التقارير

روسيا و امريكا : نحو دبلوماسية الخطوط الحمراء وليس الحرب .


 

د . جواد الهنداوي *||

 

           سيلتقي وزير خارجية امريكا بنظيره الروسي نهاية الاسبوع الجاري ، و أعلن الرئيس بايدن بانه سيلتقي الرئيس بوتين أنْ لم تشّنْ روسيا حرباً لغزو اوكرانيا ( وفقاً لسبوتنك ، و نقلاً عن البيت الابيض ) .

          مواعيد للقاء بين الوزيريّن و تصريحات بالاستعداد للقاء بين الرئيسيّن الروسي و الامريكي تدّلُ ،بكل تأكيد ،بأن لا حرب و لا غزو روسي لاوكرانيا ،بل تعني بتفاهم بينهما نحو تعريف لمصالحهما وتعريف لحدود مصالحهما ،التي لايمكن لكل طرف تجاوزها ،اي الخطوط الحمراء للمصالح . وهذا هو السيناريو المتوقّعْ والذي سنشهدهُ خلال الاسبوعيّن القادميّن .

           ليس في مصلحة امريكا استمرار حالة التوتّر مع روسيا ؛ فالرئيس بايدن بأمّس الحاجة الى انجازات سياسية تُحسّن من مقبوليتهِ لدى الراي العام الامريكي ،وخاصة قبل الانتخابات النصفيّة  الامريكية المقرّرة هذا العام ، وتُحسّن ايضاً من مقبوليته اوربياً و دولياً . الاوربيون ،في حقيقة الامر ،في حيرة من أمرهم ،ازاء  الازمة الاوكرانيّة ،فهم ( اي الاوربيون ) بحاجة ماسة الى التعاون والتفاهم مع روسيا من اجل ضمان استمرار امدادهم بالطاقة والغاز ،ومن اجل السلام في ربوع قارتهّم .  سيلقي الرئيس بايدن خطابه السنوي عن حالة الاتحاد الامريكي ،في بداية الشهر القادم ،اي في ٢٠٢٢/٣/١ ، فهو حريص على ان يعلن لشعبه حُزمة انجازات على الصعيد الدولي ؛و مِنْ بين هذه الانجازات سيكون انجاز التفاهم و الاتفاق الامريكي الروسي بشأن ازمة اوكرانيا ،  وكذلك مصالحهما في الشرق الاوسط و خاصة في سوريا . ،ربما  ، ايضاً ، انجاز العودة الى الاتفاق النووي الاممي بين ايران و امريكا .

       ما يساعد و يشجّع الرئيس بايدن على تبني اسلوب الدبلوماسية بدلاً من التهديد والوعيد و الخيار العسكري، ليس فقط الحالة السياسية و الاقتصادية و النقدية للولايات المتحدة الامريكية ،و التي لا تسمح لامريكا بمغامرة عسكرية جديدة ، وانما ايضاً رجال ادارته ، وفي مقدمتهم السفير و رئيس ال CIA ,  ويليم بيرز ، و الذي نشرَ كتابه الموسوم ( القناة الخلفية) عام ٢٠١٩ ( دار النشر نيو روندم هاوس ) ، والذي انتقد فيه سياسة الرئيس السابق ترامب ، وسياسة بوش الاب و الابن ، و التي كانت قائمة ( حسب ما ذكره في مؤلفه ) على التضليل وخرق القوانين الدولية و على الحروب . ودعا الى تبني الخيار الدبلوماسي في حّلْ الازمات .

        من مصلحة امريكا التفاهم الآن مع روسيا وليس غداً ،اي التفاهم معها وقبل ان تبرمْ روسيا اتفاقات استراتيجية عسكرية و اقتصادية مع الصين ،وقبل ان تتطور العلاقات الروسيّة الصينية -الايرانية نحو اتفاق استراتيجي ، وهذا ما تخشاه امريكا .

     بطبيعة الحال ، اوربا هي بين المطّرقة و السندان .فهي لا تستطيع ان تتخلى عن علاقاتها السياسية و الاقتصادية مع روسيا ، و لا تستطيع ان لا تصطفُ سياسياً مع حليفها الامريكي ، ستُرحب وستشجع اللقاءات الامريكية الروسيّة .

      وزير خارجية روسيا سيلتقي الخميس المقبل في جنيف نظيره الامريكي ،وسيفاوض من موقع قوّة وسيمهدّ هذا اللقاء الى لقاء قمة بين بوتين وبايدن ، بموجبة ستتمْ ولادة اتفاق استراتيجي لتعريف مصالحهما في العالم وخاصة في اوربا وفي سوريا ومنطقتنا .

