حيدر سلمان ||
لا يختلف اثنان تقلب شكل الحكم والحاكمين في العراق فزعامات تظهر وزعامات تذوي واخرى تموت.
كل المؤشرات مما يحدث سياسيا في العراق يؤكد ما ذهبت اليه ولعدة مرات سابقة، ان الكتل السنية اصبحت هي "بيضة القبان" بعد فقدان الاغلبية الكردية التي يلعب بها الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) وتحديدا السيد مسعود البرزاني والتي من خلالها استحصل الكثير فوق حجمه الانتخابي.
اما الكتل الشيعية التي كان يلمها ما يسمى ب "البيت الشيعي" منذ عام 2003 والذي تراكمت خلافاته وأصبحت كثيرة والتي انتهت بتفرقهم ومن المحتمل ان تقدح وتؤدي الى شرارة يشتعل الشارع بينهم.
من المعلوم ان الكتل الكردية كانت دوما تتجه الى بغداد برأي واحد مركزة على ما يمكن ان تحصل عليه بشرط نقاش الخلافات الكردية في حدود الاقليم وعدم خروجه عنه.
لكن هناك عدة اسباب ادت لهذه التراجعات والتي يبدو انها انتهت بتفرق ما يسمى "البيت الكردي" اولها واهمها وفاة الرئيس السابق جلال الطالباني والذي كان يشغل رمزية قيادية ثانية تشارك رمزية مسعود البرزاني فيما هو فيه، علما ان جلال الطالباني له تواجد بين اطياف العراقيين عبر زيادة تواجده عراقيا وليس فقط كردياً اكثر من البرزاني الذي عزز تواجده بين الكرد فقط عبر زيادة النزعة القومية الانفصالية وقلل تواجده عراقيا بل لم يعر لها اي اهمية.
لكن رحيل الطالباني فتح الباب واسعا للبرزاني للزعامة المطلقة على الكرد، وهو امر متوقع، ولكن لا ربيع دائم كما هو معلوم، ولم تكن الا مسألة وقت وستذهب تلك الزعامة خاصة مع زيادة النزاعات وغياب اموال الاقليم لصالح عائلة البرزاني وتوالي حملات احتجاج السليمانية.
و رغم انحسار وتمزق الاتحاد الوطني الديمقراطي (اليكتي) سواء على المستوى الشعبي او البرلماني او حتى الحضور الوطني الا انه بدا مؤخرا فقط يلملم شتاته و راح يؤكد تمسكه بمنصب رئيس الجمهورية الذي يعتبره استحقاق له حتى لو رقمه الانتخابي هامشيا او حتى لاشيء وهو تاكيد وضعته زعامات ال 2003 ليصبح عرفا مقيتا لطالما ارق العراقيين.
نتاج لما تقدم، وكما متوقع، تفرق الحزبين داخل الاقليم وزيادة رقعة الاحتجاجات وغياب الشفافية وتنامي التساؤل عن مصير ثروات الاقليم، وتوجيه اللوم للبارتي بذلك، ناهيك عن سيطرة كامل عائلة البرزاني على اركان رئاسة الاقليم، وربط البيشمركة كجهات مسلحة بمصير الحزبين الحاكمين وليس بوزارة الدفاع، وظهور احزاب معارضة لسياسية الحزبين اخرها الجيل الجديد ناهيك عن عزوف الغالبية العظمى عن الانتخابات، وهو ما يعني فقدان ما كان يعني بالضبط "بيضة القبان".
قد يسأل احدهم هنا اين الطرف الشيعي بين الاثنين؟
الطرف الشيعي او ما يسمى "البيت الشيعي" فهو يمثل الغالبية الحاكمة والشعبية منذ عام 2003 ولكن تراكم خلافاتهم وتعدد زعاماتهم وكثرة الاحتجاجات ضدها بشكل موجات عارمة وتحين الشارع الفرصة لاثارة المزيد ناهيك عن ظهور احزاب معارضة لتلك الزعامات وتلطخ سمعة كثير من تلك الزعامات بكثير من حالات الفساد ناهيك عن تكرس حالة الصراعات والسلاح المنفلت وتوالد للفصائل المسلحة وانتشار الاسلحة واغراق الشارع بها في محاولة لشطر المؤيدين كل جهة لصالحها.
واليوم نشهد وبشكل لايقبل الشك تراجع ما يسمى "البيت الشيعي" وتمزقه وحتى لو عاد سرعان ما سيتفرق مجددا ومن الممكن ان يحشد الشارع لحرب اهلية في الغالبية السكانية العراقية في الشارع الشيعي واليوم اصبح الكل يعرف ذلك جيدا والذي قد يوصل البلاد الى ما لايحمد عقباه.
بعد كل ما تقدم نصل لما اريده في مقالي هذا:
· كيف اصبح السنة بيضة القبان؟
الكل يعلم جيدا ان السنة في العراق وهم يشكلون ثلث سكان العراق ونحن امام اغلبية سكانية في مدن كبيرة.
منذ عام 2003 وهو تاريخ انشاء منظومة الحكم الحالية، مشكلة السنة في العراق انهم شعروا ان اسقاط نظام صدام كان استهداف لهم ولتركيبتهم السكانية وابعادا لهم عن منظومة حكم اسسوها منذ عام 1920 وبالتالي ادى لاغراقهم في مشاكل شتى بدءاً من غرق تلك المدن الكبيرة باقتتال طائفي واستهداف للطائفة الشيعية واقل منها الكرد وغالبا الولايات المتحدة، وايلامها انها المسؤولة عن اسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين ناهيك عن انتشار مليشيات مسلحة وجيوش متعددة ارقت كامل منطقة الشرق الاوسط ادى الى تداخل دولي كبير في العراق واحتجاجات كبيرة، انتهت بدخول سلس جدا لتنظيم داعش الارهابي بل ومعبد لتلك المدن وبرغبة سكانية فرارا لما اشيع انه ظلم شيعي امريكي واقل منه كردي لهم و اسقاط نظامهم وشبه عزلهم وفقدانهم لمكانتهم المجتمعية.
بعدها بدأت صفحة داعش، والتي ادت الى غرق العراق في مشاكل افقدته وضعه الاقليمي واموال وتفرق سكاني كبير حتى في داخل الطائفة السنية نفسها، التي هرب معظم ما يفترض بهم ممثليها السياسيين لدول مجاورة هربا من عدم تفهم بغداد لهم، واحتلال مدنهم من تنظيم داعش، الذي يطالب برؤوسهم.
و ليجمع العراق اطرافه المجتمعية و خيرة شباب وخيراته ويلملم شتاته وليظهر بهيا شابا و لاول مرة في تاريخه موحدا سنة وشيعة و كرد و بفتوة ذاك الاشيب من قلب ازقة النجف العتيقة (السيد علي السيستاني)، التي حشدت مئات الالاف والهمت الملايين، ولتختلط دماء الانسان العادي المتطوع و الجندي و الشرطي و مقاتلي الفصائل و البيشمركة لينجح العراق في جمع اشد عدوين سياسيا وعسكريا في الشرق الاوسط معه في حربه لاستعادة مدنه من تنظيم داعش وهما "ايران و الولايات المتحدة" في معركته ضد تنظيم الدولة الاسبامية والذي اصطلح عليه اختصارا "داعش".
· معركة العراق ضد داعش
هنا بدات الصفحة الاخرى والانعطافة، لتنقلب معادلة السكان السنة المعارضين الى مصاحبين وموافقين ومطالبين من بغداد كعمق استراتيجي لهم راغبين بالتحرير من تنظيم داعش ولينظر ا للامر بشكل مخالف عنا سبق اننا بناة هذا البلد ولبنته الاساس، ولتتحرر تلك المدن وتخلد اسم الشهداء ولتسجل ملحمة عراقية خالدة وخالصة خلصت البشرية كاملة من اعتى واسوأ التنظيمات الارهابية العالمية وهي داعش.
وكتبت صفحة جديدة في تاريخ السنة و احزابها و توجهها البشري و الفكري نحو النضوج السياسي حفظا لمكاناهم و تعزيزا لها و انتهت و ذابت المسميات المسلحة واصبحت غير مرغوب فيها وعاد معظم السياسيين السنة الى عاصمة البلاد بغداد، ومدنهم الاصلية مع انخراط مثالي بالعملية السياسية وتوجه مثالي لاستمداد الشرعية من المنظومة الانتخابية.
وبالرغم من الدخول بكتل متعددة لكن الاطراف السنية فضلوا الذهاب يدا واحدة الى بغداد وبكتلة نيابية كبيرة وبرقم يحفظ و يعزز مكتسباتهم و يجعلهم في المقدمة بعد ان كانوا في المؤخرة، و يقربهم من شارعهم و ناخبيهم ناهيك عن ان وجودهم اليوم في اي كتل شيعية او كردية يحسم امر الرئاسات و اتجاهها و الذي توج باكرا باختيار رئيس مجلس النواب لهم بدون اي مشاكل تذكر و بالجلسة الاولى بكل سلاسة.
مع كل ما تقدم اتمنى ان اكون قد اوضحت كيف انتقلت بوصلة القوة من الجانب الكردي الى الجانب للسني و ليبرز هنا السؤال التالي:
· هل من الممكن ان يدون الربيع السني في العراق؟
الجواب صعب توقعه، ولكن اللاعبين الاقليميين والدوليين يحاولون ذلك جاهدين، وبصراحة وجودهم بشاكلتهم الحالية اثبت انه افضل للعراق واستقراره، و لكني اتوقع شخصيا انه لن يدوم حيث المعادلة في العراق ان تكون قويا لا سبيل الا بتفكيك الاخرين وسيسعى الطرفين الكردي والشيعي ان عاجلا ام اجلا لتفكيكهم ناهيك عن صراع الزعامات الذي هو امر لابد منه مع مرور الوقت.
السؤال يجرنا لسؤال اخر:
مع كل ما تقدم، هل نفهم ان منظومة الحكم ستبقى توافقية مع مصطلحات قبب القبان كونها تتطلب غالبيات عرقية او طائفية؟
الجواب للاسف نعم و لا يمكن تصحيح هذه المعادلة الا بتغيير شكل النظام، و الذي يتأكد لنا يوميا؛ انه مع تراكم خبراتنا السياسية انه لا تغيير حيث فكرنا بكل شكل ممكن للتغيير وللاسف لم نجده للان، لصعوبة جمع رأي الأطراف الثلاثة للتغيير نحو نظام رئاسي-برلماني بتوافق ورضا حيث نراه الفضل للوضع العراقي وفيه رأس نظام قوي وحفظ للشراكة المكوناتية والحزبية في المجلس النيابي على قدر مشاركتهم فيه..
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha