نبيل صافية ||
تعدّدت آراء المحلّلين والباحثين في الحرب التي دارت رحاها وابتدأها الجانب الرّوسيّ ضدّ أوكرانيا مع إعلان الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين في الرّابع والعشرين من شباط الماضي والتي بدأت بصورة رسمية قبل أقلّ من شهر ، فإنّي أرى أسباب الحرب التي أُطلِق عليها حرباً روسيّة استباقيّة ضدّ حلف النّاتو وليس ضدّ أوكرانية فحسب ، وأرى أنّ تلك الأسباب تتمحوّر في الآتي :
استطاعت روسية أن تكشف المؤامرة البيولوجيّة ضمن أوكرانية والتي وجِدَت فيها معامل لصناعة البكتريا والأسلحة البيولوجيّة التي كانت تخطّط الولايات المتّحدة الأمريكيّة لضرب روسيا بيولوجيّاً ، وهذا ما كشفته روسيا عبر ضربتها الاستباقية ، وهذا يمثّل إثباتاً لما كنتُ قد أشرتُ إليه في بحثٍ عن العالم بعد كورونا والذي جاء متطابقاً في بعض ما ذكرته مع مستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ السّابق هنري كيسنجر ليؤكّد صحّة ما ذهبتُ إليه ، ويمثّل بالتّالي كشفاً لأكذوبة الولايات المتّحدة الأمريكيّة بأنّ وباء الكورونا كان صينيّ المنشأ ، وهذا ما كنتُ قد أشرتُ إليه قي الإعلام الرّسميّ السّوريّ قبلاً ، وذكرتُه في مقالات عدّة منشورة ، منها بعنوان : مؤشّرات السّقوط الأمريكيّ ، حرب باردة مع الصّين ونظام مالي بديل " و" هل الكورونا مؤشّر لانهيار النّظام الاقتصاديّ الأمريكيّ ؟! " ، ولعلّ من أسباب الحرب الاستباقية الرّوسيّة ضدّ حلف النّاتو فوق لأراضي أوكرانيا أنّ القوّات الرّوسيّة استطاعت أن تضبط في المطارات الأوكرانيّة أماكن سرّيّة لزرع صواريخ النّاتو فوق الأراضي الأوكرانيّة الموجّهة ضدّ روسيا ، فكانت الضّربة الاستباقيّة لكشف البنى التّحتيّة التي كانت تُجَهَّز ضدّ روسيا ، وتأتي الحرب بالتّالي استباقاً لدخول أوكرانيا حَلف النّاتو ، ممّا يجعل الهجوم الرّوسيّ لو تمّ _ بعد الدّخول في الحلف _ هجوماً على النّاتو ، ولذلك شكّل ضربة استباقيّة للحلف ، وقد أشرتُ في مقال منشور قبلاً عام 2016 حمل عنوان : " هل تُقرَع أجراس الحرب العالميّة الثّالثة " ، قلت فيه :
" لا يغيب عن الأذهان روسيا ومعها دول البريكس والهند وجنوب أفريقيا وما تمثّله من منظومة سياسيّة واقتصاديّة وعسكريّة ، وما يمكن أن تقدّمه لضمان مصالحها بدخولها الحرب أيضاً ، وهنا يأتي موضوع جزر القرم والخلاف مع أوكرانيا ، والرّدّ الرّوسيّ الذي كان موجوداً عندما بدأت الولايات المتّحدة نشر الدّرع الصّاروخي وخصوصاً في دول الاتّحاد الأوربيّ الذي أرادته أمريكا ملاصقاً لروسيا _ وإن كان قد بدأ يتداعى بخروج المملكة البريطانيّة المتّحدة وربّما تخرج منه دول أخرى أيضاً _ وإضافة إلى الدّول التي استقلّت أو انفصلت عن الاتّحاد السّوفيتيّ وسارعت أمريكا لإبرام اتّفاقيّات معها بما يخدم مصالحها في مواجهة روسيا ، وأعتقد أنّ هذا ما تريده الولايات المتّحدة الأمريكيّة وتسعى إليه " .
وتأتي مناطق سكن الأوكرانيين من أصول روسيّة في دونيتسك ولوغانسك _ وهما الجمهوريّتان اللتان أعلنتا استقلالهما عن أوكرانيا واعترفت روسيا بهما _ كان ضمن المخطّط الأمريكيّ والنّازيين الجدد في أوكرانيا لقتلهم أو تهجيرهم إلى روسيا لتغيير سكانيّ ديمغرافي فيهما ، فكانت الضّربة الاستباقيّة حماية لهم ممّا كان مخطّطاً .
ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى أنّ حلف النّاتو استباح الكنيسة الأرثوذكسيّة سابقاً في يوغسلافية ، وعمد إلى تكرار السّيناريو ذاته ضمن الجمهوريّتين المستقلّتين حديثاً ، فكانت الضّربة الاستباقيّة ، ولو لم يقم الجانب الرّوسيّ بالحماية الاستباقيّة وتلك الحرب لتعرّض الأرثوذكس لمجزرة جديدة كما حدث في يوغسلافية ، وبالتّالي فإنّ روسيا أنقذت جناحَي المسيحيّة العالميّة من التّذابح فيما بينهما .
ولكلّ حرب تداعياتها ، ولعلّ من السّابق لأوانه أن نتحدّث عن نتائجها ، ولكن بنظرة استباقيّة أيضاً ، فمن المعلوم أنّ الشّعوب الأوربيّة تكره الغطرسة الأمريكيّة ، كونها كانت تخيفهم من روسيا السّوفيتيّة ، وبعد أن قام الاتّحاد السّوفيتيّ بتفكيك نفسه وكذلك حلف وارسو انكشف الزّيف الأمريكيّ بالخطر السّوفيتيّ ، وبالتّالي تمّ كشف الخديعة الأمريكيّة ، ولم تعد الشّعوب راغبة باستمرار خضوعها للأمريكيين ، وربّما عدّوها احتلالاً ، لذلك تمّت المطالبة بجيش أوربيّ بعيداً عن أمريكا والنّاتو ..
والشّعوب الأوربيّة واضحة بخياراتها ضدّ أمريكا ، ولكنّ الحكومات الأوربيّة تابعة للهيمنة الأمريكيّة ولوجود استخباراتيّ أمريكيّ قويّ ، ولكنّني أعتقد أنّ هذه الحكومات _ رغم تبعيّتها للولايات المتّحدة الأمريكيّة _ ستشعر بالقوّة للتّحرّر من تلك الهيمنة في حال وجدت روسيا منتصرة في حربها ضدّ أوكرانيا ، وهذا له تداعياته الكثيرة ، وأعتقد أنّها ستبدأ من ألمانيا والنّمسا والدّول الشّرقية سابقاً حيث أرى أنّه من الممكن توالي الانسحابات من النّاتو كألمانية والنّمسا وبولندا ، وهذه الشّعوب كما هو معلوم تاريخيّاً
معادية لأمريكا ، والشّعب الألمانيّ لا يكره الشّعب الرّوسيّ أو لا يكنّ العداء له رغم هزيمته أمام الرّوس في الحرب العالميّة الثّانية كونه يعلم أنّ الرّوس لم يهاجموا الألمان إلّا بعد دخول القوّات الألمانيّة الأراضي الرّوسيّة ، لذلك قام برد الهجوم ممّا أدّى لهزيمة ألمانية ، أمّا الاعتداء الأمريكيّ على ألمانية فإنّ الألمان لم يهاجموا الأمريكيين في بلادهم .
وبرأيي : فإنّ الهجوم الرّوسيّ شكّل ضربة وقائيّة استباقيّة لخطّة خبيثة أراد النّاتو أن يدبّرها وينفّذها ضدّ روسيا ، وانتظروا تفكّك النّاتو ، وقادم الأيّام وما ستحمله تلك الحرب أوربيّاً وعالميّاً ، فلننتظر ونترقّب .
بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية