كندي الزهيري||
جميع الحضارات تمر بثلاثة اطوار هي " طور البناء ، وطور التطوير والتوسع ، وطور الانشطار الداخلي " ، وان تتبعنا جيدا مسار الحضارات السابقة ، سنجد بانها هرمية النشأة بين الصعود والقمة والهبوط .
حتى وان كانت تلك الحضارة حضارة الصالحين ، فلا بد من ان ترى وقت معلوم لنهايتها ، ولا ننسى بان أي حضارة تهفت في مكان ما ، تشع حضارة اخرى في مكان اخر ، انها سنة الكون.
لا نستغرب ان تنشر الصحف الامريكية عن نهاية امريكا ، منذ سنوات والهوليود تنتج افلامها حول نهاية امريكا ، وان كانت تلك النهاية بحوادث طبيعية ، لكونها تعطي رسالة بان لا احد يستطيع هزم امريكا مطلقا ، الا الطبيعة ، وهذا التصور ناشئ من نظريات دينية صرف .
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالات وبحوث ودراسات لعدة كتاب، مثل ميشيل جولدبرج ، الحائزة على جائزة بوليتزر التي تقدمها سنويا جامعة كولومبيا وجاء المقال تحت عنوان، ”هل نحن حقا بصدد مواجهة حرب أهلية ثانية؟”.
(هذا يستحق أن تضعه في الاعتبار حتى وإن كنت ترفض من داخلك فكرة أن أمريكا يمكن أن تسقط في أتون حرب أهلية مرة أخرى. على الرغم من الرعب المستمر الذي ينتابني عندما أتخيل تفكك هذا البلد على حين غفلة منه، أجد أن فكرة الانهيار التام أمراً صعب التخيل، على الأقل بالنسبة لي. لكن بالنسبة لمثل هؤلاء، كـ ”باربرا والتر”، الذين يدرسون الحرب الأهلية، فإن تصدُّع أمريكا يبدو، إن لم يكن واضحاً تماماً، فإنه على الأقل غير مستبعد البتة، خاصة منذ أحداث السادس من يناير 2021)
وكان الروائي والناقد الكندي ستيفن ماركي أكثر وضوحاً في كتابه، ”الحرب الأهلية التالية: رسائل من المستقبل الأمريكي”. فقد كتب ماركي: ”الولايات المتحدة تقترب من نهايتها،” مضيفاً، ”والسؤال هو: كيف؟”.
وكتب جوش كيرتزر، أستاذ السياسة بجامعة هارفارد، على تويتر قائلاً " إنه يعرف العديد من العلماء المتخصصين في الحرب الأهلية، ولكن “قلة قليلة منهم تعتقد أن الولايات المتحدة على شفا حرب أهلية”. ومع ذلك، فحتى بعض الذين يتراجعون عن الحديث عن الحرب الأهلية، يميلون إلى الاعتراف بالمنعطف الخطير الذي تمر به أمريكا " .
وفي مجلة ”ذي أتلانتك” الأمريكية، يحذر فينتان أوتول وكتب يقول: ”إن هناك شيئاً واحداً، وهو ”الاعتراف بالاحتمال الحقيقي بأن الولايات المتحدة يمكن أن تتصدع ويمكن أن يتم ذلك بشكل عنيف. ولكنه شيء مختلف تماماً أن يتم تأطير هذا الاحتمال باعتباره أمر حتمي”.
يتفق الكثير مع أوتول في أنه من السخف التعامل مع الحرب الأهلية على أنها نتيجة حتمية، ولكن الجزم بإمكانية حدوثها الآن أمر شديد السوء أيضاً. وأما حقيقة أن التكهنات حول الحرب الأهلية قد انتقلت من القِلّة ذات الآراء الغريبة إلى الأكثرية أو التيار الرئيسي من الباحثين، فإن ذلك في حد ذاته علامة على وجود أزمة مدنية، وهي مؤشر على مدى الانقسام الذي تشهده بلادنا.
و كما يجادل ماركي، فإن ”أمريكا تعيش بالفعل في حالة حرب أهلية. ”فبحسب رابطة مكافحة التشهير، قتل متطرفون، معظمهم من اليمين، 54 شخصاً في عام 2018 و 45 شخصاً في عام 2019 (وقتلوا 17 شخصاً في عام 2020، وهو رقم كان منخفضاً نسبياً بسبب غياب عمليات إطلاق النار الجماعي بشكل متطرف، ربما بسبب انتشار جائحة كورونا).
وتُجادل والتر بأن الحروب الأهلية لها أنماط يمكن التنبؤ بها، واستغرقت أكثر من نصف كتابها في توضيح كيفية ظهور هذه الأنماط في البلدان الأخرى. وهي أكثر شيوعاً فيما تسميه هي وعلماء آخرون ”الأنوقراطيات”، وهي دول " ليست أنظمة استبدادية كاملة ولا ديمقراطيات كاملة " . وتشمل علامات الإنذار صعود الاستقطاب السياسي بشكل مكثف على أساس الهوية وليس الأيديولوجية، وخاصة الاستقطاب بين فصيلين متساويين في الحجم تقريباً، يخشى كل منهما أن يسحقه الآخر.
وأضافت: ”الجماعات العرقية التي تشن الحروب هي تلك التي تدعي أن البلاد هي ملكهم أو يجب أن تكون لهم”، وهذا هو أحد الأسباب. وعلى الرغم من وجود جهات عنيفة على الطرف الآخر، اليسار، فإن والتر وماركي لا يعتقدان أن اليسار سيبدأ حرباً أهلية. ولكن ماركي كتب يقول، ”التطرف اليساري مهم في أنه غالباً ما يخلق الظروف المواتية للتطرف اليميني.”
هناك اشارات عدة ، البعض يرتدون قمصان سوداء مكتوب عليها ”ماجا سيفيل وور” أي الحرب الأهلية – ماجا ، وكذلك شارات لحركة أولاد بوجالو، وهي حركة سريالية، عنيفة، مهووسة بالمشاعر المناهضة للحكومة.
ويتداول الجمهوريون بشكل متزايد فكرة الصراع المسلح و قال النائب ماديسون كاوثورن من ولاية كارولينا الشمالية: ”إذا استمرت أنظمة الانتخابات لدينا في ممارسة التزوير واستمرت السرقة، فسيؤدي ذلك إلى مكان واحد وهو إراقة الدماء”.
ونقلاً عن الأشخاص الذين تآمروا لاختطاف جريتشين ويتمير، حاكم ولاية ميشيغان، كتبت والتر تقول إن الحروب الأهلية الحديثة ”تبدأ بأشخاص مثل هؤلاء تماماً – مسلحون ينقلون العنف مباشرة إلى الناس”.
إن التهديد المتمثل في تحول أمريكا إلى دولة أوتوقراطية يمينية على غرار النمط المجري يحكمها رئيس ينتمي للحزب الجمهوري يبدو وشيكاً أكثر من اندلاع العنف المدني الجماعي. وإذا كانت الحرب الأهلية الصريحة لا تزال غير مرجَّحة، فإنها تبدو لي أكثر احتمالية للحدوث من العودة إلى الاستقرار الديمقراطي الأول الذي نشأ في ظله العديد من الأمريكيين.
يقدم كتاب ماركي خمسة سيناريوهات لكيفية تفكك هذا البلد، كل منها مقتبس من الحركات والاتجاهات الحالية.
ومع ذلك، فإن معظم روايات ماركي تبدو أكثر قابلية للتخيل من أن تتخيل المستقبل الذي يمكن أن تضح فيه أن أحداث السادس من يناير كانت ذروة تمرد اليمين، وينتهي الأمر بأن يظل الوضع في أمريكا على ما يرام. حيث كتب، يقول: ”من السهل جداً التظاهر بأن كل شيء سيكون على ما يرام”. ولكني لا أجد ذلك سهلاً على الإطلاق.
يبقى السؤال الاهم ؛ ما الذي يمنع الدول الشرق اوسطية واوروبا ، من عدم التفكير بالخروج من السلسلة الامريكية ،او وضع بدائل اذ ما حدث أي طارئ محتمل ، مع بروز اقطاب اخرى ، كسرة القطب الواحد ، مثل ايران والصين و روسيا وكوريا الشمالية . ومع ذلك لا ننسى بان نهاية أي حضارة امر حتمي وان حاول البعض ان يستبعدو ذلك ، لمصالح خاصة وسياسات مرتبطة بتلك الحضارة ...
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha