د. جواد الهنداوي * ||
سوء تقييم من قبل السفارة الامريكية في بيروت تجاه مبادرة حزب الله بجلب الوقود من أيران.
جاءت المبادرة على لسان السيد حسن نصر الله ،في خطابه في يوم عاشوراء،الموافق ٢٠٢١/٨/١٩ .
وقد نوّه السيد ،عنها ، في خطاباته السابقة ، و أعربَ عن عزمهِ، وخاصة في كلماتهِ في الامسيات العاشورية ،على تنفيذ المبادرة .
الامريكان و الاسرائليون وغيرهم يستمعون جيدا الى حديث السيد و لا يشكّون في مصداقيته ، ويولون الى ما يردُ في الحديث غاية الاهتمام .
ارتكب الامريكان تجاه ما حلًّ في لبنان خطئيّن :
ارتكبت الادارة الامريكية الخطأ الاول بفرضها عقوبات و حصار اقتصادي و نقدي على لبنان ، و اوصلت حالة لبنان الى ما هو عليه الآن ؛ حالة تجاوزت الحد المعقول او الخطوط الحمراء ، وتعدّت الفقر والجوع و الحرمان الى الاذلال والدفع بارتكاب الجرائم ، و المّسْ بالذات المعنوية للمخلوق ، حالة تخالف القوانين و الشرائع الدولية و السماوية والقيم الاخلاقية و الانسانية . حالة تُوصفْ في ادبيات القانون الدولي و الانساني " التعسف في تطبيق القوانين او في ممارسة السلطة ".
ومن المفارقات بأن الامريكيين و الدول الغربية و المجتمع الدولي يناشد طالبان ، بعد سيطرته على افغانستان على ضرورة احترام حقوق الانسان واحترام حقوق المرأة وكرامة الانسان و .. . الخ .
للاسف ،الادارة الامريكية تعاملت بفرض العقوبات على لبنان ، بذات القسوة التي تعاملت بها مع ايران ، غير آخذه بنظر الاعتبار بأنَّ لبنان صغير في مساحته و ضعيف في امكانياته الاقتصادية، و مستنزفْ بالفساد و السرقات وعدم الاستقرار السياسي .
الادارة الامريكية أساءت تقدير ما يمتلكه لبنان من قوة صبر و مقاومة ، و إنَّ التمادي في اذلال الناس و حرمانهم و المّس في كرامتهم أصعب عليهم من الجوع و الموت .
سفيرة امريكا في لبنان ،السيدة شيّا، هي التي ارتكبت الخطأ الثاني . لانها (و ما اكتبه افتراض )لمْ تُعْلِمْ مراجعها الرسمية ، بما كان يقوله السيد حسن نصر الله و يتوعّد بجلب الوقود والدواء و المعونه من ايران، اذا استّمر الحصار و التجويع، و اذا لم يبادر اللبنانيين السياسيين ،من اصدقاء و حلفاء امريكا ، بأيجاد حلْ وجلب الوقود من المملكة او من ايّة جهة اخرى . ولمْ تنصحهم او تقترح عليهم بأيجاد حلْ ، قبل اقدام حزب الله على تنفيذ ما يقوله .
كذلك ،كان يُفترضْ على اصدقاء و حلفاء امريكا في لبنان وفي المنطقة ، ان يسدوا النصح والمشورة البنًاءة للادارة الامريكية، برفع العقوبات او بتخفيف الحصار ، قبل فوات الآوان ، ومن باب " انصر اخاك ظالماً او مظلوما "، قبل ان يكونوا هم و امريكا في حالة حرجْ، وفي صورة و مشهد ظالم و مستبد و ... ؟
ينظرُ اللبنانيون ، وهمْ من يعانوا ، بعين الرفض و عدم الرضا للتصريحات و المواقف المنتقدة لمبادرة السيد حسن نصر الله ، و يحسبوها تبريراً وتأيداً للمعاناة المفروضة عليهم .لم يكْ موفقاً السيد سعد الحريري في تصريحه، وحديثه عن السيادة ، وهو أعلمْ و ادرى من غيرهِ ،كيف و متى تمَّّ امتهان سيادة لبنان . عند البعض تحضرْ وبقوة سيادة لبنان عندما يقترن الامر بمساعدة غذائية او طبيّة او نفطيّة من ايران ، وتغيب عنهم عندما تجول و تصول صواريخ و طائرات اسرائيل في لبنان ،او عندما يعاني الشعب اللبناني من حصار جائر و عقوبات غير شرعية من امريكا .
