د. جواد الهنداوي *||
لم يعُدْ مصطلح التطبيع مناسباً لوصف ما وصلت اليه العلاقات الاسرائلية الاماراتية -البحرينيّة . في خلال اقّلُ من سنتيّن ،وبعد توقيع اتفاق ابراهام للسلام ،في ايلول عام ٢٠٢٠ ،بين اسرائيل و دولة الامارات العربية المتحدة ، و قعّت الامارات مع اسرائيل اتفاقيات اقتصادية و أمنيّة وعسكريّة استراتيجية و جريئة ، وتبادلت زيارة الوفود في مجالات ثقافية واقتصادية و سياسية ومخابراتية و عسكرية ،و آخر تلك الزيارات ،زيارة رئيس الكيان الاسرائيلي الى ابو ظبي بتاريخ ٣٠ كانون الاول ٢٠٢٢ . وكذلك كان مسار البحريّن ، والتي وقعتّ اتفاقاً أمنياً مع اسرائيل بتاريخ ٢٠٢٢/٢/٣ ، خلال زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي الى المنامة .
لا تبعدُ البحرين عن الشواطئ الايرانية باكثر من ٥٠٠ ميل ، وايران تُسمي الخليج بالخليج الفارسي ودولهِ بدول الخليج الفارسي ، وهذه المسافات و التسميات دّالة بما فيه الكفاية على انَّ جغرافية الخليج و دولهِ ،في نظرِ ايران هي جغرافية الامن القومي الايراني ، والعلاقات الخليجية الاسرائيلية سمحت لاسرائيل بموطئ قدم في جغرافية الامن القومي الايراني ،فعلامَ اذاً نلاحظ غياب ردود فعل غاضبة و تهديدات من طرف ايران تجاه تلك الدول الخليجية التي سمحت بموطئ القدم ،لا بل نشهدُ بتبادل زيارات رفيعة المستوى و وديّة بين ايران و الامارات وبتطور علاقات اقتصادية وتبادل تجاري عالي المستوى ؟
لا تبخلْ ايران في اطلاق التهديدات ضّدَ سياسة اسرائيل في فلسطين وفي المنطقة وضدّها ( اي ضّدَ ايران ) ، ولا يخفي الطرفان ( اسرائيل و ايران ) عدائهما المتبادل ، ولا تُريد ايران أنْ تقع في الفخ الاسرائيلي المرسوم ،الا وهو جعل الدول الخليجية في حالة خصومة دائمة مع ايران ،و تسعى اسرائيل أنْ تتحول علاقة الخصومة بين ايران وبعض دول الخليج الى علاقة عداء .
وتتوقع اسرائيل و تأمل رّدَ فعلٍ عدائي و متهور من قبل ايران تجاه دول الخليج الماضيّة في ترسيخ وتعميق العلاقة مع اسرائيل ، وهذا ، حسب اعتقادي ، ما لمْ يحصلْ .
تتبنى ايران استراتيجية ثابتة في سياستها الخارجية و الامنيّة ، و اصبح هذا الامر واضحاً للمتتبع ، واول شاهد على ذلك سياستها تجاه علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية ،سواء في الحصار و العقوبات او في الملف النووي او في التعامل بالمثل في الرّدْ العسكري . وثاني شاهد على استراتيجية ايران في سياستها الخارجية هو تكرار دعواتها وحرصها على اقامة افضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية ، رغم ظنون المملكة في حسن نيّة ايران و تصريحات رفيعة المستوى من مسؤولين في المملكة تجاه نفوذ ايران في المنطقة .
وثالث شاهد هو غياب ،مثلما اشرنا اعلاه ، ردود فعل غاضبة او بوادر خصومة مع دولة الامارات العربية المتحدة رغمَ تطوّر وتيرة العلاقات الاسرائيلية الاماراتيّة .
و نفوذ ايران شاهد رابع على تبني ايران استراتيجية ثابتة في سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية . ايران لا تُريد ان تخسر جزءاً من مساحة نفوذها الجغرافي ،الا وهو منطقة الخليج و دول الخليج ،لحساب عدوها اسرائيل .مهما تطورت العلاقات الاسرائيلية الاماراتية او البحرينيّة ،ستحافظ ايران على علاقة التعاون والتواصل معهما ،لانها ببساطة لا تريد ان تقع في الفخ المرسوم اسرائيلياً ، ولا تريد ان تخسر من نفوذها الجغرافي وحضورها الدبلوماسي و الاقتصادي في دول الخليج ،هي تسعى ، دون انقطاع ،لكسب ثقة وتعاون المملكة العربية السعوديّة ، وتعزيز علاقتها مع قطر وسلطنة عُمان و الكويت .
لايران في المنطقة نفوذ سياسي و امني و عسكري معروف و مكشوف ( في اليمن وفي سوريا وفي لبنان وفي العراق ) ، ولها نفوذ جغرافي و اقتصادي ودبلوماسي في دول الخليج ، و تحرص ايران كل الحرص على الحفاظ على هذا النفوذ ، وترفض مطلقاً ان يكون على طاولة النقاش مع خصومها ( الولايات المتحدة الامريكية)او مع اصدقاءها ( تركيا والدول العربية )
قد تقلق ايران من تطور العلاقات الاماراتيّة -البحرينيَة الاسرائيليّة العسكريّة والمخابراتيّة ، و لكن قد تستخدم تطّور العلاقات ذريعة لمزيداً من النفوذ و المتابعة في الساحة الخليجية الحاضنة للوجود العسكري و المخابراتي الاسرائيلي ، وحجتهّا الحفاظ على امنها القومي ،من تغلغل عسكري لعدوها اسرائيل . و قد تكون ايران اطّول صبراً من روسيا حين حشّدت هذه الاخيرة قواتها على حدودها الشرقية مع اوكرانيا، عندما ابدت هذه الاخيرة استعدادها لاحتضان قواعد وقوات حلف الناتو . وقد تكون ايران اطّول صبراً من تركيا حين توغّلت القوات و القواعد العسكرية التركية في مناطق كردستان العراق ،بذريعة حماية الامن القومي التركي .
على اخواننا في الامارات ان يدركوا بأن تطوّر التعاون العسكري الاماراتي الاسرائيلي قد يحميهم تكتيكياً من هجمات صاروخيّة و مسيّرات ، ولكن يعرّضهم الى مخاطر استراتيجية ، خاصة اذا تجرأتْ اسرائيل بشّن حربٍ على ايران .
ولعلَ في تطوّر العلاقات الخليجية الاسرائيلية موشرٌ جديٌ على عدم اقدام اسرائيل او امريكا بشّن حرب على ايران . وفي خلاف ذلك ستكون اسرائيل قد خدعتْ و ورطّت حلفاءها الجُددُ ، والذين بادلوها علاقات ثقة وتعاون غير مسبوق ، وعلى كافة الصعُدْ .
* سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل .
في ٢٠٢٢/٢/٧ .