د. اسماعيل النجار ||
غريب هو التفكير السياسي الأميركي! والأغرَب انقياد الدُوَل المأزومة سياسياً خلفهُ!؟
أميركا القابعة خلف أعالي البحار،بكامل قوتها وجبروتها العسكري والِاقتصادي،
مُطمَئِنَةً من عدم تأثير الأعاصير الشرق أوسطية والأسيوية عليها.
ولكن فات أمريكا أن الإعصار الروسي، إذا ما اجتاحها، يختلف تماماً عن تلك الأعاصير التي تَهِب في مناطق أخرى، لأنه سيكونُ إعصاراً "نووياً" ليسَ عادياً،إذ قد يطيح بها وبمقدراتها وقوتها،
بنفس القدَر الذي تستطيع هيَ بقوتها إزاحة روسيا من موقعها الجغرافي، في حال نشبت حرب نووية بينهما.
الِاشتباك الروسي الأميركي في أوكرانيا يشتَد ضراوة، بعد الفشل الذريع الذي مُنِيَت بهِ واشنطن في كازخستان بعدما عملت عليه لأكثر من عشرين عام،
وتتعمَّد واشنطن التسويق الإعلامي لفكرة اجتياحٍ روسيٍّ لأوكرانيا، بحجة الحشود العسكرية الروسية الضخمة، التي تمركزت على حدود البلدين،
كما أنها هدفَت من وراء هذا الضخ الإعلامي الكبير،
عن أنّ احتمال هجوم روسي مباغت على كييڤ قد أصبحَ وشيكاً،
من أجل تبرير استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة لحلف الناتو، ونشر مزيد من القوات والأسلحة الإستراتيجية في أوروبا الشرقية،
كما عززت واشنطن تأكيدها، بالإيحاء بأن الِاجتياح الروسي لأوكرانيا قد أصبحَ حتمياً،من خلال الطلب من موظفي سفارتها في كييڤ مغادرتها فوراً.
تكتيكٌ أميركيٌّ سببه تبرير دخول أسلحة غير تقليدية، إلى مناطق حساسة قريبة من روسيا، وربما إلى أوكرانيا نفسها،
حَمَّلتها روسيا مسؤولية نتائجه في حال حصول أي خطأ.
المعلومات الواردة من موسكو تؤكد، أن واشنطن تريد رفع مستوى درجة حرارةالصفيح الأوكراني،وإشعال حرب ولو بالإعلام، لتوريط موسكو وإشغالها، أو الضغط عليها ومقايضتها في ملفات أخرىَ،
في أمكنة أخرىَ.
الكرملين بدوره يُدرِك بأن الطبول الأميركية التي تُقرَع للحرب هي جوفاء فارغة،تحدث ضجيجاً وضوضاء إعلامي بِلا أيَّ فائدة، لأن موسكو تعرف ماذا تريد؟ ومِمَّن"تُريد"، وإلى أين ستصل الأمور،إلَّا إذا دفعت كييڤ بالأمور نحو التفجير، من خلال مهاجمة مقاطعتَي دونيتسك ولوغانسك، اللتين تُشكلان إقليم الدونباس شرقِيّ البلاد.
الهدف الأميركي من تأجيج النار في أوكرانيا أصبحَ واضح تماماً،إذ هو يهدف لإلهاء موسكو وابتزازها، والتفَرُغ بشكل مريح أكثر لبحر الصين الجنوبي.
على الضفة الأخرى، واشنطن تهادن طهران في ملفها النووي، وتحاول استرضاءها وإعطاءها بعض المفاتيح، في منطقة الشرق الأوسط، ولو على حساب حلفائها الشكليين، الذين هم بالأساس، موظفون لدى الإدارة الأمريكية، كمحمد بن سلمان وابن زايد وغيرهما.
الحرب على اليَمن يجب أن تضع أوزارها، حسب رأي إدارة بايدن،وولي العهد السعودي ينتظر،بلهفة، موافقةً أمريكية بهذا الخصوص؛ لكن الحل يكمن في قبول أو رفض صنعاء للقرار الأمريكي،وليس قبول أمريكا فقط.
إنّ دخول الحمام اليمني لا يشبه الخروج منه، حسب قول اليمنيين،
فالحرب التي أشعلتها دول العُدوان السبع عشرة، منذ ٧ سنوات بطيب خاطر، ليس إيقافها اليوم بطيب خاطرهم، ولن يكون إلَّا بقرار يمني وشروط يمنية خالصة، وضعتها صنعاء على طاولة الوسطاء منذ زمَن.
