نعيم الهاشمي الخفاجي ||
قبل الدخول في قراءة ماكتبه وزير خارجية أمريكا السابق ومهندس السياسة الخارجية هنري كيسنجر علينا أن نتحدث قليلا عن الحقبة الزمنية التي عشنا بها ورأينا وعاصرنا أحداث أربعين عاما في محاربة الإرهاب والتطرف كانت أشدها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ حيث شنت حروب شاركت بها تحالف قوات الناتو بدعم من دول الخليج التي مولت الحرب حتى تضمن بالقليل بقاء انظمتهم من السقوط بسبب نشرهم الوهابية وتهيئة مقومات نشوء الحركات الإرهابية.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ودخول السلاح النووي باتت الحروب بين الدول الكبرى حروب نفوذ ودعم عصابات ارهابية ومعارضات الى بعض الأنظمة لابتزاز دول سياسيا واقتصاديا، الذي اعاد الحياة الى طالبان هو صراع أمريكا مع روسيا والصين وإيران وباكستان ولولا هذه الصراعات لما دعمت تلك الدول عصابات طالبان ضد أمريكا.
هناك تساؤلات بعد انسحاب وهزيمة الناتو أمام حركة طالبان نتاج المدرسة السعودية الوهابية التكفيرية، أقول إن هذا الانسحاب تم بعد حروب عشرين عاما فشلت به أمريكا بسبب قيامها بفرض قيود على الحكومات الأفغانية وفتح مجال الفساد الإداري لهم هو من تسبب في إعادة سيطرة طالبان، بل جو بايدن قال نحن لم نذهب لبناء دولة، كلامه قال الحقيقة المرة، ورطوا ملايين الأفغان وتركوهم تحت رحمة حكم ديمقراطية طالبان في جز الرقاب.
يقول البعض ما هو مصير الحرب على الإرهاب؟
مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة «طالبان» السؤال الآن: ما هو مصير الحرب على الإرهاب؟ هل انتهت؟ أم انتكست؟ أم أنها للتو بدأت بمرحلة جديدة؟
يحاول الإعلام البدوي السعودي الذي نصح الشعب الأمريكي في انتخاب ترمب وليس بايدن اعتقادا ان هؤلاء البهائم أن النموذج الديمقراطي السعودي افضل من الديمقراطية الامريكية بل لديهم مستكتبين نحو مشاري وفصيلته يتهجمون على الحزب الديمقراطي وعلى أوباما؟ شر البلية ما يضحك، الإعلام الخليجي البدوي صور وقوع انفجار كابل الذي أودى بحياة قرابة 170 أفغانياً و13 جندياً أميركياً، صور ماحدث بالقول أن الحرب على الإرهاب الآن بدأت.
يحاول هؤلاء خداع عقول المتلقين بالقول إن انفجار كابل مثل حادثة المدمرة كول في مياه ميناء عدن عام ٢٠٠٠ أقول إن تدمير المدمرة لم يجعل الناتو يعلن الحرب وإنما أحداث سبتمبر عام ٢٠٠١ التي فتحت كذبة الحرب على الإرهاب، الانسحاب لقوات الناتو يعني نصر لكل القوى الارهابية بالعالم
كل الجماعات الارهابية في أفغانستان مثل «القاعدة»، و«داعش - خراسان»، والمقاتلين الأجانب...الخ هم احباء طالبان ورفاق دربهم ومنبعهم الفكر الوهابي السعودي، لذلك الناتو يعرفون أن الجماعات التكفيرية انتقلت الى بلدان اخرى مثل سوريا ونيجيريا ودول الساحل والصحراء الأفريقي في عشرة دول افريقية، لازالت أفغانستان تعج في ارهابيين اجانب من دول الخليج السعودية وقطر والامارات والاردن والعراق وسوريا واليمن وتونس والمغرب ومصر والمعلومات تقول إنهم موجودون، و تقدمت بهم السن، فهل باتوا قيادات، أم مجرد متقاعدين، اقول انهم قيادات وأصحاب كلمة مسموعة و يؤمون الناس في المساجد الافغانية.
هنري كيسنجر عن هروب أمريكا، نشرت مجلة الايكونومست الالكترونية بتاريخ ٢٥ من هذا الشهر واحده من اهم المقابلات مع المخضرم هنري كيسنجر وكان الحديث يدور عن قضية افغانستان وخروج امريكا. اعتبر كيسنجر ان خروج القوات الامريكية بهذه الطريقة إنما هو هزيمة للامريكان واحباطاً لكل الجهود المبذولة من حلفائها وانتصاراً للارهاب العالمي.