كان تصريح سفيرة امريكا في لبنان ،السيدة شايا ، والتي ابدت فيه استعداد امريكا لتسهيل ايصال الكهرباء و المازوت الى لبنان من الاردن ومن مصر وعبر سوريا ،افضل بكثير من تصريح السيد سعد الحريري ؛
لم يكْ تصريحها فارغاً ، ولم يتضمن تهديد او تصعيد ، ولم تصفْ لبنان ، وكأنه محافظة ايرانية . تصريحها ، على الاقل ، تضّمن وعداً و اقتراحاً ،حتى و إنْ جاءت الوعود و الاقترحات ، بعد فوات الآوان ، او بعد " خراب البصرة " ، او حتى لو كان منسوب الصدق في الوعود و الاقترحات الامريكية منعدم او منخفض جداً .
تصريح سفيرة امريكا ، والذي يعبّر ،بكل تأكيد عن الموقف الرسمي للادارة الامريكة ازاء قرار حزب الله ، هو اعتراف ضمني بفشل سياسة التجويع و الحصار المفروضة على الشعب اللبناني ؛ و اذا لم يكْ فشلاً فهو تراجع واستعداد لانهاء الحصار على لبنان ( على الاقل حصار المازوت والدواء والكهرباء )، وعلاوة على ذلك لن تمانع امريكا مِن ان يكون عبور ما ذُكرْ عبر الاراضي السورية ، المُبتلي شعبها ،هو الآخر ،بأستبداد و حصار قيصر !
كثيرة هي الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الادارات الامريكية المتتالية بحق شعوب المنطقة ، ومنها ، ما نكتب عنه الآن ،حصار و تجويع لبنان .
ما كان لامريكا، بلد الحريات و الديمقراطيات، والدولة العظمى ،ان تنتظر اعلان الامين العام لحزب الله في لبنان ،قراره بجلب الوقود من ايران ،كي تقرر ، وعلى حين غرّة، بالسماح لادخال ما كان ممنوعاً على اللبنانيين من وقود و دواء وكهرباء .
لم ينقص امريكا العلم و التطّور و المعرفة والقدرة و الثروة ، ولم يفتقر الشعب الامريكي للقيم و للاخلاق و للانسانية ، ولكنهما ( الدولة و الشعب الامريكي ) مغلوب على امرهما ، من قبل اللوبي الصهيوني و اسرائيل ، و يستهديان في نهجهما بمصلحة و بهيمنة اسرائيل في المنطقة .
مبادرة السفيرة الامريكية ولدت بعد مبادرة السيد حسن نصر الله ، وهذا يدّلُ على انَّ مبادرة السيد اصابت الهدف و ادّت غرضها ، حتى و إنْ لن تبحرْ سفينة الحُسين ( ع ) . كان توقيت اعلان مبادرة السيد حسن نصر الله ناجحاً بأمتياز ؛ جاء الاعلان في العاشر من شهر محرم مما كسا المبادرة وشاح الثورة والتضحية الحسينية الخالدة ، وجاء ايضاً بيوميّن او اكثر من استيلاء طالبان على افغانستان و سيطرتهم على العاصمة ، و ماصاحب الاحداث من فوضى أضرّت كثيراً بهيبة وبمصداقية و بمكانة امريكا .
لا امريكا و لا اسرائيل في اقتدار سياسي على الدخول في تحدّي ،يقود الى معركة او حرب مع حزب الله . وهذا ما يُفسّر صمت اسرائيل و موقف الولايات المتحدة الامريكية الموزون ، والذي جاء على لسان سفيرة امريكا في لبنان.
مارست امريكا تجاه لبنان " سياسة حافة الهاوية " املاً منها بأستسلامه وبخضوعه ، ولكن استطاع حزب الله قطف ثمار هذه السياسة، لم يستسلم الحزب، و نجا بنجاح من الهاوية.
* سفير سابق / رئيس المركز العربي
الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
بروكسل /في ٢٠٢١/٨/٢٠ .
https://telegram.me/buratha