بهاء الخزعلي||
السؤال الأكثر أهمية في وقتنا الحالي هو......
هل ستنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط؟؟؟؟
للإجابة على ذلك السؤال المهم علينا أولاً أن نستعرض بعض مواقف الرؤساء الأميركان وسياساتهم الخارجية لإدارة ملف الشرق الأوسط، فكلنا على معرفة ودراية بأن الولايات المتحدة هي دولة مؤسسات تحكمها المصالح في سياساتها الخارجية، لكن ما قد نختلف عليه هو التغيير برؤى قادة الولايات المتحدة نحو الشرق الأوسط، فمنذ أن أقدم بوش الأبن على اتخاذ عدة قرارات في سياسته تجاه الشرق الأوسط كالحرب على أفغانستان والحرب على العراق، والولايات المتحدة تدور بدوامة الخسائر الأقتصادية، وعندما اكتشفت الولايات المتحدة لاحقاً مدى التكلفة الضخمة لتلك الحروب في الشرق الأوسط خُلقَ رأياً عاماً داخل المجتمع الأميركي بضرورة الإنسحاب من المنطقة، وذلك ما أثر بشكل مباشر على طابع الانتخابات الأميركية والتي فاز بها السيد أوباما ليتولى ولايته الأولى عام ٢٠٠٩.
وبالفعل كان أوباما هو أول رئيس أميركي يتحدث عن الانسحاب من الشرق الأوسط، فأطلق مشروعه الاستراتيجي الجديد الذي أسماه (الإنتقال لآسيا)، وهو يعني ببساطة أن آسيا أصبحت أكثر أهمية لمستقبل الولايات المتحدة، وإذا كان عليها أن تخصص موارد أو ترسل جنوداً للقتال فعليها أن تفعل ذلك في آسيا وليس الشرق الأوسط.
أما بالنسبة لمصطلح الإنسحاب وفق المفهوم الأميركي فهو لا يعني الإنسحاب الكامل بل تخفيف الإلتزامات الاميركية في الشرق الأوسط، وذلك يوفر لهم الحفاظ على مصالحهم في المنطقة دون التورط بها، وعلى سبيل المثال البترول الذي جاء بها إلى المنطقة لم يعد بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية لأنها لديها اكتفاء ذاتي، لكن أهمية البترول للولايات المتحدة يَكمن بالسيطرة عليه لتسهيل توريده لحلفائها في شرق آسيا كاليابان، وايضا منع تدفقه بشكل كبير لخصومها وعلى رأسهم الصين.
كما أن منطقة الشرق الأوسط ليس فيها منظمة تعمل على احتواء الازمات بشكل كبير، مثل منظمة الاتحاد الافريقي أو كما هو الحال في أوربا بوجود الاتحاد الاوربي أو الحلف الأطلسي أو كما هو الحال في آسيا بوجود منظمة الآسيان، وبسبب انعدام وجود مثل هذه المنظمة في الشرق الأوسط كانت الولايات المتحدة ترى الضرورة بتدخلها في شؤون تلك المنطقة للحفاظ على مصالحها فيها.
فقرر أوباما أن يمهد للتخفيف من التزامات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، من خلال دعم تظاهرات الربيع العربي لإيجاد حكومات جديدة يثق بها لإدارة المنطقة خصوصاً وأن الشعوب كانت ناقمة على الحكومات السابقة التي كانت تجمعها علاقات جيدة بالولايات المتحدة ايضاً، فقرر دعم التيارات الإسلامية وعلى رأسها (الاخوان المسلمين) وكان تصوره نابع من مدى إعجابه بحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، لكن بعد مدة قصيرة فشل ذلك المخطط فشلاً ذريعاً، مما جعله يتجه إلى خطة بديلة وكان الهدف منها هو نفس الهدف الاول وهو محاولة تهدأت المنطقة حتى يتسنى للولايات المتحدة التخفيف من التزاماتها تجاه الشرق الأوسط، فكيف يهدأ المنطقة؟ حاول نزع فتيل الصراع بين إيران من جهة والكيان الصهيوني ودول الخليج من جهة أخرى، وكان سبب ذلك الصراع هو البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولو ترك البرنامج النووي الإيراني هذا يعني أمر من اثنين....
الاول: قد تسعى دول المنطقة لأنشاء برنامج نووي على غرار إيران فيصبح هناك سباق تسلح نووي في المنطقة وذلك ما لا ترغب به الولايات المتحدة.
ثانياً: أو تندلع حرب بين إيران وخصومها وهذا ما قد يغرق المنطقة بحرب شاملة قد تكون مخرجاتها أكثر ضرراً على الولايات المتحدة الأميركية.
وعليه قرر أوباما بالبدء بمفاوضات سرية مع إيران عام ٢٠١١_٢٠١٢ مع إيران انتهت بالاتفاق النووي عام ٢٠١٥ وبدأ تطبيقه في عام ٢٠١٦، والهدف كان محاولة احتواء إيران لتصل المنطقة للتهدئة لتتمكن الولايات المتحدة من تخفيف التزاماتها تجاه الشرق الأوسط، ولكن بسبب الموقف الخليجي من ذلك الأتفاق وموقف الكيان الصهيوني الرافض لذلك الأتفاق والاهم من دول الخليج والكيان الصهيوني كان اعتراض الجمهوريين لمباركة تلك الخطة، مما أدى لفشل أوباما للوصول إلى مبتغاه مرة أخرى.
