سارة الزبيدي||
الكلام كثير ومفصل، حول هذا الموضوع المهم والمحوري، والذي له الاثر البالغ والكبير في تغيير الواقع المرير، الذي يعيشه العراق، من ازمات اقتصادية وبطالة مقننة، والكثير من الازمات المتعلقة بهذا الشأن، في بادئ الامر يجب ذكر بعض الامور، التي من شأنها الايضاح للمتلقي انطلاقاً من تعريفه وصولاً لما آلت اليه الاحداث المتعلقة بهِ.
ما هوميناء الفاو؟ ومن أين بدأت الحكاية؟ وكيف وصلت الى هذا الحد؟ وما هي الازمات والعقبات المفتعلة التي واجهت هذا المشروع الضخم؟
نبدأ من تفاصيل المشروع والاحصائيات التي من شأنها ان تعرفنا أكثر حول ميناء الفاو:
ما لايعرفه الكثيرون، ان فكرة المشروع بدأت في العهد الملكي حيث كانت مدرجة في قائمة المجلس الاعلى للاعمار، الا انه لم يرى النور حينها.
بعد مرور فترة طويلة من الزمن، وبعد الاحتلال الامريكي للعراق، حيث استقر الرأي على تسميته (بميناء الفاو الكبير)، كانت اول بوادر نحو البدأ بالمشروع، في 26 تشرين الثاني من عام 2014، حيث اعلنت في حينها وزارة النقل في حكومة "نوري المالكي " وعلى لسان وزيرها "هادي العامري " عن البدأ بأنشاء الميناء، حيث تم ابرام عقد بقيمة "511" مليون يورو مع "شركة دايو الكورية " التي استلمت انشاء كاسر الامواج الغربي بطول "16 كم ".
في حين تسلمت "شركة اركيدرون " احدى اكبر الشركات اليونانية الجزء الشرقي لكاسر الامواج بقيمة "240 " مليون يورو ويمتد بطول "8كم " ويصل الى خور عبد الله.
تجدر الاشارة الى ان "كاسر الامواج العراقي " يعد اطول كاسر للامواج في العالم ودخل على أثره (موسوعة غينيس) للارقام القياسية كأطول كاسر للامواج في العالم بطول 14.5 كم بعد ان تصدر هذا اللقب كاسر الامواج الامريكي في ميناء (كالفستون) في ولاية تكساس الامريكية بطول 10.85 كم.
حيث كانت الكلفة الاجمالية للمشروع تصل الى مليار دولار ينفذ المشروع في منطقة (رأس البيشة) بشبه جزيرة الفاو على كتف محافظة البصرة وعند نهاية الجرف القاري للعراق بمبلغ يصل الى اكثر من(4 مليار ونصف الدولار).
حيث تقدر طاقة الميناء ب 99 مليون طن سنوياً .
وضعت تصاميم الميناء (شركة تكنيتال) الايطالية ليكون واحد من اكبر الموانئ المطلة على الخليج العربي والعاشرة على مستوى العالم.
وبأستقبال السفن التي تزيد حمولتها عن 100 الف طن سنويا وسيوفر موارد مالية كبيرة ستبلغ 400 مليار دولار سنوياً،
حيث سيدخل منافس للبترول وعلى ضوئه ستتأسس وتتهيكل الموازنة بدل عن البترول.
تجدر الاشارة الى ان اتمام المشروع سيغير خارطة العالم للنقل البحري العالمية لانه سينقل البضائع من الصين واليابان وباقي دول شرق اسيا حيث سيحل محل ميناء السويس ويتسبب في اندثار موانئ الخليج الاخرى.
وعندما شعرت الكويت بخطورة الموقف وان العراق سيتصدر المشهد بأحتكار الملاحة البحرية قامت بمزاحمت العراق بأنتهاكها ميثاق الامم المتحدة المرقم (833) الذي يقضي بتنظيم الملاحة في خور عبد الله.
حيث شرعت بأنشاء (ميناء مبارك) في (جزيرة بوبيان) في الممر الملاحي المؤدي الى موانئ العراق ولتنافس بذلك ميناء الفاو ولم تكتف الكويت بذلك بل سعت من اجل انجاح مشروعها بمحاولة منح الرشى لضعاف النفوس من الساسة العراقيين من اجل تعطيل ميناء الفاو واتمام بناء ميناء مبارك .
اما الامارات التي ستكون احدى اكثر الدول تضررا بسبب ميناء الفاو الكبير حيث ذلك من شأنه ان يؤدي الى انهيار الاقتصاد الاماراتي لذلك ارتأت الامارات بعدد من المخططات لافشال المشروع والتي سنشير اليها لاحقا.
اما فيما يخص موقف الجمهورية الاسلامية في ايران، من قضية مشروع ميناء الفاو، فقد سمعنا كثيراً من الاعلام الاصفر، حملات كثيرة وواسعة في هذا الشأن، والذي استغله البعض لتأجيج الخلاف مابين العراق وايران، الا انه وفي حقيقة الامر الموضوع بأيجاز كالتالي:
ايران تبحث عن متنفس تجاري يقلل تاثير عقوبات اميركا عليها، من خلال ربط سككي وبري مع العراق الى شرق اوربا، من خلال طريق اخر بري وليس الطريق البحري، الذي يربط ميناء (كوادر) في باكستان، حيث ان الطريق الأخر البري يربط ايران بالعراق، عن طريق سكك حديد وهو واحد من اصل 6 ممرات تعرف ب"طريق الحرير" الذي تسعى الصين لأنشائه، لأيصال البضائع الى اوربا وليس كما يشاع، ان ايران تحاول ايقاف بناء ميناء الفاو .
انتهت ولاية رئيس الوزراء الاسبق(نوري المالكي)، حيث كان العراق في حينها يملك ميزانية انفجارية، لتحل محلها حكومة التقشف برئاسة (حيدر العبادي)، الذي قرر بدوره ايقاف انشاء المشاريع في العراق والتي من ضمنها ميناء الفاو.
وفي عام 2018 تسلم السلطة (عادل عبد المهدي)، حيث كانت اهم الخطوات التي شرع بها، هي في ابرام معاهدة مع الصين، لاعمار البنى التحتية في العراق، مقابل النفط، والذي اولى اهتماما بطريق الحرير، الذي عملت عليه الصين منذ عام 2013، والتي كان في مقدمتها اتمام ميناء الفاو الكبير ب 350 رصيفا ومطار للطائرات، ومدينة تتكون من 100 الف وحدة سكنية.
حيث ان هذا المشروع العملاق والمهم، لو قدر له ان يرى النور، لأصبح العراق خلالها حلقة الوصل مابين قارات العالم الثلاث، لكن هيهات فقد استمرت المخططات، التي كانت ومازالت تسعى الى اندثار هذا المشروع الكبير، والذي سيتسبب في انهيار الاقتصاد لبعض الدول، التي منها الكويت والامارات والسعودية، كذلك هناك جهة اخرى ليس من صالحها اتمام المشروع، واعني بذلك الولايات المتحدة الامريكية!
وفي حال نجحت الصين بأتمام طريق الحرير، هذا يعني سيطرة الصين على الاقتصاد في المنطقة، والتي تعتبرها امريكا منافساً قويا لها في العراق، والذي من شانه ان يوقف استغلال امريكا لمقدرات العراق الاقتصادية، والذي تعتبره امريكا من ممتلكاتها كونها تسيطر على العراق وثرواته بحكم احتلالها العسكري له.
وعليه ولأجل عدم اتمام المشروع وبتخطيط امركي وبتنفيذ خليجي (سعودياماراتيكويتي) من افتعال مشاكل داخلية في العراق، من خلال استمالة السياسين، بشراء ذممهم بالاموال، يضاف الى اشاعة الفوضى داخل العراق، من تأليب الشارع العراقي، حيث تم استغلال نقمة الشعب العراقي، المتراكمة من سوء الخدمات المقدمة للمواطن والتي تحمل عواقبها رئيس الوزراء (عادل عبد المهدي) ومن اجل افشال اتفاقية الصين، والحد من اتمام بناء ميناء الفاو.
تم افتعال مظاهرات من قبل هذه الدول، بعدد من المدونين، والصفحات الممولة بعدد من المغريات، والتي من ضمنها الدعم المالي الكبير من قبل السفارة الامريكية، ودول الخليج بما فيهم البعثيين الذي اتخذو من هذه الدول ملاذ امن لهم.
ولا اقول هذا الكلام جزافاً، انما هناك دلائل كثيرة تشير لصحة هذا الادعاء، والمتابع للاحداث لاحظ هذا الامر، وكيف بدأ هؤلاء المدونين والناشطين من كشف هذه الامور وعلناً وع شاشات التلفاز ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
حيث تمكن هؤلاء بترأس المشهد، واستغلال نقمة الشعب العراقي المظلوم، الذي يطالب بأبسط حقوقه بالعيش الكريم، والتي راح ضحيتها عدد غير قليل من الشباب المغرر بهم، وبدم بارد والنتيجة كانت بأزاحة عادل عبد المهدي، الذي تعرض لهجمة اعلامية شرسة مما ادت به الى تقديم استقلته بعد 10 اشهر فقط، من استلامه منصب رئيس الوزراء لدولة العراق.
وكان هذا حائلاً دون اتمام اتفاقية الصين، والتي من شأنها ان تنهض بمستقبل العراق وتجعله احد اهم الدول المتقدمة اقتصادياً، والتي ستوفر فرص عمل كثيرة وتقضي على البطالة، وتنفذ عدد من المشاريع الضخمة، والتي كان اهمها انشاء ميناء الفاو الكبير الا ان الاسباب انفة الذكر حالت دون ذلك.
والان وبعد ان استلم السلطة رئيس الوزراء الجديد (مصطفى الكاظمي)، اليد الامريكية الضاربة لافشال هذا المشروع، حيث كانت احد الاعمال، التي قامت بها حكومته هي طرد شركة دايو الكورية، المتعاقدة لإنشاء الميناء، والتي وجد مدير شركتها مقتولاً وليس منتحراً كما اُشيع في الاعلام، حيث كانت هناك دلالات واضحة، تشير الى انها كانت جريمة قتل احدها الكدمات التي كانت على جسده، وقضية تعليقه بحبل المشنقة، بأرتفاع بسيط عن سطح الارض ..الخ من امور واضحة.
كل هذا يخدم من ومن له اليد في ذلك ؟ هنا السؤال للمتلقي الكريم.
ولاندري هل سيرى ميناء الفاو النور بعد العتمة التي اصابته، ام انه سيندثر كما اندثرت غيره من المشاريع في العراق ؟!
وكان الله في عوننا ..
والسلام على من اتبع الهدى.