د. جواد الهنداوي *||
يرتكزُ النظام السياسي الديمقراطي على مقومات و مبادئ اساسيّة و عامة ،منها ، مبدأ الحريات و احترام حقوق الانسان ،وسلميّة تداول السلطة عبر الاقتراع ،والتعددّية الحزبية ، وسيادة الشعب و القانون ، و مبدأ فصل السلطات .
تميّزَ الدستور الاتحادي العراقي بكُلِ ما ذُكِرَ اعلاه من مبادئ ، ونصّّ عليها صراحة في موادهِ ، رغمْ ما شابَ بعضها من عدم دقّة في الوصف و التوظيف ،منها على سبيل المثال ، ذكرهِ " أنَّ السيادة للقانون " ( المادة ٥ من الدستور ) ، بيدَ أنَّ في النصوص و في التطبيق تعود السيادة الى الشعب بأعتباره مصدر السلطات والقرارات و الاحكام ،التي تصدر بأسم الشعب ، والقانون هو وسيلة السلطات و أداة الشعب .
كما شابَ الدستور تناقضٌ وخطأٌ جسيم عند تناوله لمبدأ فصل السلطات ، وتجسّدا التناقض و الخطأ الجسيم في نصوص و آليات دستوريّة ، سبقَ و ان تناولناها في مقالات قديمة وفي كتابنا العام و المقارن ، و الموسوم " القانون الدستوري والنظم الدستورية " ، مطبعة الرافدين ، بيروت ، الطبعة الاولى عام ٢٠١٠ .
المادة ٤٧ من الدستور تنصُّ على ممارسة السلطات الاتحادية ( التشريعية والتنفيذية و القضائية ) لصلاحياتها وفقاً لمبدأ فصل السلطات . ولكن المادة ٧٥ رابعاً من الدستور و التي تتناول حالة خلو منصب رئيس الجمهورية تنصُّ على " أنْ يحّلُ رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له ، … "
كما يرى القارئ الكريم ،هناك تناقض واضح بين ماوردَ في المادة ٤٧ ، و التي تنص على ممارسة السلطات الاتحاديّة لمهامها وصلاحياتها وفقاً لمبدأ فصل السلطات ، و ما وردَ في المادة ٧٥ رابعاً من امكانية ان يحّل رئيس السلطة التشريعية محل رئيس الجمهورية ( سلطة تنفيذية ) في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية ؛ نّصٌ يتعارض مع مبدأ فصل السلطات ، ويسمح لرئيس مجلس النواب أن يمارس صلاحياته التشريعية وصلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية .
وقد نوهّنا واشرنا الى هذا التناقض والخطأ الدستوري
منذ عام ٢٠٠٦ ، في كُتَيبْ اصدرنا عام ٢٠٠٦ بعنوان ( مراجعة تصحيحية لنصوص الدستور الاتحادي ) ،مطبعة الرافدين /بيروت /عام ٢٠٠٦ . و اقترحنا أنْ يحل رئيس مجلس القضاء الاعلى او رئيس المحكمة الاتحادية محل رئيس الجمهورية في حالة خلو المنصب ، وبيّنا اسباب ذلك .
وكان قرار المحكمة الاتحاديّة بتاريخ ٢٠٢٢/٢/١٣ ، والذي قضى باستمرار ممارسة رئيس الجمهورية لمهامه لحين انتخاب رئيس جديد ، مناسبة للمحكمة كي تتناول بصورة او بأخرى مضمون المادة ٧٥ رابعاً من الدستور ، والتي تتناقض مع مبدأ فصل السلطات ، لاسيما و أنَّ المحكمة ذكرت كما يلي ماوردَ في المادة ٧٥ رابعاً : " وفقاً لاحكام الدستور العراقي ،في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية،يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية ،حال عدم وجود نائب له …. " .
كان بأمكان المحكمة أنْ تُكمِل نص قرارها ،بأستمرار رئيس الجمهورية بمهام عمله لغاية انتخاب رئيس جديد ، ، بالقول " وبما أنَّ نص المادة ٧٥ رابعاً يتعارض مع مبدأ فصل السلطات و يخالف نص المادة ٤٧ من الدستور ، ويخالف ايضاً نص المادة رقم ٢ اولاً ب ،من الدستور وهي من المبادئ الاساسية ، عليه تقرر استمرار رئيس الجمهورية في عمله لغاية …" .
كُناّ نتمنى ان يكون للمحكمة فضل وشرف تصحيح التناقض الذي وردَ في الدستور بين المادة ٧٥ رابعاً والتي تنتهك مبدأ فصل السلطات ،من جهة وبين المادة ٤٧ و ( المادة ٢ اولاً ب من جهة اخرى وهي من المواد الاساسية ) وكلاهما يؤكدان على مبدا فصل السلطات و ديمقراطية النظام ، كانت مناسبة للمحكمة ان تؤكد حرصها على سلامة تطبيق مبدأ فصل السلطات ، و أنْ تُثبتْ سابقة قضائية لتكون مبدئاً لعدم تطبيق نص المادة ٧٥ رابعاً من الدستور .
*سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات .
دكتوراه في القانون و مؤهل للاشراف
على البحوث في الجامعات الفرنسيّة .
بتاريخ ٢٠٢٢/٢/١٦ .