وعندما جاء الرئيس ترامب عام ٢٠١٦ كان عازماً على نسف هذا الأتفاق، رغم انه كان يتوافق مع أوباما بضرورة تخفيف التزامات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن تصور ترامب كان مختلفاً كلياً عن أوباما بشأن التعامل مع المنطقة والاكتفاء بالحكومات التي تحافظ على مصالح الولايات المتحدة، وكذلك محاولة تركيع إيران بالخروج من الأتفاق النووي وفرض عقوبات كبيرة عليها أطلق عليها تسمية(الضغوط القصوى)، وكان يعتقد أوباما أن هذه الضغوط ستجبر إيران للجلوس على طاولة المفاوضات مرة أخرى وحينها يستطيع ترامب انتزاع تنازلات منها لم يستطع أوباما انتزاعها من قبل، وكان تصور ترامب
أن لم ينجح في ذلك فأنه على الاقل يكون قد أضعف إيران بشكل كبير، وبالمقابل سعى لتأسيس ناتو عربي يقوده الكيان الصهيوني من خلف الكواليس، مما دعى إيران للتماسك والإصرار على عدم الانصياع لرغبة ترامب، كما فوجيء ترامب بذهاب إيران لتطوير برنامجها النووي أكثر من اي وقت آخر، كذلك على العكس مما توقع ترامب فأن الضغوطات القصوى زادت من نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، مما ادى الى فشل سياسة الولايات المتحدة وترامب مرة أخرى.
ثم سعى ترامب لإرباك الحسابات الإيرانية من خلال خرق قواعد الاشتباك في حادثة اغتيال الشهيد الجنرال قاسم سليماني (رحمه الله) عام ٢٠٢٠، لكن الرد الإيراني اربك حسابات الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، حيث كان الرد بعدة استهدافات للمصالح والوجود الأميركي بل ومصالح حلفاء الولايات المتحدة كذلك، لكن اهم تلك الاستهدافات هو تعرض قوات الولايات المتحدة في قاعدة (عين الأسد) لأكبر هجوم صاروخي على قواعدها بالتاريخ، فأدرك ترامب أنه فشل مرة أخرى لكن هذه المرة الفشل كانت ضريبته خسارة الانتخابات للمرشح الديمقراطي جوزيف بايدن.
وحين جاء بايدن كان عازماً على العودة الى الأتفاق النووي الذي وقع عام ٢٠١٥، رغم انه مقتنع ان العودة للأتفاق النووي في غاية الصعوبة لعدة أسباب منها....
أولاً: البرنامج النووي الإيراني في ٢٠٢٢ تطور كثيراً عن برنامجها ٢٠١٥.
ثانياً: أن الإيرانيين سيطلبون منه ما لم يطلبوه من أوباما وهو ضمانات بأن الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية لا يخرج من هذا الأتفاق كما فعل ترامب.
ثالثاً: عدم قدرة بايدن تقديم تلك الضمانات لأنه بحاجة لإقرار من الكونغرس، وفالكونغرس يتواجد الجمهوريون الذين يتوعدونه بإجهاظ ذلك الاتفاق لأسباب عدة كذلك منها...
* المناكفات السياسية بين الجمهوريين واليمقراطيين.
* ضغوطات اللوبي الصهيوني.
* قناعة البعض من الجمهوريين بأن هذا الأتفاق غير عادل ويصب لصالح الإيرانيين.
ومن وجهة نظر الجمهوريين يعتقدون أن الأتفاق العادل هو إجبار إيران على التنازل عن كل شيء للولايات المتحدة الأميركية، ولعلم بايدن انه لن يحصل من ايران على أكثر مما قُدِمَ لأوباما، لذلك بايدن الآن في مأزق حقيقي وذلك المأزق يدل على السياسات المتخبطة للولايات المتحدة بإدارة ملف الشرق الأوسط.
لذلك السؤال الأكثر أهمية هو......
هل ستنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط؟؟؟؟
الإجابة ببساطة حتى لو أن بايدن نجح بإتمام الأتفاق النووي فالولايات المتحدة لن تستطيع التخلص من أعباء سياستها الخارجية بإدارة ملف الشرق الأوسط، ولن تستطيع الإنسحاب كذلك خصوصاً بعدما نعلم أن الولايات المتحدة إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دولة صغيرة جداً في المحيط الهادي تدعى (جُزر سليمان) لتقطع الطريق على الصين، فكيف لها أن تسلم الشرق الأوسط تلك المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية على طبق من ذهب للصين، وبذلك نفهم أن الولايات المتحدة لن تنسحب من الشرق الأوسط وستظل هذه المنطقة بالغة الأهمية، وقد تكون هذه المنطقة هي عامل الحسم بسباق زعامة العالم في سباق الولايات المتحدة والصين.