يؤكد كيسنجر أن أمريكا وبعد أحداث تفجيرات القاعدة في عقر دارها في سبتمبر حققت انتصاراً عظيماً حينما جمعت التحالفات وذهبت الى أفغانستان وهزمت طالبان، ولكن ما أن تحققت غاياتها الأولى وانتقمت لكرامتها وفرّت مجاميع طالبان باتجاه الجبال حتى فقدت القوات الأمريكية اهدافها الاساسية.
إن صانع السياسة الأمريكي ارتكب خطأ فادحاً في محاولته لإعادة ترميم افغانستان برؤية امريكية غير واقعية، فان تجعل بلداً مثل أفغانستان بنظام ديمقراطي وهو غارق في القبائلية والاثنية كان أشبه بالمستحيل، إذ تحولت أفغانستان ونظامها الى دولة غارقة بالفساد والصراعات البينية، وكان الأجدر بالساسة أن يخلقوا نموذجاً أكثر جدية وعملية، أن يحافظوا على مكونات البلد ويدخلوا بحوارات متنوعة حتى مع طالبان لخلق نموذج افغاني ليس بالضرورة أن يكون ديمقراطياً ليبرالياً، إنما نموذج خاص بهم بعد نزع مخالب العنف التي تغلف واقعهم اليومي.
إن الخطأ الذي تم تسويقه من قبل حكومة بايدن للشعب الأمريكي وحلفاء أمريكا هو إننا اما ان نمتلك سيطرة تامة على افغانستان او الخروج التام، هذين الخيارين هما اساسا الفشل، فكان بالإمكان للعشرين سنة الماضية، خلق خيار ثالث يستند على إدخال كل العناصر المكونة في أفغانستان وتحميلها المسؤولية ودعم ذلك الخيار الثالث، ولهذا حصلت الهزيمة بالخروج التام.
أقول أن ماتحدث به كيسنجر ايضا ينطبق على العراق من خلال هذا المنظور الكيسنجري، هذا المنظور الكيسنجري كتبت عنه أنا وكتب بعض الكتاب حول هذا المنظور وقلنا على الإدارة الامريكية عدم التدخل بشؤون تشكيل الحكومات العراقية وعدم تقيد سلطة رئيس الوزراء بعدم اعدام الارهابيين ولكل بلد وضعه الخاص، وعلى أمريكا عدم جعل العراق ساحة لحروبها مع الآخرين بالساحة العراقية وعليها سحب قواتها وترك الأمر للعراقيين وعدم سماع أكاذيب الدول الوهابية واللوبي الصهيوني في استعداء المكون الشيعي العراقي، الخيار الثالث الذي تحدث به كيسينجر أجهضه ولازال يجهضه الامريكان بسبب تدخلاتهم في الشؤون العراقية وقصفهم للقوات الامنية العراقية من قوات الحشد، لذلك من مصلحة أمريكا الكف عن هذه التصرفات وعدم التدخل بشؤون العراق والكف عن معاداة شيعة العراق والمنطقة، وقف التدخلات الامريكية في شؤون العراق يبقي علاقات طيبة وجيدة مابين العراق ومابين امريكا في المجالات الاقتصادية والسياسية، شعب العراق له خصوصية في رفضه التطبيع وليس مثل دول الخليج، لكن شعب العراق ليس شريرا يريد اشعال حروب ولسنا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين وإنما نحن كشعب عراقي نرفض قمع الشعب الفلسطيني واحتلال بيت المقدس بل نرى أن بيت المقدس خاص لكل الديانات السماوية وإن كانت اوقافه عند المسلمين بشكل خاص لكن هذا لايمنع الديانات الاخرى من حق التعبد في اماكنهم في بيت المقدس، في الختام على امريكا الانسحاب من العراق ومن الشرق السوري وكبح جماح التيار الصهيوني المتطرف من افتعال الازمات عندها تبقى مصالح امريكا محترمة في العراق وغير العراق اما لغة الحرب والاحتلال والقصف ودعم العصابات الارهابية يضر في وجود امريكا بالمنطقة ويزيد نسبة الكارهين الى الوجود الامريكي بالعراق والمنطقة.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
29/8/2021