ادريس هاني ||
- حتى الآن تحرص حركة طالبان أن لا تستفزّ الأمريكيين، فالطّاغي على خطابها هو خيار الديبلوماسية والمحادثات، إنّهم ينفذون ما تطلبه الولايات المتحدة الأمريكية، وأهمّه حماية ظهر الأمريكيين، ومع ذلك هناك من يتحدّث عن انتصار.
- لا قيمة للخطاب المسرحي والبوح المتأخر بعد نهاية عهد تنفيذ مخطط دولي معين، لا أهمية للاعترافات بعد أن ننتقل إلى خطة أخرى، الأساسي اليوم هو معرفة ما لا يقال عن المخطط القادم. الإعلام حتى الآن يبني على تلك الآراء والتجاذبات الصادرة من النقاش المفتوح في مجلس النواب أو اعترافات الفاعلين، تفقد المعرفة أهميتها ، لا سيما في حقل السياسة، حين لا تأتي في وقتها المناسب. الذين ينقلون تصريحات السيناتورات والمسؤولين اليوم عن أحداث مضت، يساعدون على تجاهل أسئلة المستقبل.
- لعلّ هذه هي عقدة طالبان التي تسعى وسائل الإعلام لإخفائها، فثمة جناحان اصطدما داخل التنظيم نفسه، بين جناح نائب رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة الملا عبد الغني برادر، وجناح خليل الرحمن حقاني وزير شؤون اللاجئين، اشتباك عنيف يؤشّر على بداية تصدّع الجماعة. صراع حول الميراث الرمزي لطالبان وحول ما إذا كان ما سمّي بالنصر يعود إلى دور الديبلوماسية التي قادها برادر أم يعود إلى الهجمات العنيفة التي قادها حقاني ضدّ الجيش الأفغاني. لقد بدأ النزاع حول من هو حقيق بمجد طالبان: جناح حقاني أم جناح برادر.
- المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية ليست جديدة، ولا يمكن أن ينسب الفضل فيها لبايدن، فهي مشروع قرار بدأ في نهاية عهد أوباما ، وتمّ تنفيذ خطوات مهمة منه في عهد ترامب الذي بادر وتواصل هاتفيا مع الملا عبد الغني برادر، واليوم اتبعت إدارة بايدن الخطوات نفسها.
إنّ تاريخ حركات التحرر وأشباهها في العالم يضعنا أمام صورة لحركات أنجزت انتصارات نقية، والأخرى التي حققت انتصارات وهمية، ولكنها حافظت على الشعارات نفسها، بينما استمرت تحت الطاولة مفاعيل أجندة الاحتلال. ثمة إشاعات لا يعتدّ بها تتحدث عن إصابة برادر واختفائه، بينما تتحدث قيادة طالبان عن أن سبب اختفائه هو انتقاله إلى قندهار في مهمّة. الجوهري في الموضوع، أنّ بوادر انشقاق تستهدف النواة الصلبة لطالبان، سببها الصراع حول المكتسبات قبل استكمالها. ليست أوّل مرة يخفي فيها قادة طالبان سبب غياب بعض قادتهم، هذا ما فعلوه حسب بعض المراقبين مع خبر مقتل الملا عمر زعيم الحركة أنذاك. بغضّ النظر عن مدى واقعية هذه الشكوك، فإنّ هناك مؤشّرات حول بداية التّصدّع.
- بدأت سياسة طالبات تجاه المرأة تبرز بشكل ممنهج، يتحدث المسؤول الرياضي الجديد بشير أحمد رستمزاي عن وجود 400 نوع من الرياضة تبيحها الشريعة، لكنه لم يجب عن نوع الرياضات الخاصة بالنساء ناهيك عن ممارستها في العلن، ردّ رستمزاي على الأسئلة التي بدت لها استفزازية: رجاء، لا تسألوني المزيد من الأسئلة حول النّساء. هذا في حين أن المطلوب من طالبان أن تنصت كثيرا إلى أنين المرأة، فالمسؤول الذي سبق وشغل منصب رئيس اتحاد الكونغ فو، يجهل حكمة كونفشيوس عن المرأة، بل يجهل السيدة الصينية تشانغ خه شيان ، وهي لا تزال تزاول لعبة الكونغ فو بعد أن اقتربت من القرن من الزمن. قضية المرأة لا تقف هنا، ولا حتى فيما بدا سببا في انتقاد المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في دورتها الـ 48 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، حيث عبرت عن خيبة أملها وشجبها لاستبعاد المرأة في التشكيلة الوزارية في الحكومة المؤقتة؛ ألم يكن ذلك أبسط ما يمكن فعله في حرب العلامات وكسب الثّقة؟
لا زالت طالبان تدلّس على العالم، قبل أيّام شاهد العالم صورا منقولة من عين المكان من شهود عيان،، لعناصر من الحركة في عملية جلد بالسياط لامرأة في الشارع. لا أحد يعرف أسباب الحادثة وحيثياتها، غير أنّ طالبان في وضع صعب، حيث قضية المرأة وعلاقتها بطالبان لا يمكن أن تحلّ في تصريحات سياسوية، فالذين سحلوها في الأزقة والطرقات قبل عشرين عاما هم المسؤولون اليوم الماسكون بكل القطاعات.
يقول قادة طالبان، أن الإسلام الحنيف منح حقوقا للمرأة، ولكن طالبان كانوا يومها يتحدثون بلسان الشرع الحنيف قبل سنوات، ما الذي تغيّر، ما هي مراجعاتهم؟ الحقيقة أنّ مشكلة طالبان مع المرأة لا علاقة لها بالدين بقدر علاقتها بالتدين، لا علاقة لها بالشريعة بقدر ما لها صلة بالتّشرّع، الأمثلة كثيرة، وطالبان لا زالوا يستعملون لغة التدليس.
- إن كانت طالبان مضطرة للتدليس، فلأنها أضعف مما يتصوّر مريدوها، إنّها توجد في بحر من القوميات والتيارات المناهضة لها، والذين يتمتعون بروح قتالية متى ما مُكّنوا من الدعم، كما توجد بجوار دول قويّة ولا عب دولي كالصين وروسيا وإيران، كما أنّ واشنطن هي في وضع أضعف بكثير لا يسمح لها بالاستمرار في سياسة التدخل المباشر، الذي كلفها الكثير من النفقات بما في ذلك هيبتها وسمعتها الدولية، ليس أمام طالبان مفرّ من أن تذهب في سياستها إلى أقصى التدليس، لكن أيّا كانت هذه التنازلات، فلا يمكن أن يقوم عليها الاستقرار ما لم نتحدث عن حكومة وفاق وطني، وأن تدرك طالبان أنها ليست وصية على الشعب الأفغاني، وأنّها في أفضل الأحوال شريك في أي تشكيلة حكومية وليست هي من يقرر مصير أفغانستان.
- من يعتقد أن تسهيل مهمة سيطرة طالبان على أفغانستان هو عربون وفاء وثقة، سيخطئ في المدى المتوسّط والبعيد، والتقديرات والمصالح الجيوستراتيجية لا تقدّر بالمدى القصير، ما يجري حتى اليوم لا يحمل أي ضمانات حقيقية للمستقبل، بل هو مجرد تأجيل أزمة قادمة لا تبقي ولا تذر.
ادريس هاني / كاتب وباحث من المغرب :15/9/2021
https://telegram.me/buratha