       لماذا ستكون روسيا في موقع قوة في مفاوضتها مع الجانب الامريكي ؟

      لانها واثقة من انها تفاوض امريكا متمكنّة عسكرياً ولكنها غير مقتدرة و غير راغبة بحرب ، و لانها خرجت تواً من حالة استنزاف من العراق و من افغانستان ،ولانها تواجه اقتصادياً وسياسياً قوى تقليدية عظمى و قوى دولية صاعدة . كما أنَّ التحشيد العسكري الروسي والمناورات العسكرية الروسية على الحدود مع اوكرانيا وفي سوريا ايضاً اظهرَ جهوزية و جدّية روسيا في الدفاع عن امنها القومي .

        الادارة الامريكية كانت ولا تزال على يقين بعدم اقدام روسيا لغزو اوكرانيا ،ولكنها تعمّدَت بالتشهير و بالترويج اعلامياً لغزو  روسي لاوكرانيا ،والسبب هو تضليل الرأي الامريكي ، وجعله يعتقد بأنّّ الرئيس بايدن وبحكمته حالَ دون وقوع الغزو الروسي ، وألزمّ الروس بنهج التفاوض والوصول لحّل سلمي .

        أزمة اوكرانيا ،او بالاحرى الازمة الروسية الامريكية الناتوّية في اوكرانيا ، بيّنتْ مدى اتكال الناتو و امريكا على مبدأ " الكيّل بمكياليّن " في تعاملهم مع الملفات و الازمات الدولية ،يحضرني بهذا الخصوص ماقاله، اكثر من مرّة ، الامين العام لحلف الناتو في لقاءاته ومؤتمراته الاوربية ومن ما قالهُ هو " روسيا تُهدّد سيادة الدول " .

      ولكن سيّان بين حالة تهديد سيادة الدول وحالة انتهاك سيادة الدول و احتلالها و تشريد شعوبها . كلاهما مُدانتان ،والثانية اسوأ بكثير من الاولى .

 

                   *سفير سابق /رئيس المركز العربي الاوربي

                   للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل

                   في ٢٠٢٢/٢/٢١.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
Mansour
2022-02-22
اعتقد ان العالم يشهد ولادة نظام دولي جديد، لان ولادة اي نظام دولي لا تتم الا بعد أزمة دولية كبيرة وهذا ما حدث بانهيار نظام الامن الجماعي بنشوب ح ع 1 وإنشاء منظمة عصبة الامم وهيمنة فرنسا وبريطانيا عليها ومن ثم انهيار هذا النظام في ح ع 2 وولاحدة الامم المتحدة وإحلال نظام الثنائية القطبية متمثلة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ومن ثم انهيار الأخير عام 1990 وهيمنة الاخيرة التي تحكمت بمصير الشعوب العالمية واختلاق الأزمات العالمية لضرب اي نظام غير موالي لها والأخطر من كل ذلك هو تحكمها اي الولايات المتحدة بأرزاق الشعوب ومصادر ثروتها من خلال نظام السويفت الذي اصبح سيف مسلط على رقاب الشعوب الغير موالية او خاضعة بإمرتها الامر الذي اصبح لا مناص من التخلص منه من قبل الدول الكبرى الاخرى كروسيا والصين التي أعلنته الاخيرة صراحة خلال الأزمة العالمية 2008 بانه لابد من ايجاد بديل لعملية تحكم الدول الأمريكي وعليه فان الأزمة الاوكرانية ما هي بداية لولادة هذا النظام واعتقد جازماً بان الهدف الروسي الأساسي للازمة الاوكرانية وبالتعاون مع الصين هو التمهيد لإيجاد نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ولكن السؤال الاخطر هو هل تقبل امريكا وبريطاني بمثل هكذا امر خاصة وان الاخيرة هي المسير الرئيسي للسياسة الامريكية او لنقل انها المستشار الأساسي لها فلذلك نرى بريطانيا اكثر اندفاعاً من امريكا في توريد الأسلحة لأوكرانيا بل وتبدو اشد عداءاً لروسيا من امريكا اما الاتحاد الاوربي الذي على ما يبدو تم تجييشه مرغماً للمواجه مع روسيا مثلما تم تجييش العرب ضد العراق أبان اشتياحه للكويت عام 1990 وعليه نأمل ان لأتكون ولادة النظام الدولي الجديد مكلفة للعالم وخاصة الدول التي ليس لها لا ناقة ولا جمل في خلافات ومصالح الكبار
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك