ادريس هاني *||
- كيف بإمكان حركة لها تاريخ من المشكلات مع معظم الجوار باستثناء باكستان، أن تصبح بين يوم وليلة دولة سلام وصفر مشكلات؟ هذا بالفعل عالم سحري بامتياز.
ألم يكن هذا هو شعار حكومة أوردوغان نفسها كما نظّر لها وزير خارجيته السابق أوغلو في "العمق لاستراتيجي"؟ ما الذي حدث فيما بعد؟ حرب في كل الاتجاهات، إقالة صاحب النظرية نفسه، التي سقطت في الوقت نفسه الذي كان لا زال ينهض بحقيبة الخارجية، حيث وضعتها الأحداث الجارية في المحكّ. ثمة نظريتان أسقطتهما الأحداث في سوريا:
1- ثورات اللاّعنف لجين شارب
2- نظرية صفر مشكلات لأحمد داوود أوغلو.
نتساءل: هل تملك طالبان من المصداقية والتاريخ والثقافة والخبرة ما يمكنها من تحقيق ما عجز عنه أوغلو، أي صفر مشكلات؟
-تواجه حكومة طالبان حالة انتظار طويلة ومعقدة، هي تنتظر مبادرات للاعتراف، والآخرون، كما صرح المسؤولون في موسكو، يراقبون سلوك طالبان. هذه الأخيرة تدرك أنها تحت المراقبة، إنّها ستجتهد في تقديم صورة ناعمة عن سلوكها الذي تفضحه أشكال التنزيل القانوني، ولكن طالبان أيضا تملك من الذكاء ما يجعلها لن تفرط في أوراق القوة، ولعل أهمها ، محاولة إظهار أنها القوة الوحيدة الضاربة في أفغانستان. وسيبتلع الكثيرون هذا الطّعم. ما يقع حتى الآن في منطقة آسيا الوسطى هو شكل من تأجيل الأزمة وليس حلاّ استراتيجيا لها. ليس الأمر يتعلق هنا بعدم الثقة في سلوك طالبان، بل بدأت لا أثق في من يتعاطى بحسن نية مع طالبان؛ إنّ حسن النّية هذا لم يعد مقنعا.
- تشكو المنطقة كما هو الوضع في الشرق الأوسط من تطور أزمات بيئية، ستجعل المياه عامل تأزيم إضافي على المدى البعيد. بين أفغانستان وإيران قضية تتعلق بنهر هلمند الذي يعتبر أطول نهر يعبر أفغانستان من مرتفعات هندوكوش حتى بحيرة هامون على الحدود الإيرانية. وكانت إيران وأفغانستان قد وقع كل منهما على اتفاقية 1973، التي تؤطّر توزيع المياه، إلا أن إيران احتجت على أنّ هناك إخلالا من الطرف الأفغاني بهذه الاتفاقية، لا سيما بعد بناء سدّ كمال خان بمنطقة نيمروز الحدودية. وكان أشرف عبد الغني قد صرح عند افتتاح السّد: "سوف نعطي إيران المياه مقابل النفط".
-لعل المتضرر الأكبر من شحة المياه القادمة من أفغانستان هما إقليمي بلوشتسان وسيستان، فبسبب الجفاف هاجر ما يعادل 30 في المائة من ساكنة المنطقة إلى هوامش المدن الإيرانية الأخرى. وكان مولوي عبد الحميد زعيم الطائفة السنية في إيران، وهو من المدافعين عن طالبان، بأنّ هذه الأخيرة وعدت بحلّ مشكلة المياه.
-نقلت قبل قليل وسائل إعلام شهادات من شهود عيان عن تعليق طالبان لبعض الجثث، وذكر آخرون بأنّ طالبان ستقوم بتطبيق الحدود بطريقة غير معلنة. السؤال الأهمّ: وفق أي تأويل للشريعة سيتمّ تنفيذ العقوبات سرّا، وفي هذا تأمّلٌ شطر منه كالتالي:
- الحكمة من العقوبة في الشريعة تقتضي العلنية إن كانت مقاصد الحدود والتعازير هو الردّع، فلا قيمة للسرية.
- الأحكام في الشريعة لا تقوم إلاّ على أساس العدالة وجدل الحقوق والواجبات. ستقطع طالبان يد السارق في بلد منكوب يعيش الهشاشة ويقع تحت خطّ الفقر، ستقيم الحدود على الشبهة الأيديولوجية والظّنة العدوانية، هذا فضلا عن أنها تقيم الحدود قبل قيام الدولة، هذا ليس فقها حتى في المدرسة الحنفية.
- قبل دقائق من كتابة هذه الفقرة، كانت طالبان قد بعثت بقواتها الخاصة إلى ولاية تخار على الحدود الطاجيكستانية، كما صرح المتحدث باسم الحركة ذبيح الله. معارك طالبان القادمة لا حدود لها. ومع ذلك يضفي الإعلام الكثير من الصور الناعمة على حركة همّها الأساسي الظفر بإمارة أصولية في منطقة بالغة الحساسية.
-تدرك واشنطن بأنّ هناك من يهمّه فقط أن تنسحب واشنطن، وكل شيء بعدها يهون، وهي لذلك رمت بطالبان بين أيدي روسيا وإيران والصين كقنبلة، وحشرتهم في الزاوية ، حيث همّهم الوحيد اليوم أن لا تقع على الأرض. إنّ السياسة الأمريكية تقوم على المناورة،وهي في المنطقة خليط من حسن وسوء النّية.
-إشغال المنطقة بأزمات وحروب قادمة أمر له صلة بتدابير أخرى تتعلّق بمصير القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط، وأخرى تتعلّق بنقل السيناريو ذاته إلى آسيا الوسطى لعرقلة الوتيرة التي تتقدّم بها الصين.
ادريس هاني: كاتب وباحث من المغرب
25/9/2021