د. جواد الهنداوي *||
تفاجئت المملكة ،على مايبدو، بردّة الاستغراب والاستهجان العربي والدولي ، على مستوى الشعوب والدول ، على قرار وموقف المملكة تجاه لبنان ، وبسبب تصريحات الوزير جورج قرداحي ،و التي قالها ،قبل استئزاره ، و الخالية ( واقصد التصريحات ) من ايّة اساءة للمملكة . ومحُق جداً وزير خارجية لبنان ،حين وصف في تصريح له " قساوة الموقف السعودي " .
اضطرت المملكة اذاً بتقديم تبرير آخر لموقفها ،الا وهو " هيمنة حزب الله على لبنان " ، هذا ما جاء على لسان وزير خارجية المملكة السعودية بتاريخ ٢٠٢١/١٠/٣١ . وتتناقل الصحافة اللبنانية ( جريدة الاخبار اللبنانية ، الصادرة بتاريخ ٢٠٢١/١١/٢ ) ، خبر مفاده ان المملكة اشترطت من الحكومة اللبنانية الاجتماع و
اصدار بيان تدين فيه حزب الله !
لأي سبب ادانة حزب الله ؟ لربما لمقاومته لاسرائيل و لجلبه الوقود من ايران ، وتأييده للحوثيين .
أصبحت الساحة اللبنانية ، المسرح السياسي الوحيد ،الذي يمكن ان تستخدمه المملكة لعرض ما تبقى لها من نفوذ في المنطقة ؛ خسرت و تخسر في اليمن عسكرياً و سياسياً ، خسرت وتخسر في سوريا ، وتبخّر دورها مابين سيطرة الجيش العربي السوري وثبات وصمود الرئيس الاسد ،وبين التدخل القطري و الاحتلال التركي و الامريكي ؛ و جُلَّ ما تتوصل اليه مع الايرانيين هو استمرار مباحاثات و مباحاثات دون نتائج ملموسة لصالحها ،لا في لبنان و لا في سوريا و لا في العراق و لا في اليمن و لا في فلسطين . ومن طبيعة الايرانيين ، ليسوا على عجالة في أمرهم ، ولن يتنازلوا و إنْ كانوا في اصعب الظروف . الطرف الوحيد القادر على تغيير موقف المملكة هي الإدارة الأمريكية ،و ما ينتظره ويتمناه الامير محمد بن سلمان هو أنْ تطلبُ منه امريكا ذلك .
موقف المملكة تجاه لبنان يكشفُ عن جزعها و عجزها تجاه جميع الفاعلين في المشهد اللبناني ، وعلى مختلف طوائفهم و قومياتهم ، لا يوجد طرف في لبنان اليوم يسترعي انتباه المملكة ويفوز بثقتها غير سمير جعجع ، فعليّهِ تُعّول ، وتظّنُ به الفوز !
ما تمارسهُ المملكة هو بداية لسلسة ضغوط سياسية و دبلوماسية و اعلامية على لبنان ، وتتدرج نحو اخرى اقتصادية حتى موعد الانتخابات ، وبأمل تحقيق بعض الانجازات ،أهمُها نفوذ لها في لبنان و محاصرة حزب الله ، وكأنَّ معركة حزب الله مع السعودية وليس مع اسرائيل !
السياسة القاسية للمملكة العربية السعودية تجاه لبنان ( وكما وصفها وزير خارجية لبنان) ،تجعلنا نعتقد بعدم تردّد المملكة بشّن هجوم عسكري على لبنان ،لو كان بين لبنان و المملكة حدود مشتركة ، و على غرار ما فعلته المملكة تجاه اليمن ،معتقدةً بالقضاء على الحوثيين ، و الذين هم ، حسب المملكة ، ذراع لايران .
سياسة المملكة ،في المنطقة ، مبنيّة على مبدأ محاربة النفوذ الايراني ( والذي يشكّل خطر على اسرائيل ) اين ما وُجدْ في اليمن في سوريا في لبنان في العراق وفي فلسطين ، ولم تخفْ المملكة ذلك ،تقولها علناً اعلامياً و رسمياً . وهذا ما تريده وتسعى اليه كلُ من اسرائيل و امريكا و عملائهم في المنطقة ، علماً انَّ لايران نفوذ ( ولو بدرجة اقل ) وعلاقات في قطر و في الامارات و في عُمان ، ولكن هذا النفوذ وهذه العلاقات لا يشكلّان خطر على اسرائيل ، لذا يتعايش ،على ما يبدوا مع سياسة المملكة .
اذاً " هيمنة حزب الله على لبنان " كذبة و ذريعة كذريعة وحُجّة تصريح السيد جورج قرداحي لتبرير سياسة الضغط و التشديد على لبنان .
محاربة حزب الله و سرقة ثروات لبنان و الاستمرار في احتلال اراضي لبنانية هو مشروع اسرائيل في المنطقة ، و مَنْ يشارك اسرائيل في هذا الهدف من دول و احزاب هم وكلاء اسرائيل في المنطقة .
* سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل
في ٢٠٢١/١١/٢
https://telegram.me/buratha