١٦ .
https://telegram.me/buratha