ا.د جهاد كاظم العكيلي *||
تتقلب أحداث العالم وفق المصالح الرئيسية التي تجدها الدول الكبرى بأهمية نمو وإزدهار إقتصادات بلدانها وتوسع نفوذها عبر العالم، بما يخدم سياستها على الصعيدين الآني والمستقبلي ..
ووقفة بسيطة عند دول الشرق الأوسط على وجه الأخص، سنجدها أن هذه الدول هي من جلب إنتباه العالم ومنها الدول الكبرى بأهمية وجود النفط فيها، ومواد خام أخرى على أراضيها مما دفع بالدول الكبرى أن تتحرك لبسط نفوذها في الشرق الأوسط لغرض تحقيق مصالحها الإقتصادية المتعددة ..
وما أن تمددت أذرع الدول الكبرى في الدول النفطية الشرق أوسطية أخذت أهمية البحار والقنوات البحرية والأنهر والمياه تجلب إنتباه هذه الدول أيضا لضمان إستمرارية تدفق النفط إليها من دون أن تسمح لأحد أن ينافسها في ذلك، لكن مع تطور الزمن ودخول الصين في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي كقوة كبرى إتجهت نحو توسيع نفوذها الإقتصادي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموما، وهو أمر أزعج دول الإتحاد الأوربي وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية كثيرا، حتى أخذ الصراع يظهر بشكل مختلف على وفق تلك المصالح ..
وقدر تعلق الأمر بالعراق، فهو البلد الغني بالنفط وذو الموقع الجغرافي المهم والإستراتيجي المتميز في منطقة الشرق الأوسط، لما يتميز به من وفرة في الموارد، ولقربه من طرائق الملاحة البرية والبحرية التي يمكنها أن تعيق المشروع الأمريكي من وجهة نظر الصين والعكس صحيح أيضا وميناء الفاو مثال على ذلك ..
ووفقا لهذا القياس، فقد أصبح العراق يشكل نقطة حرجة للدول الكبرى ودول أخرى بعيدة وقريبة منه عربية وأجنبية، لكن الواقع السياسي العراقي أصبح لا ينسجم مع أهمية دور العراق الإقتصادي وتأثيره في المنطقة، وذلك بسب غياب المشروع الوطني في أعقاب الإحتلال الامريكي 2003 الذي رافقه ظهور أحزاب فاسدة غابت بسبب أفعالها اللامسؤلة قيام سلطة مركزية ما جعلت من العراق دولة خاضعة للتدخل الأجنبي متعدد الأشكال والنوايا السيئة، ومنها سياسة البنك الدولي التي إستهدف إبقاء العراق ضمن التبعية المالية الدائمة من خلال ما رافقها من شروط الإقتراض التي تقيد البلد وتهدر أمواله، ومنها ذلك الشرط الذي قضى برفع قيمة الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي في سابقة خطيرة لم تكن لتحدث في أي بلد آخر، وهي نوع من أنواع التبعية الإقتصادية بشكلها الجديد ..
إن أهمية الفاو وميناءه المرتقب التي أرادت الصين أن تستكمل من خلاله مشروع طريق الحرير الذي يصل من جنوب غرب الصين مرورا بميناء المياه العميقة الباكستاني في جوادر الذي اكتمل في عام 2006على أيدي الصينيين، ومن ثم إلى مضيق هرمز، وبعدها إلى الفاو، ثم برا عبر الأراضي العراقية إلى تركيا ثم أوربا، أي أن الصين أرادت من مشروعها هذا أن يصل إلى أوربا عبر بوابة العراق، وكان من بين أهم أهدافه خدمة العراق إقتصاديا وتنمويا وصحيا وتربويا، وليزدهر في جميع مناحي الحياة الأخرى، لكن الولايات المتحدة الأمريكية أدركت خطورة هذا المشروع العملاق على مصالحها فدخلت على الخط بحرب إستباقية لإفشال المشروع الصيني عبر تغيير توجهات الحكومة العراقية إلى شركات أخرى مشكوك في قدرتها على إنجاز العمل في هذا الميناء المهم وفق المواصفات الصينية التي تسهم بإنعاش الوضع الإقتصادي في العراق بحسب رأي المتخصصين والمحللين بشؤون الإقتصاد والمال والتجارة ..
وهنا يمكن القول أن العراق سوف يخسر زمن إضافي غير معلوم في تكوين بُناه المادية والمالية يقابله تراكم تبعات ماليه خطيرة جدا بسبب تراكم الديون وسياسات الإقتراض المشروطة من قبل البنك الدولي، بمعنى آخر ان مشروع الفاو بالرغم من أهميته الإستراتيجية للعراق والدول المجاورة، سيفقد أهميته الإستراتيجية هذه إذا ما ظل سوء الإدارة العراقية على ما هو عليه الآن والسير وفق أجندات وإشتراطات خارجية بتغيير مسار مشروع ميناء الفاو ليمر بإتجاه الإمارات ثم السعودية ومنه إلى ميناء العقبة المجاور لميناء إيلات الإسرائيلي، ستدفع بالعراق إلى الوراء حتما، ومن دون أن يحرز أي تقدم واضح في كل الميادين ومنها ميدان الإقتصاد والتنمية على النحو الذي ذكرنا ..
* إعلامي وأكاديمي عراقي
https://telegram.me/buratha