د. جواد الهنداوي *||
ينبغي أن نتمسك ونطبّق مبدأً سياسياً و اخلاقياً عنوانه " لا شئ يعلوا على مصلحة العراق دولةً و شعباً ".
كل شئ يهون من اجل مصلحة العراق . ينبغي ان تكون بوصلة التنافس الحزبي والسياسي و المناطقي هي " مصلحة العراق ".
لا تقرّر نتائج الانتخابات وحدها ، في النظام السياسي البرلماني و التوافقي ،كما هو الحال في العراق ، تشكيل الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى ( رئاسة مجلس النواب و رئاسة الجمهورية )، يجبُ أقتران النتائج بآلية التوافقات السياسية : اي ،يجبُ تكييف النتائج و تطويعها بآلية التوافق السياسي " لصنع الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى ".
نتائج الانتخابات أظهرت حصص الاحزاب والتيارات السياسية و الاخرين من اصوات الناخبين ، والتفوق الذي يحظى به حزب على آخر يمنحُ الحزب أرجحية التصويت في مجلس النواب ، وارجحية الرأي و القرار ، و ينصهر هذا التفوق ، في نهاية الامر ،في بوتقة التوافق .
غاية ما تقدّم من الطرح ،هو للقول ،بأنَّ نتائج الانتخابات ،نزيهةً كانت او يعيبها خطأ او تزوير ، ليست هي الحاسم الاساسي في تشكيل السلطات الدستورية ، التوافق السياسي بين المكونّات الاساسية و الاخرى للشعب العراقي ، والمُتمثلة ( واقصد المكونات ) بالاحزاب و التيارات و الكُتل و الشخصيات السياسية ، هو العامل الحاسم .
سيهون كل شيء ،عندما تدرك الاحزاب السياسية بأنَّ معبرْ التوافق ، والذي يلي النتائج ،اهم بكثير من النتائج . ايماننا بالتوافق و تعويلنا عليه سيكسبنا الوقت في تشكيل الحكومة ، والحيلولة دون تعطيل وتأخير عمل الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى .
وينبغي ان يكون معيار التوافق وهدفه هو مصلحة العراق شعباً ودولةً وسيادةً.
لن يستطعْ العراق ، كما اعتقدُ و كما تدلُّ و تشهد مسيرته السياسية منذ عام ٢٠٠٥ ،ان يخرج من نظام التوافق السياسي ، و لا ضير في ذلك ،بل في الامر نعمة و حكمة لتنوعّ القوميات و المذاهب و الطوائف و العشائر في العراق ، ولكن بشرط ان يُستخدمْ هذا التوافق من اجل مصلحة العراق وخدمة شعبه ، وبشرط ايضاً ان يسمح هذا التوافق في توظيف كفاءات العراق وموارده ، و اشاعة العدل ومبدأ تكافئ الفرص ، و أنْ لا يقود الى المحسوبيّة و المنسوبيّة و الزبائنيّة .
لطاما مقّتُ استخدام مفردة " المُحاصصة " ، واستبدلها دائماً بمفردة " مشاركة " و ادعوا الى استخدام مفردة " المشاركة " بدلاً من " المُحاصصة" في قاموسنا السياسي ، لأنَّ مبدأ التوافق الايجابي الهادف و المُهتدي بمصلحة العراق قائم على المُشاركة في خدمة الوطن ، وليس على المُحاصصة في استخدام الوطن .
سيّتمُ ، إنْ عُدلتْ او بقيتْ على حالها نتائج الانتخابات ،تشكيل الحكومة وفقاً لمبدأ التوافق .سيتفقُ المكّون الشيعي على اسمِ المُرشح التوافقي ، و لن تتورط المكونات الاخرى الاساسية ( الكُرد و السنة ) بدعم هذا او ذاك الجناح في المكوّن الشيعي ،لانها تدركُ تماماً بانًّ فلك السياسة دوّار ، وان دعمها لهذا او ذاك الجناح ليس امراً محموداً و لا يسّرُ المرجعيّة الرشيدة .
لنغتنم هذه المرحلة السياسية التي تمّرُ بها المنطقة ، و ليتميّز العراق بأنجازاته الديمقراطية وبأيجابيات التوافق ، ولتتنافس القوى السياسية في خدمة العراق و اعلاء كلمته و اعادة هيبته ،من خلال برامجها و مواقفها السياسية الوطنية ، لتتنافس القوى السياسية من اجل بناء الدولة . بناء الدولة و مقوماتها اهّم بكثير من تقاسم السلطة ، وسيذكر التاريخ بالحُسنى اولئك الذين ساهموا و يساهمون في بناء دولة وهيبة العراق ،بقرار او بفكر او برأي داعي للحق وللعدالة .
*سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل .
في ٢٠٢١/١٠/٢٦