اليَمن الذي استعاد زمام المبادرة، وأمسكَ بها جيداً، يعرف ماذا يريد،
وقد وضعَ شروطاً واضحة وجَليَة لا غبار عليها، ولا عودة عنها.
وللمراهنين على دورٍ إيرانيٍّ لوقف الحرب، خارج إطار الشروط والمطالب اليمنية، هوَ مُشتَبِهٌ وواهم.
ففي نهاية أي حرب، المنتصر هو مَن يضع الشروط، وعلى المهزوم المأزوم الموافقة،من دون القيام بأيّة مناورات أو لف ودوران.
الإمارات تم تأديبها، وإكسبّو دُبَي أصبحَ في خبر كان،
والبورصة الإماراتية في خبر كان،
كذاك الِاقتصاد والأمن الإماراتيان في خبر كان،
والإنسجام الداخلي، بين الإمارات السبع، أصبحَ في خبر كان،
وليسَ كل شيء على ما يرام إماراتياً.
صنعاء،ببيانٍ لها،رفضت إعادة الإنتشار للقوات الإماراتية، وأكّدَ بيانُها على ضرورة الإنسحاب الإماراتيّ الشامل والفوري من اليمن، وإلَّا فلن يتغير شيء بالنسبة لموقفها،من الِاستهداف البالستي للعمق الإماراتي، في أي وقت كان.
أما الدبُّ السعودي الداشر،فتراه يفرك يديه، بِانتظارِ أن يأتيَهُ هُدْهُدُ قَطَر بخبرٍ مفرحٍ من طهران.
إذاً،ما بين المهادنة الأميركية للجمهورية الإسلاميةالإيرانية،والتصعيد مع موسكو هناك محاولة أمريكية لزرع تباينات في المواقف بين البلدين تجاهها، لكنها لن تنجح، لأن زيارة إبراهيم رئيسي لموسكو غرست أعمدة تحالف إستراتيجي، بين البلدين الجارين، وجعلتها عميقة للغاية.
كما أكدت على متانة العلاقة وتعزيز الموقف الإيراني الصيني الروسي، الذي يشمل كوريا الشمالية،وفنزويلا وبعض دوَل أمريكا اللاتينية، وسوريا واليمن وحزب الله.
في المُحصّلة: لا إجتياحَ روسياً لأوكرانيا.
ومحاولة أمريكا إشغال روسيا في أوكرانيا ستفشل.
قطر،ليست مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز كبديل عن روسيا، ولاهي مؤهّلةٌ كدولة صغيرة، للعب هذا الدور، أو أن تضع نفسها بوجه دولة عظمىَ،والأمر دونه صعوبات، لإقناع أمير قطر بذلك ولن يقبل.
إسترضاء إيران،لن يغيِّرَ شيئاً من موقفها تجاه قضية اليمن وفلسطين.
والخلاف الروسي الأمريكي انعكسَ سلباً على حرية العمل العسكري الصهيوني داخل سوريا،وعززَ آفاق الأمن السوري، من خلال القيام بدوريات جوية مشتركة، في سماء الجولان كَبَّلَت أيدي قادة العدو.
يبقى الملف اللبناني الأكثر تعقيداَ،
خصوصاً بعد إقصاء سعد الحريري، والدفع الأمريكي بشقيقه بهاء، ليكون البديل السُّنِّي المؤقّت، لجمع أشلاء الطائفة المبعثرَة،
وقطع الطريق على الرئيس نبيه بري الذي يخطط، لتأجيل الِانتخابات النيابية، والتمديد للمجلس النيابي، بحجة عدم ميثاقية الِانتخابات بغياب أغلبية الطائفة السُنِيَة في لبنان.
تأجيل، إنْ فَرَضَهُ رئيس المجلس،بدون موافقة أمريكا، سيضعه بمواجهة المجتمع الدولي لا محال، وسينقل الصراع الحتمي إلى الشارع.
تحدث كثيرون عن اغتيالات في لبنان، لتعطيل الِانتخابات المقررة في ١٥ أيار، فإن كانت واشنطن تريد فعلاً إنجاز الإستحقاق فلن تحصل اغتيالات،
وإن قررت إلغاءها يصبح الأمر مفتوحاً على كل الِاحتمالات، وستترك الدرب مفتوحاً أمام الرئيس نبيه بري لكي يقوم بالتأجيل، وحينها سيتم استثمار الأمر وتقع الفوضىَ.
بالمختصر، أمريكا تخطط لتفجير الشارع اللبناني، لتشديد الحصار على حزب الله الذي يقف لها بالمرصاد.
بيروت في 29/1/2022