د.رعدهادي جبارة ||
الزيارة التي قام بها الرئيس الصهيوني اسحاق هيرتزوغ أمس الى انقرة لم تأتِ اعتباطاً ولم تكن مجرد زيارة بروتوكولية واعلامية أو لغرض المجاملة، بل كانت زيارة رسمية بمعنى الكلمة، و تلبية لدعوة رسمية من رجب طيب اردوغان، وهذا يعني ان الرئيس التركي اراد من دعوته الى هيرتزوغ تحقيق اهداف تدور في رأسه و تهمّ حكومته التي طالما كانت تزعم أنها إخوانية واسلامية و داعمة للقضية الفلسطينية و مناصرة للقدس!!! وغيرها من الشعارات والمزاعم الفارغة ،التي انهارت كلها عندما اصطف حرس الشرف الرئاسي التركي في المطار، وجاء رجب خان بنفسه احتراماً للرئيس الصهيوني، و صافح قاتل الاطفال بحرارة.
هذا التناقض في الموقف التركي والسياسة الاردوغانية صاحَبَه تلوّنٌ ملفت للنظر في السياسة الخارجية التركية ، إذ مافتئ رجب خان ينتقد دول مجلس التعاون الخليجي [عدا الكويت والدوحة ومسقط] على تطبيعها العلاقات مع الكيان الصهيوني، و استقبالها نفس الرئيس المجرم الذي استقبله هو شخصياً بعد أيام من زيارته لابوظبي [التي اوفدت وزير خارجيتها لاستقباله هيرتزوغ في المطار ولم يأتِ لاستقباله لا رئيس الامارات ولا حتى ولي عهده].
كيف ينتقد رجب خان التطبيع الخليجي_ الصهيوني ثم يقرر هو أيضاً أن يفعل الشيء ذاته؟
المراقبون السياسيون يرون ان طغمة تل أبيب طفقت تشعر بالانتصار الوهمي إثر استطاعتها من امكانية الوصول براً الى الاراضي الايرانية عبر الاراضي التركية بحدود يبلغ طولها 499 كيلو متراً، بعد ان تسللت الى المياه الخليجيه المحاذية للمياه الاقليمية الايرانية عبر البحرين و الامارات.
ولا شك ان ايران تشعر بحساسية بالغة تجاه هذا التطور الأمني السلبي المهم في جوارها،و لاحتمال تسلل عملاء الموساد الصهيوني عبر الجبال الوعرة للحدود المشتركة بين تركيا و ايران، وحاليا هناك تمهيدات لزيارة امير حسين عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني الى انقرة لتسليم الدعوة الرسمية و التمهيد لزيارة اردوغان المرتقبة قريبا الى طهران، ربما من اجل معالجة هواجسها من التقارب التركي_ الصهيوني.
ولكن اردوغان لن يتمكن من خداع الرئيس الايراني بان زيارة هيرتزوغ له كانت بروتوكولية فهذا كذب محض. فرجب خان نفسه و خلال مؤتمر صحفي مشترك مع هيرتزوغ اثر اجتماعهما في انقرة قال انه اتفق مع الرئيس الاسرائيلي على استئناف التعاون الدفاعي و العسكري (ويعني بيع الاسلحة لتل ابيب طبعا ) و تعزيز التعاون الاقتصادي وفي مجال الطاقة [تصدير الغاز الاسرائيلي بدل الروسي الى اوربا عن طريق تركيا] و احياء التبادل والتعاون الاقتصادي مع حكومة تل ابيب لتعود الى سابق عهدها ولدينا امكانيات لبناء شراكات مع اسرائيل في قطاع السياحة و السفر.
و بدا على رجب خان التلهف الزائد لاستقدام السواح الصهاينة [ومعهم اعضاء الموساد طبعا] و تصدير الاسلحة للاحتلال [وخاصة الطائرات العسكرية التركية المسيّرة "بيرقدار" التي باعها رجب لكييف ولكنها لم تنفع ليزنسكي وأغضبت بوتين] فضلا عن التعاون الامني و المخابراتي وكل ذلك يطعن الشعب الفلسطيني.
ولا شك أن اردوغان سيقوم بطرد من تبقى من قيادات الفلسطينيين و الاخوان المسلمين المصريين وحماس من اسطنبول، في محاولة للتقرب من البيت الابيض عبر اللوبي الصهيوني (الايباك) في امريكا و اوروبا من اجل مصالح ضيقة.
ما أسرع تنكُّر اردوغان لشعاراته الفلسطينية الفارغة ،و ما أسهل بيعه لقضية فلسطين والقدس وارتمائه في أحضان إسرائيل!!
من المؤكد أن زيارة الرئيس الصهيوني لأنقرة سوف تزيد من قمع الطغمة الصهيونية للشعب الفلسطيني وهدم بيوته و اضطهاد اسراه..
وقد تتوسط تل ابيب بين اردوغان والسيسي لعودة المياه الى مجاريها بين حكومتي انقرة و القاهرة .
وهناك من توقّف عند تلوّن و مهارة رجب خان التي تمكّنه من الجمع بين المتناقضين والخصوم، فما أن ينتهي من توديع هيرتزوغ في مطار اتاتورك حتى يستبدل طقم لباس جديد ويعود الى المطار متوجهاً الى طهران فيُستَقبَل بحرارة و يجتمع مع مسؤوليها و يوقع اتفاقيات للتعاون و استيراد الغاز الايراني.
ورد في الرواية:
[بئسَ العبدِ عبدٌ يكونُ ذا وجهَينِ وذا لسانَين].
☆باحث سياسي واستراتيجي
➖➖➖➖➖