د . جواد الهنداوي *||
رّحبَ البرلمان الاوربي بأستراتيجية عمل الاتحاد الاوربي تجاه منطقة الشرق الاوسط وخاصة منطقة الخليج العربي ، والتي اعلنتها المفوضية الاوربية ( الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوربي ) ، وذلك بالقرار الصادر من البرلمان الاوربي بتاريخ ٢٠٢٢/١/١٧ ، وبرقم T A- 9- 2022 - 0039 .
دعا البرلمان الاوربي دول الاتحاد الاوربي الى تبني سياسة موّحدة و متماسكة و متوازنة في منطقة الخليج ، و اعتبار تعزيز الامن الاقليمي للمنطقة هدف استراتيجي للاتحاد الاوربي . و أكّدَ البرلمان الاوربي في قراره المذكور على ضرورة سعي الدول الاوربية الى التعاون مع جميع الدول الاقليمية في المنطقة ، والى تهدئة التوترات بين ايران والسعودية ، والى عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين ايران و السعودية . وردَ ذلك صراحة في الفقرة ٦٧ من قرار البرلمان الاوربي المشار اليه اعلاه .
تأكيد البرلمان الاوربي ، رسمياً في قراره المذكور على ، " تهدئة التوترات بين ايران والسعودية ، وعلى اعادة العلاقات الدبلوماسية بين ايران و السعوديّة ، وكذلك
الامن الاقليمي للمنطقة ، وردت جميعها كهدف استراتيجي في السياسة المُقبلة للاتحاد الاوربي ، فما هو المغزى وما هي الدلالات ؟
من دلالات هذا الموقف هو إمّا أنَّ السياسة الاوربية تحرّرت نسبياً من الاملاءات الامريكية و الاسرائيليّة ، حيث
ادركت الوهن الاقتصادي و السياسي الذي أُصيبت به امريكا ، و عزوفها عن المنطقة ، و إماّ أنَّ الموقف الاوربي جاء بعد التشاور و التنسيق مع امريكا لتحالفهما الاستراتيجي في السرّاء و في الضراءّ ، و نرجّحُ السببيّن كحافز لهذا الموقف الاوربي الذي يدعو الى الحفاظ على الامن الاقليمي للمنطقة ، ويدعو صراحة وعلناً وبشكل رسمي كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية الى العودة الى علاقاتهما الدبلوماسية .
الموقف الاوربي لايسّرُ اسرائيل ،التي تسعى ،دون أمل ، الى خلق تحالف اسرائيلي خليجي معادٍ لايران . و لا يسّرُ اسرائيل ايضاً عودة العلاقات السعودية الايرانية . ترى اسرائيل ، وهي في وهمْ ، بانها اولى من ايران بالعلاقات مع السعودية .
الموقف الاوربي ،والذي يستترُ ( ربما ) رغبة امريكية ، هو موقفٌ دالٌ على ان تحسّن العلاقات السعودية الايرانية أمرٌ اساسي لامن واستقرار المنطقة ، وهناك نظرة استراتيجية اوربية لهذه العلاقات ، وعلى ضوء هذا الموقف ننتظر جهود اوربية ساعية الى تحسين العلاقة بين المملكة و ايران.
قرار البرلمان الاوربي و الداعم لاستراتيجية المفوضية الاوربية يُعّبرُ عن رؤية شاملة للسياسات الدولية ؛ فالتوترات على الحدود الروسية الاوكرانية وحالة اللاحرب و اللا سلمْ بينهما ، والتي ستطول ، وحالة التوترات الصينية الامريكية ،و التحولات الاقتصادية القاسية ،تدعوا امريكا والغرب الى عدم المجازفة بحرب جديدة في منطقتنا ، وتدعوهم كذلك الى منع اسرائيل من ارتكاب ايّة حماقة تجاه ايران او لبنان او سوريا .
جاء قرار البرلمان الاوربي في وقت يقترب به الطرفان ( امريكا و ايران ) الى وضع الصيغة النهائية لاتفاقهم حول الملف النووي ، وهو بمثابة اشارة ايجابية و ودّية تجاه ايران ، و استباق اوربي للعودة الى السوق الايرانية والمصالح الاقتصادية المشتركة .
ينظرُ الاوربيون ( وكذلك الامريكيون ) الى موقف ايران تجاه الامارات وعلاقاتها مع الامارات، بعد تطبيع وتعميق العلاقة مع اسرائيل ، بأنه موقف ايجابي ،لا سيما و أنَّ الامارات تنتظر خلال الايام القادمة زيارة الرئيس الايراني ، و ربما لهذا الموقف السياسي الايراني اثره و نتائجه في تليين الموقف الامريكي في المفاوضات النووّية ، وفي الموقف الاوربي الحالي الداعي الى علاقات دبلوماسية متكاملة بين المملكة و ايران ، والداعي الى تعزيز الامن الاقليمي في المنطقة و برعاية سعودية -ايرانية .
الموقف الاوربي هذا يذكّرنا بما قاله و دعا اليه الرئيس الامريكي الاسبق اوباما ، في مقابلة له مع مجلة " دي ادلنتيك " قبيل مغادرته للبيت الابيض بشهور، حين ناشدَ المملكة و ايران بالاتفاق بينهما من اجل امن واستقرار المنطقة .
هل ستتلقف منظماتنا الاقليمية و الاسلامية ، والمعنية،قبل غيرها ، بمصالح المنطقة و أمنها و استقرارها ، وكذلك دولنا العربية ،مواقف الاتحاد الاوربي الداعية الى اعادة العلاقات السعودية الايرانية ، والى انهاء التوترات في المنطقة ، وتبادر من اجل تكريس هذه الدعوات الى عمل ونتائج ؟
* سفير سابق / رئيس المركز العربي
الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات
بروكسل / في ٢٠٢٢/٢/١٩ .