د . جواد الهنداوي *||
منذُ ما يقارب ثمانيّة عقود من الزمن والمنطقة تعيش ملازمة " حالة خطورة الوضع " . لم تفارق المنطقة هذه الملازمة .وعندما نكتب او نتحدّث عن خطورة الوضع في منطقة الشرق الاوسط اليوم ، فلا نعني حرباً اسرائيلية عربية ،كما كان الامر ،في الماضي القريب ، وانما المقصود حرباً ، قد تشّنها اسرائيل على ايران ،بهدف منع ايران حيازة التقنيّة النوويّة ،التي يجب ان تكون حكراً على اسرائيل في المنطقة ، ولا يحّقُ لدولة اخرى في المنطقة مِنْ حيازتها . و اصبحَ هذا الاحتكار حقاً مُقدسّاً لاسرائيل ،يجبُ على العالم دولاً و منظمة امم متحدة و مجلس أمن الالتزام به ،بل و الدفاع عنه ،حتى لو استلزم الامر حرباً تشنهّا اسرائيل على ايران او على ايّة دولة اخرى تحاول اقتناء التكنلوجيا النوويّة ، ستكون حرباً مشروعة ، طالما الفاعل اسرائيل ، وسيُركن جانباً ميثاق الامم المتحدة ، وستُعّطل مفاهيم الامن والسلم الدوليّن و حقوق الانسان و احترام سيادة الدول وحق الشعوب ، الخ … تعاني شعوب و دول المنطقة اقتصادياً و أمنياً و سياسياً ، وتدفع ثمناً مُقدّماً و باهضاً ، بسبب مخاوف وهواجس اسرائيل من احتمال امتلاك أيران سلاحاً نووياً !
و اصبحت التهديدات الرسمية الاسرائيلية بقرب شّنْ حرب على ايران ، والاعتداءات العسكرية الاسرائيلية المتكررة على سوريا وعلى العراق ، مقبولة اممّياً و دولياً، و لا تواجّه لا بأستغراب و لا بقلق دولي او اممي ، ولا تهدّدْ الامن والاستقرار الدوليّن ، وكأنَّ هذه التهديدات و الاعتداءات امراً مشروعاً .
أصبحت احداث و وقائع المنطقة تُفّسرْ على ضوء العلاقة النوويّة بين ايران واسرائيل ، وتُفسّر بأعتبارها مؤشرات لهجوم اسرائيلي -امريكي وشيك على ايران .
السيد عبد الباري عطوان يرى في " الهجوم السعودي الشرس وغير المسبوق على سوريّة وعلى الرئيس الاسد " ، والذي وردَ في كلام السيد مندوب المملكة العربية السعودية في الامم المتحدة ، مؤشراً لاقتراب الحرب على ايران ( جريدة رأي اليوم الالكترونية بتاريخ ٢٠٢١/١٢/١٩ ) .
مُحلّلين كُثر يقرأون في فشل المفاوضات الغربية الايرانية في فينا حرباً قادمة بين اسرائيل وحلفائها من جهة وايران وحلفائها من جهة اخرى .
لا بُّدَ لاسرائيل ولامريكا من خلق ذرائع ومبررات ،يمكن تسويقها للرأي الامريكي و الدولي ،من اجل شّنْ الحرب على ايران ،ان عزموا على ذلك ، وانا لا اراهم فاعلون لذلك ولا هُمْ قادرون على ذلك ،ليس لافتقارهم للقوة وللسلاح ، وانما لعدم توقعهم لنتائجها ولعدم قدرتهم على تحمّل كوارثها .
ارى ثلاث وقائع او ظواهر تدور في اسرائيل وفي العراق وفي روسيا قد تعطي مبررات لاسرائيل و لامريكا بشّن حرب ؛
تشهد اسرائيل ، ومنذ شهر تقريباً ، تصاعد ملحوظ لعمليات مسّلحة تقوم بها فصائل المقاومة الفلسطينة ، و آخرها العملية التي نفذها فلسطينيان قرب مستوطنة حوتس في محيط نابلس ، وقتل فيها مستوطن اسرائيلي وجُرح اثنان من المستوطنين . بطبيعة الحال ، اسرائيل تعتبر وتصف عمليات المقاومة بانها اعمال ارهابية ، ويتفق مع اسرائيل في هذا الوصف امريكا وكثير من دول العالم ، و ربما حتى السلطة الفلسطينية ، وبعض العرب .
و اسرائيل و امريكا وبعض العرب يعتبرون ايران دولة راعية للارهاب ، وايران لا تخفي مساعدتها العسكرية والمادية لفصائل المقاومة الفلسطينية .
يشهد العراق ايضاً ومنذ شهر ارتفاع ملحوظ في العمليات الارهابية التي تقوم بها عصابات او تنظيمات داعش الارهابية ، ونتمنى ان لا تتكرر وتتفاقم ،في الايام المقبلة هجمات داعش الارهابية . لا احد يجهل الارتباط والتواصل بين تنظيم داعش و دوائر المخابرات الاسرائلية و الامريكية ، والهدف خلق اجواء و مشاهد في المنطقة، توُصَفْ من قبل اسرائيل و امريكا و بعض دول العالم بالارهاب ، وان الارهاب يهدّد امن وسلام اسرائيل و العراق و المنطقة ، وهذا قد يعطي مبرراً لاسرائيل و لامريكا بشّن حرب بعنوان " القضاء على الارهاب و داعميه " ، أنْ قرّروا ذلك ، وانا لا اعتقد ،كما ذكرنا اعلاه ، قادرون او عازمون على خيار الحرب .
التحشيد العسكري الروسي على الحدود الشرقية لاوكرانيا و المناورات العسكرية الروسية يتزامن مع أخبار و توقعات الحرب التي تهّدد بها اسرائيل ايران و المنطقة، وقد يدّلُ ايضاً بأنَّ لدي السلطات الروسية المختصة معلومات على ارادة حرب اسرائلية ، و حدوثها يفرضُ
على امريكا الاصطفاف مع اسرائيل . قيام اسرائيل و بدعم امريكي بالاعتداء على ايران ، حدثٌ يشجّعُ روسيا على الاقدام في حماية امنها القومي من مخاطر توسّع حلف الناتو ، و زرع قواعد له شرق اوكرانيا وعلى الحدود الاوكرانية - الروسية .
لا يمكن لامريكا وحلفائها ان تلّوح بحل عسكري ، وبواسطة اسرائيل ،ضد ايران ،بسبب شُبهة او احتمال قيام ايران لاستخدام عسكري لتقنيتها النووّية ، وهي ( واقصد امريكا ) تطلب من روسيا بعدم اللجوء الى توغل عسكري روسي على الحدود الروسية الاوكرانية ،لمنع اوكرانيا من السماح للحلف الاطلسي ببناء قواعد عسكرية له على الحدود الروسية ، مما تعتبره روسياً تهديداً خطيراً للأمن القومي الروسي .
*سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل .
في ٢٠٢١/١٢/١٩ .
https://telegram.me/buratha