د.جواد الهنداوي .
سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .
في ٢٠٢١/١١/٢٤.
أدركت دول المنطقة ،الواحدة تلو الاخرى ، بضرورة تحرّر سياساتها ، من الاملاءات الامريكية والاخرى ، و بدأت تتبنى مبادرات انفتاح و تواصل فيما بينها، تتجاوز عقبات و مساوئ و مواقف الماضي .
وقد تكون دولة الامارات العربية المتحدة خير مثال و نموذج لدبلوماسية التحرّر والانفتاح في سياستها الخارجية ، وقد تقدّمت على قطر في هذا التوجّه .
لم تترّدْد الامارات من مفاجئة الجميع بعلاقات علنيّة ،عميقة و متنوعة و متطورة ،مع اسرائيل ، قد تتفوّق على علاقاتها مع اشقاءها العرب !
لم تعرْ الامارات في مسيرتها تجاه اسرائيل ايَّ اهتمام و مراعاة لما تبقى من الثوابت العربية تجاه القضية الفلسطينية ، ولا للعمل العربي المشترك او الخليجي المشترك تجاه اسرائيل ،فهي ( اي الامارات ) تعدّتْ حدود التطبيع ،التي بلغتها بعض الدول العربية .
تحرّرت الامارات من كل الاعتبارات العربية و الاقليمية ( ايران) في مسيرتها تجاه اسرائيل ،ولمْ تخشْ عتب او غضب الاشقاء او الاصدقاء او الجيران ، فمسؤوليها وبارفع المستويات يتناوبون في الزيارات لاسرائيل ولأيران . وتُعيد الامارات علاقتها مع سوريا ، وتطورّها مع الصين ، غير مكترثة بالتحذير الامريكي .
وقريباً سيّلبي الشيخ محمد بن زايد دعوة الرئيس اوردغان لزيارة تركيا .
هل ستتخطى الامارات ،في تحركاّتها هذه عتبة لبنان ،أمْ تلتزم سياسة الحصار الامريكي و الخليجي المفروضة عليه ؟
الانفتاح الاماراتي تجاه سوريا و تجاه تركيا والزيارات لايران رسائل للجميع مفادها بأنَّ انفتاح الامارات ليس حكراً على اسرائيل ، وانما تجاه جميع دول المنطقة ، وأنَّ الامارات تحرّرت ليست فقط من عُقدة التواصل رسمياً وعلناً مع اسرائيل ، وانما تحرّرت ايضاً من عُقدة الاخوان المسلمين تجاه تركيا ، ومن عقدة التواصل مع الحكومة السوريّة ، وان العلاقات الاماراتية الاسرائيلية لن تقف حائلا امام ارادة الامارات في تطوير علاقتها مع ايران .
هل تريد الامارات القول بأنَّ التطبيع مع اسرائيل لا يحُولُ دون علاقات ايجابية مع خصوم و اعداء اسرائيل ، وا قصد ايران وسوريا و العراق ، وهل ستقّدم الامارات نموذجاً للدول التي تنتظرُ التطبيع ؟
قرأت الامارات جيداً التحولات الاستراتيجية التي يمّرُ بها العالم ، فسارعت الى تبني سياسة التّحرر من تحديات و عقبات التواصل و التراضي مع الجميع و التعايش أيجابياً مع معهم .فما هي هذه التحولاّت ؟
أولها و أهمّها هي وصول امريكا الى حالة " الرجل المريض " . ادركت دول المنطقة وكذلك الكيان الاسرائيلي رفع امريكا يدها عن المنطقة ، وبدأت ( واقصد دول المنطقة والكيان الاسرائيلي ) بالتمرّد على الاملاءات الامريكية ، هاهي اسرائيل ،مثلاً،ترفض الامتثال لطلب امريكي يدعوها الى الكف عن ممارسة نشاطات تخريبية واستفزازية ضد المصالح و المؤسسات الايرانية ، حسب ما نشرته جريدة نيويورك تايمز في عددها الصادر بتاريخ ٢٠٢١/١١/٢٢. كرّرت الامارات توجهها نحو اسرائيل في مبادرتها تجاه سوريا وفي تعاونها الاقتصادي مع الصين . وكانت ايران اول دولة في المنطقة تقف سياسياً وعسكرياً بوجه امريكا ، وتتعامل معها بالندّية ، وتقصف معسكراتها وتسقط طائرتها العمالقة وتأسرُ بواخرها . كذلك تركيا ،التي لم ترضخ لاملاءات امريكا بعدم اقتناء منظومة الصواريخ الروسيّة المتطورّة .
لن يعُدْ امام دول المنطقة حلاً و مخرجاً غير سياسة الانفتاح على بعضها البعض ، والتعاون مع بعضها البعض . فشلتْ حملة الارهاب و التآمر و الحصار والحروب والعقوبات لاخضاع بعض الدول ، كما ادركت دول المنطقة ، بأنَّ الحفاظ على امنها وسيادتها لا يتّمْ الاّ من خلال احترام الجغرافية السياسية للمنطقة ، وخلق توازن سياسي لمعالجة الفارق العسكري والسكاني و الاقتصادي بين دول المنطقة .